07/07/2010 - 12:02

هل إسرائيل عبء استراتيجي على أميركا؟../ فواز طرابلسي

هل إسرائيل عبء استراتيجي على أميركا؟../ فواز طرابلسي
انطلق السؤال الذي يجري تداوله منذ فترة عن الخلاف المعلن بين المواقف الرسمية الأميركية والإسرائيلية حول موضوعي تجميد الاستيطان والقدس الشرقية. وتغذى البحث من تصريحات متطابقة تقريباً عن تحوّل إسرائيل إلى عبء استراتيجي على أميركا، صدرت عن مصدرين أمنيين، الجنرال بتراوس الأميركي ومدير الموساد الإسرائيلي.

ما من شك في أنه توجد في القيادة العسكرية الأميركية وجهة نظر تقول بهذا القول. وقد جرى التعبير عنها بأوضح تعبير مؤخراً في مقال للخبير العسكري أنطوني كوردزمان المعروف بقربه من «البنتاغون». أهمية الرواية أنها تعبّر عن موقف قومي أميركي نادراً ما يبرز في الإعلام أو المواقف الرسمية عند الحديث عن العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، ما يدعو إلى أخذها مأخذ الجد.

ولكن، منعاً لقراءة نصوصية أو للتكبير والتضخيم المعتادين عند كل بادرة خلاف تبدر عن دولة أو قوة ما تجاه إسرائيل، كما حصل نسبة للخلاف التركي ـ الإسرائيلي، لا بد من تفحص أمرين على الأقل: الأول هو كيفية تعبير القائلين بهذا الرأي عن رأيهم. والثاني، تعيين موقعهم من التأثير في القرار السياسي الأميركي.

أول ملاحظة على هذه الرواية هي المفارقة بين مقدماتها والنتائج. في المقدمات استخفاف كبير، وعنجهي، في القيمة الستراتيجية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

يشدد كوردزمان على أن علاقات أميركا بإسرائيل ليست قائمة بالدرجة الأولى على المصالح الستراتيجية الأميركية. بل أن دوافع التزامات أميركا تجاه إسرائيل «أخلاقية ومعنوية» في المقام الأول. أنها وليدة ردود الفعل الأميركية على المحرقة اليهودية، وعلى تاريخ العداء لليهود في أوروبا، ومن أجل التعويض عن عجز الولايات المتحدة عن مساعدة اليهود الأوروبيين قبيل دخولها الحرب العالمية الثانية.

أما عن القيمة الستراتيجية بذاتها فلا تتعدى أن إسرائيل تقدم لأميركا بعض المعلومات الأمنية، وهي صاحبة تطويرات بسيطة في التكنولوجيا العسكرية، وتشكّل قوة عسكرية تضمن أمن بلاد عربية حليفة للولايات المتحدة الأميركية كالأردن مثلاً. ذلك أن الحروب التي تخوضها إسرائيل ضد بلدان عربية تحمل من الضرر لأميركا قدر ما تحمل من الفوائد، حسب تعبير كوردزمان.

بناء عليه، يخلص المحلل الستراتيجي إلى خلاصتين: الأولى هي تحذير إسرائيل من أن تعتبر نفسها أكثر من دولة في الدرجة الثالثة من الأهمية بالنسبة للمصالح الأميركية في عالم معقد ومتطلّب. والثانية، مطالبتها بأن تكون «حساسة لعدم تعريض المصالح الاستراتيجية الأميركية في العالمين العربي والإسلامي».

ومع أن المحلل لا يفصّل في كيفية هذا التعريض إلا أنه يوحي بأن التصلّب الإسرائيلي في النزاع العربي ـ الإسرائيلي من شأنه تعزيز القوى المتطرفة التي تقاتل القوات الأميركية في أفغانستان وباكستان والعراق.

لا يبدو أن لذلك الرأي من براهين أكثر من البراهين «الثقافية» من حيث أن جميع المعنيين في تلك البلدان مسلمون. أما أن تتغذى قوات الطالبان الأفغانية أو الباكستانية وعناصر تنظيم «القاعدة» العراقية من التصلّب الإسرائيلي في النزاع العربي ـ الإسرائيلي فأمر يحتاج إلى البراهين على اعتبار أن ثمة سراً يُحار كثيرون في تفسيره وهو تحييد نظام «القاعدة» للمصالح والأهداف الإسرائيلية في عملياته العسكرية.

وحتى لا نأخذ الحكي على علاته لا بد من القول إنه يلوح وراء هذه الحجة رغبة جامحة لدى بعض القيادة العسكرية الأميركية في تبرير الفشل المتتالي لمهماتها العسكرية على الجبهات الثلاث المعنية.

مهما يكن، فلننظر في كيفية تعريض إسرائيل للمصالح الستراتيجية الأميركية في النزاع العربي ـ الإسرائيلي والمنطقة عموماً. في حين يدور البحث في الستراتيجية، لا يظهر هنا إلا ما هو تكتيكي أو ما دون. يسجّل كوردزمان الاعتراض على التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وعلى الاحتفاظ بالأراضي وطرد الفلسطينيين من القدس الكبرى، ويطالب إسرائيل باستخدام العنف على درجة تراعي «الاعتبارات الإنسانية» وفق خطة معدة سلفاً، في إشارة إلى العدوان على غزة، دون وضع حق إسرائيل في استخدام العنف موضع بحث أو تساؤل. ويدعو في الحصيلة إلى الاقتداء بمثال إسحق رابين «البراغماتي» لتحقيق سلام هو في مصلحة إسرائيل الستراتيجية. أما على صعيد المنطقة، فالدعوة موجهة لإسرائيل للالتزام بالضوء الأميركي الأحمر الناهي عن الهجوم العسكري على إيران.

التنبيه الأخير معبّر لأنه يؤكّد عكسه: إن إسرائيل هي القوة الأبرز في المنطقة القادرة على توجيه ضربة إلى إيران عندما تقرّر الولايات المتحدة ذلك. أما أن يكون بعض القيادة العسكرية الأميركية ضد الضربة العسكرية، فهو لا يغيّر في دور إسرائيل الستراتيجي في المنطقة. ولكن لنفترض أن الموقف الذي يعبّر عنه كوردزمان وجنرالاته هو الموقف الرسمي الأميركي. ولنقارن بين سلوكين، إسرائيلي وعربي، تجاه محور البحث: النزاع العربي ـ الإسرائيلي.

يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو واشنطن الآن. وقد مهّد لزيارته بمزيج من التنازلات الشكلية والتشدد في التكتيكات حتى لا نتحدث عن الستراتيجيات لأنها خارج البحث أصلاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل. في المفاوضات غير المباشرة مع السلطة الفلسطينية، رفض البحث في موضوع حدود الدولة الفلسطينية قبل الاطمئنان إلى الترتيبات الأمنية الفلسطينية. وهو غير مطمئن عليها. ومع أن نتنياهو لم يعلن شيئاً عن مصير التجميد الجزئي للاستيطان الذي تنتهي مهلته في أيلول القادم، إلا أن وزراءه يلوّحون بأكبر مشروع استيطاني يؤدي عملياً إلى تهويد القدس الشرقية.

من جهة ثانية، فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي خط تفاوض سريا مع تركيا، على أساس رفض الاعتذار عن جريمة «أسطول الحرية» وتخفيف قيود الحصار على غزة وزيادة صلاحيات اللجنة الإسرائيلية للتحقيق في الجريمة، وهي تلبي الحد الأدنى من الشروط الأميركية.

للمقارنة فقط، أثار حامي الحرمين الشريفين زوبعة من ردود الأفعال إذ صرّح لجريدة «الفيغارو» الفرنسية أثر زيارة واشنطن، ثم كذّب التصريح، أن ثمة دولتين لا تستحقان الوجود في المنطقة: إسرائيل وإيران. ومع ذلك، تمت زيارته تحت لواء الحرب ضد إيران والسلام مع إسرائيل. في واشنطن، توسل العاهل السعودي التصديق الأميركي على صفقة لتحديث سلاح بلاده الجوي من مقاتلات «أف 15». قيمة الصفقة 40 مليار دولار. أما الطريقة التي بها سوف يزيل العاهل السعودي إسرائيل من الوجود فتتمثل في أنه «انتزع»، من الرئيس أوباما دعماً لدوره في مبادرة السلام. لاحظوا: الدعم لا للمبادرة بذاتها، بل للدور القيادي للعاهل السعودي فيها! في المقابل تمنى حامي الحرمين الشريفين الانتقال إلى المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية، في وقت يعلن فيه رئيس السلطة الفلسطينية أن لا أمل يرجى من المباشرة ما دام لا شيء تحقق في غير المباشرة!

تصير إسرائيل عبئاً استراتيجياً على أميركا عندما يصير العرب عبئاً استراتيجياً على أميركا. أي عندما يمتلكون القدرة والقوة على تخيير الولايات المتحدة بين مصالحها في المنطقة وبين دعمها لإسرائيل.

إلى أن يتم ذلك، ما يحجم عنه حاكم عربي، من حيث المطالبة والضغوط، يفيد منه حاكم إسرائيلي أضعافاً مضاعفة وهو يمارس المطالبة والضغوط. وكل ما عدا ذلك حديث خرافة يا أم عمرو!
"السفير"

التعليقات