12/07/2010 - 12:55

نحو برنامج عمل سياسي فلسطيني(1)../ د.سلمان أبو ستة*

نحو برنامج عمل سياسي فلسطيني(1)../ د.سلمان أبو ستة*
لا يخفى على أحد الوضع المتدهور للقضية الفلسطينية سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي. ولذلك هناك حاجة ماسة لمراجعة هذا الوضع والخروج ببرنامج عمل سياسي قابل للتطبيق. ولا نقول هنا إن هناك حاجة إلى برنامج وطني، فهو ما زال الميثاق الوطني لعام 1969 وخلاصته أن فلسطين عربية وأن المقاومة (بكل أشكالها) هي وسيلة العمل.

الساحة الفلسطينية

كانت أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة واضحة كل الوضوح. الوطن معروف والعدو معروف. في الخمسينيات والستينيات نشأت حركة الفدائيين والجمعيات السرية (في قطاع غزة أولاً) ثم تكونت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 ووصلت إلى قمت بروزها عام 1974، وبعدها بدأ الانحدار. وفي المجلس الوطني الأخير في الجزائر عام 1988، وافق المجلس على مضض بأغلبية الثلثين على دولة فلسطينية على خط الهدنة 1949 مع التمسك بحق العودة. ثم جاءت كارثة أوسلو عام 1993 التي شكلت عقد إذعان للشعب الواقع تحت الاحتلال دون الإشارة إلى القانون الدولي أو الحقوق الفلسطينية. ولا نزال إلى اليوم تحت تأثير هذه الكارثة.

ومثلما انشق السادات عن سلفه عبد الناصر، انشق محمود عباس عن سلفه عرفات، فقد تخلى عن المقاوم،ة واعتبر أداتها «حقيرة» ولجأ إلى «حياة» من المفاوضات، وتخلى عن القرار الفلسطيني المستقل واحتمى برضاء الدول الغربية والعربية، وتخلى عن فلسطين عربية، واكتفى بالسعي وراء دويلة من بقايا الضفة، واختزل قضية فلسطين كلها إلى كيان معيشي للضفة، وتخلى، إلا بالاسم، عن حق العودة، وتخلى عن منظمة التحرير كصوت الشعب الفلسطيني، إلا كخاتم شرعي للمفاوضات، واكتفى بالسلطة في رام الله، كصورة محسنة من «رابطة القرى»، تجلب الأموال من الغرب وتشتري المؤيدين.

واستسلم عالماً أو غير عالم، إلى خدعة بلير التي يقول فيها: على الفلسطينيين أن يقبلوا بشروط الرباعية (الاعتراف بإسرائيل... الخ) وإلا فلن يحصلوا على المساعدات، ولن تحصل غزة المحاصرة على 4.8 مليار دولار التي وعد بها الغرب في شرم الشيخ لإعمار غزة التي دمرتها إسرائيل.

ومن واجب الرئيس الفلسطيني أن يعلم أن بلير كذاب (وهو الذي خدع العالم لشن الحرب على العراق). بلير كذاب لأن الرباعية لم تضع شروطاً إطلاقاً على الفلسطينيين. يقول الفارو دي سوتو الوسيط الدولي لفلسطين (خليفة برنادوت) في تقريره النهائي في مايو 2007 في الفقرة 79:

"وهناك سوء فهم عام بالقول أن الرباعية وضعت "شروطا" إذا لم تنفذ، فإن ذلك سيكون عقبة في المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية والتواصل معها. لقد حاولتُ المرة بعد الأخرى الإيضاح للصحافة أن الرباعية لم تفرض ولو مرة واحدة شروطاً تدعو الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف... (الخ). وإذا كان هذا يبدو كأنه "شروط" الرباعية، فالواقع أن هذه الشروط هي سياسات أميركا والاتحاد الأوروبي وحدها.. وحقيقة الأمر أنهما تتخذان من روسيا والأمم المتحدة غطاء تحت اسم الرباعية لتنفيذ سياستهما".

وفي هذا الجو البائس، أصبح الشعب الفلسطيني شعوباً مختلفة. شعب غزة (12% من الفلسطينيين) محاصر من إسرائيل والغرب والدول العربية الموالية. وهذا الحصار يشكل جرائم حرب وجرائم إبادة بحسب أبسط قواعد القانون الدولي. وشعب في الضفة (18%) قيدت السلطة يديه ومنعته من المقاومة ومنعته في كثير من الأحيان من مجرد التعبير عن تضامنه مع أبناء شعبه في غزة، وزينت له أن غاية أمنياته هو "بناء مؤسساته" تحت ظل الاحتلال، وأهله معزولون عن بعضهم في مناطق أ، ب، ج ومن بينهم أهل القدس المحاصرون والمهجّرون من ديارهم بالنسف والإبعاد، ومجموع كل هؤلاء (30%) هم الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة. وشعب فلسطيني عاش على أرض الوطن تحت حكم إسرائيل لستة عقود يبلغ تعداده 1,250,000 فلسطيني في الداخ (1948)، وهم الآن الذين يحملون راية الوطنية داخل إسرائيل. وشعب الشتات: اللاجئون في البلاد العربية، بين خوف من طردهم من أماكن اللجوء إلى المجهول بعيداً عن الوطن الأم وخوف الدول المضيفة من احتمال توطينهم فيحرمون من أبسط الحقوق المدنية كإجراء وقائي. ولعل الخوف من التوطين هو الذي يضع الدول العربية المضيفة بين نارين: تشجيع اللاجئين على المطالبة بحق العودة كي يغادروا البلاد، والخشية من إنشائهم كيانات وتجمعات سياسية للمحاربة من أجل العودة. أما شعب الشتات في أوروبا وأميركا الذين يتجاوز عددهم 500,000 فهم من أنشط الفئات سياسياً وإعلامياً وقانونياً، لأنهم يعيشون في مجتمعات ديمقراطية تسمح بالتجمع، وإن كانت سياساتها لا تزال موالية لإسرائيل، وهم يحتاجون فقط إلى تجميع قواهم وتوحيد صفوفهم.

في هذا المناخ الفلسطيني يبدو بديهياً أن يكون الواجب الأول لأي رئيس فلسطيني تجميع الصفوف، والعودة إلى كامل الشعب الفلسطيني، تحت إطار مجلس وطني جديد منتخب يمثل 11 مليون فلسطيني، من بينهم 70%، ليس لهم اليوم تمثيل ولا رأي في مصيرهم منذ عام 1988 على الأقل. ولكن محمود عباس رفض أي محاولات للقيام بذلك، رغم أن اتفاقاً مكتوبا في القاهرة في مارس 2005 قد تمت الموافقة عليه من جميع الفصائل، ورغم أن ممثلين لقطاعات واسعة من المستقلين، (والمستقلون هم أغلبية الشعب الفلسطيني، أكثر من 95%)، قد قابلته لهذا الغرض. ولكنه رفض الاستجابة لهذا المطلب الجوهري تحت أعذار مختلفة.

أما المصالحة بين فريقين فصيلين فقد شغلت الناس أكثر مما ينبغي، فهي في أحسن الأحوال خلاف على برنامج سياسي وفي أسوئها خلاف على مراكز السلطة مع اختلاف تاريخ كل منهما في النزاهة. ومكان المصالحة ليس في العواصم العربية ولا أمام أجهزتها الأمنية، وإنما في مجلس وطني منتخب هو الذي يحسم الخلاف على البرامج والأداء. ولو كان هذا المجلس موجوداً، لكفانا مؤونة التنقل بين العواصم العربية والفضائيات.

والخلاصة انه يجب على الشعب الفلسطيني اتخاذ إجراء جديد لوضع البرنامج السياسي المطلوب لتحقيق وحدة الشعب الفلسطيني وتمثيله.

إسرائيل

على الطرف الآخر من المعادلة، تقع إسرائيل. ما هو وضعها اليوم؟ إسرائيل صهيونية. ولو تخلت عن الصهيونية لما أصبحت إسرائيل، وأصبحت فلسطين بها جالية يهودية مهما كبرت. ولذلك لا فائدة من البحث في الركام عن قائد إسرائيلي يؤمن بالحقوق الفلسطينية، وأما تصنيف هذا القائد أو ذاك كيميني أو يساري فلا قيمة فعلية له.

إسرائيل لا تزال متمسكة بخريطة حدود إسرائيل التي قدمتها المنظمة الصهيونية لمؤتمر السلام في فرساي عام 1919. وكل الأحداث التي وقعت من ذلك الحين إلى اليوم تؤيد ذلك. قالت المنظمة الصهيونية إن حدود إسرائيل الغربية تكون "بالاتفاق مع مصر". وهذا ما هو واقع اليوم. وإن الجولان جزء من إسرائيل وهذا ما تم منذ احتلاله عام 1967. وإن جنوب لبنان حتى الليطاني جزء من إسرائيل، وهذا ما فشلت في تحقيقه إسرائيل ولكنها لا تزال تحاول.

أما الحدود الشرقية التي تطالب بها المنظمة الصهيونية فهي خط سكة حديد الحجاز، أي خط درعا ـ عمان ـ معان ـ العقبة. وهذا ما تحاول إسرائيل تطبيقه الآن، بوضع برنامج لطرد الفلسطينيين من الضفة بادعاء أن كل فلسطيني في الضفة متسلل يتوجب طرده، والاستمرار في بناء المستوطنات، وسحب هويات القدس، وتجريد أهالي الضفة من 90% من مياه الضفة، وإقامة 600 حاجز على الطرق، والاعتقالات والاغتيالات وغير ذلك.

لم يعد استيلاء إسرائيل الكامل على الضفة سراً حتى في الأوساط الإسرائيلية والغربية. فقد كتب عنه إسرائيليون مثل اكيفا ايلدار وعميرة هاس، وإيال وايزمان، وجيرشون غورنبرغ منذ عدة سنوات. كذلك يوثقه بشكل دوري مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (OCHAOPT).

وقد أوضح هذا الأمر البروفسور جون ميرز هايمر، الاستاذ المشهور، صاحب تقرير «اللوبي الإسرائيلي» مع زميله البروفسور ستيفن والت، في محاضرته لدى مركز فلسطين في واشنطن ابريل الماضي. وهو أميركي قح يخدم مصالح بلاده فقط.

لقد بيّن بتحليل دقيق للسياسات الإسرائيلية، أن الضفة مقبلة على التهويد الكامل مع بقاء بقع عربية، مما يجعل إسرائيل دولة فصل عنصري على كامل فلسطين التاريخية، ويفتح الباب أمام تهجير جماعي للفلسطينيين، لان البديل في حال زيادة عدد الفلسطينيين إلى حد الأغلبية ألا تكون إسرائيل دولة صهيونية، بل دولة ديمقراطية لجميع السكان، وهذا لن تسمح به إسرائيل حتى لو اقترفت هولوكوست ضد الفلسطينيين.

ولنلق نظرة على التركيبة السكانية لإسرائيل:

في عام 2009، بلغ عدد السكان اليهود في إسرائيل 5,500,000 إذا اعتبرنا أن كل الروس البالغ عددهم مليون نسمة يهودا، (والواقع أن 40 - 60% منهم غير يهود). حوالي نصف اليهود مهاجرون ولدوا خارج فلسطين، والنصف الآخر ولدوا فيها، ولذلك فإن فئاتهم العمرية صغيرة. ومن حيث الأصل، فإن 37% من اليهود جاءوا من أميركا وأوروبا و29% من آسيا وأفريقيا. وهذه النسبة الأخيرة في تزايد بسبب ارتفاع نسبة المواليد لديهم.

هذه الأرقام والنسب معرضة لتغير كبير في حال انتفاضة كبيرة أو اضطرابات خطيرة في المنطقة أو حروب تصاب فيها إسرائيل بضربة موجعة. والتحول في التركيبة السكانية سيكون هائلا لو تحولت إسرائيل من دولة صهيونية إلى دولة ديمقراطية لكل مواطنيها عرباً ويهوداً. يقول البروفسور الأميركي اليهودي Ian Lustic، انه بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 تضاعف عدد الذين تركوا إسرائيل، وزادت نسبة الذين استرجعوا جنسياتهم الأوروبية بمقدار 40%. ومن الملاحظ من تقارير الإحصاء الإسرائيلية أن ثلاثة أرباع الإسرائيليين يسافرون خارج البلاد على الأقل مرة في السنة وأن حوالي ثلاثة أرباع مليون يهودي يحملون الجنسية الإسرائيلية يقيمون خارج إسرائيل بصفة شبه دائمة. وأن كل يهودي في إسرائيل لديه جنسية أخرى، صالحة للاستعمال أو ممكن استرجاعها من بلد الموطن.

وكما يستنتج البروفسور ميرز هايمر، فإن إسرائيل ستقاوم مقاومة عنيفة انخفاض عدد اليهود أو نسبتهم، إما عن طريق تشجيع هجرة جديدة، وهذا صعب جداً في الوقت الحالي لنضوب المصادر المفيدة لإسرائيل، أو عن طريق طرد الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين التاريخية الذين يتكاثرون بسرعة أكثر من اليهود (عدا الحاريديم)، وستستعمل إسرائيل كل الوسائل، ولو إلى حد استخدام "سياسات إجرامية" كما يقول، مثل التهجير العرقي أو أسوأ من ذلك. وقد تستخدم هذه السياسة دون تردد تحت غطاء حرب إقليمية، أو محاربة الإرهاب.

ولذلك فإن الطريق الوحيد المفتوح لإسرائيل هو أن تصبح علناً وبشكل مفضوح دولة فصل عنصري، أسوأ من جنوب إفريقيا. ولذلك فإنه لا أمل في قيام دولتين مستقلتين بالمعنى الدولي المتعارف عليه على أرض فلسطين، مع أن هذا الخيار في مصلحة إسرائيل لأنه يختزل قضية فلسطين في حكم ذاتي محدود على خُمس مساحة فلسطين. ولذلك تدعمه أميركا والاتحاد الأوروبي وتحث محمود عباس على الدخول في مفاوضات «حياتية» عقيمة يعلم الكل أنها لن تأتي بنتيجة مقبولة، لأن أعلى ما ستوافق عليه إسرائيل سيكون أقل كثيراً مما يقبله حتى المؤمنون بتلك المفاوضات.

والخيار المنطقي الآخر إذا استمرت إسرائيل في أسلوبها الحالي هو قيام دولة ديمقراطية لجميع السكان على أرض فلسطين التاريخية. وهذا لن توافق عليه إسرائيل طوعاً أو اختياراً. ولو حدث فإنه، كما يقول اوري أفنيري، «داعية السلام»، لن يبقى في فلسطين اشكنازي واحد، فالاشكناز هم جنود الصهيونية.

إذاً، الصدام محتوم. فإما أن تكون فلسطين دولة صهيونية بالكامل يهجّر أهلها الفلسطينيون إلى شرق الأردن، وهذه هي الخطة الحالية، أو دولة ديمقراطية للعرب واليهود، وهذا هو الحل الوحيد على المدى البعيد. وهذا بالطبع يستثنى ظروفاً فجائية غير متوقعة في المنطقة، وما أكثرها، تسارع في حدوث هذا الأمر أو ذاك.

إذن لم يعد طرد أهالي الضفة موضع خلاف في السياسة الإسرائيلية، ولكن الخلاف هو على الأسلوب والتوقيت وطريقة التقسيط، بحيث لا تثير العالم الغربي، هذا لو أبدى غضبه. ولكن إلى أين يطردون؟

لم يعد الوطن البديل في الأردن خرافة في الفكر الإسرائيلي. لقد وقع الملك حسين المعاهدة مع إسرائيل تحسباً لذلك أي كي تعترف إسرائيل بالأردن كدولة مستقلة شرقي النهر، وليس العكس. أي ليس المهم اعتراف الأردن بإسرائيل. وهذا ما أكده له شارون شخصياً. فجنرالات إسرائيل يفضحون السر بين آونة وأخرى.

ليست المسألة تحويل الأردن إلى وطن بديل فقط، بل قد تصبح المشكلة أعمق من ذلك: باستيلاء إسرائيل على شريط من دولة الأردن يوازى نهر الأردن شرقاً حتى خط سكة حديد الحجاز (تقريباً 30 - 50 كم شرقي نهر الأردن) كما دعت إليه المنظمة الصهيونية عام 1919. ويطرد الفلسطينيون في الضفة إلى شرقي هذا الخط. وبذلك لا تحتاج إسرائيل إلى حاجز عسكري على نهر الأردن الذي تحتله الآن. وخط السكة الحديد هو أفضل عسكرياً لإسرائيل من مواقع على ضفة النهر الغربية لأنه يحتوى على مرتفعات تقام عليها محطات إنذار في عجلون مثل جبل الشيخ في الجولان.

ولكن رغم قوة إسرائيل العسكرية وخضوع العرب المجاورين لها، فإنها هشة في كثير من النواحي خصوصاً الجغرافية والسكانية. ومن حيث التوزيع الجغرافي فإن 84% من اليهود يعيشون في 17% من مساحة إسرائيل وتقع مناطق سكناهم العمرانية في منطقة صغيرة لا تتجاوز 5% من مساحة إسرائيل. وباقي الأرض في إسرائيل بها أقلية من السكان وتستعمل أساسا للقواعد والمنشآت العسكرية.

وإذا أخذنا شريطاً بعرض 50 كم يمتد من قطاع غزة حتى الخليل، فإننا لا نجد فيه يهوداً يتجاوز عددهم مخيم لاجئين واحد (عدا سكان المدن). وهؤلاء هم سكان الكيبوتس الذي أفلس مالياً وايديولوجياً ولم يبق فيه إلا العجزة. ولو أخذنا شريطاً بعرض نصف حدود لبنان الجنوبية يمتد من تلك الحدود حتى جنين فإننا نجد مثل هذا العدد من اليهود سكان الأرض المحتلة، (باستثناء سكان المدن وأهل الجليل الفلسطينيين).

أما الاقتصاد في إسرائيل فهو قوي جداً من جهة وهش من نواح أخرى. يبلغ الناتج المحلى الإجمالي لإسرائيل 207 مليارات دولار لعام 2009، مصدره 32% من الصناعة، 65% من الخدمات، 3% من الزراعة فقط. ومصادر الناتج القومي الإجمالي تأتى كالآتي: 74% من التصدير الصناعي و24% من تصدير الخدمات. أي أن اعتماد اقتصاد إسرائيل الأساسي على (1) على الصناعة ذات التقنية العالية و(2) على التصدير لأوروبا وأميركا.

وليس من العجب أن يقال إن إسرائيل ربيبة الغرب. ذلك لأن إسرائيل مصنع كبير محصور في عدة مناطق جغرافية حول حيفا وتل أبيب، يسّوق له اليهود في أميركا وغرب أوروبا بما لهم من التأثير المالي والسياسي في تلك البلاد. فإسرائيل إذن «منطقة تجارية حرة» ليهود الغرب. وهي أيضاً ملجأ للهاربين من وجه العدالة، وأكبر مكان لغسل الأموال التي يجنيها اليهود في الغرب.

وقد أجمع 250 خبيراً إسرائيليا في دراستهم لمستقبل إسرائيل حتى عام 2020 على أن الاهتمام بالارتباط الصناعي مع الغرب هو أساسي، وأن هدف إسرائيل الأول أن تكون من مصاف الدول الصناعية الستة إلى الثمانية في العالم. ولهذا عقدت إسرائيل عشرات الاتفاقيات الصناعية والعلمية مع الدول الغربية لهذا الغرض، وتبيع منتجاتها لهم بعقود طويلة الأجل، بل تدفع تلك الدول نفقات الأبحاث والتطوير.

ويقول مخطط إسرائيل لعام 2020 إن غرض إسرائيل من السلام مع العرب، ليس خشية من قوتهم العسكرية، وليس رغبة في تسويق منتجاتهم في الأسواق العربية فهي عالية التقنية لا يحتاج إليها العرب، وإنما لأن "السلام"، والمقصود به اعتراف العرب بشرعية إسرائيل، يهدئ مخاوف الغرب على استثماراته في إسرائيل. وإسرائيل تحتاج إلى تدفق هذه الأموال. وأي خطر يهدد إسرائيل حتى لو كان انتفاضة، أو انفجارات هنا أو هناك، أو تخريب لاستثمارات الغرب الصناعية مهما كان صغيراً، سيكون له تأثير سلبي كبير على اقتصاد إسرائيل، وعلى اقتصاد الغرب الداعم لها.

وهذا يفسر سعي إسرائيل الدائم إلى عرض واجهة سلام مزيفة والدخول في مفاوضات أبدية غرضها إعطاء الغرب وبعض العرب الانطباع بأن السلام قادم لا محالة، وانه لا خوف على استثمارات الغرب، لا من ناحية فعلية من حيث الخوف من تدميرها، ولا من ناحية قانونية دولية، أي عزلها دولياً، وتقديم قادتها لمحكمة جرائم الحرب
"السفير"

التعليقات