19/07/2010 - 14:06

لا بديل من وقفة عربية../ كلوفيس مقصود

لا بديل من وقفة عربية../ كلوفيس مقصود
تتسارع التطورات الأخيرة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ تم على ما يبدو نوع من التوافق بين إدارة أوباما ورئيس وزراء “إسرائيل” نتنياهو بروتنة المباحثات بشكل يضمن استمرار اهتمام أمريكا في إيجاد حل ما للمعضلة الفلسطينية، تمهيداً لإعادة رسم خريطة المنطقة ترسخ تداعيات معاهدة صلح مصر مع “إسرائيل”، وبخاصة الحيلولة دون أي شكل من تنسيق عربي على المستوى القومي؛ ناهيك عن أي احتمال لاتحاد أو وحدة.

بمعنى آخر هناك اتجاه لفصل المباحثات المباشرة وغير المباشرة بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” عن العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”.

هذا التطور يبرز بشكل واضح في موازاة مزيد من التنسيق الاستراتيجي والعسكري بين إدارة أوباما وما يندرج من تباينات في المواقف المعلنة بين الإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”، خاصة في ما يتعلق بالمباحثات التي يرغب باستمرارها الرئيس أوباما.

مثلاً قامت “إسرائيل” في الأسبوع الماضي باختبار جهاز صاروخ دفاعي متحرك سمي “القبة الحديدية”، نصف ميزانيته أي 205 ملايين دولار يدفعها المواطن الأمريكي، تنفيذاً لخطط تقدمت بها إدارة أوباما مدعومة بشكل واسع من الكونغرس.

وقد صرح الناطق الرسمي لوزارة الدفاع جيف موريل “أن وزير الدفاع جيتس يعتقد أننا نتعاون عسكرياً بشكل غير مسبوق”، ويصرح مسؤول “إسرائيلي” بأن التعاون أصبح يشمل ويمكن أن يتعزز في عديد من القطاعات. وصرح إليوت أبرامز المسؤول في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش والمعروف بتحيزه الكامل لـ”إسرائيل” قائلاً “إن حماية العلاقات الاستراتيجية من الفوضى الدبلوماسية سياسة ذكية جداً”، ووصفها بصوت الصمت. وتقول أوساط البيت الأبيض إن ضمان أمن “إسرائيل” يجعلها قادرة أن تتخذ قرارات صعبة من أجل أن تصنع سلاماً، هذا ما قاله أندرو شابيرو مساعد وزيرة الخارخية للشؤون العسكرية والسياسية.

وتضيف الواشنطن بوست أن مساعي الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان كثيراً ما تستفيد من دروس ومن تطوير آليات استخدمتها “إسرائيل” في نزاعاتها والعكس بالعكس. وقال شابيرو نفسه إننا نتبادل المعلومات ونبحث التطورات في المنطقة، وإن اتصالاتنا بعضنا مع بعض أكثر تواصلاً وحميمية . وأنهى حديثه بأن هذا التبادل في الرأي مفيد للطرفين.

نشير إلى هذه التطورات باعتبارها تؤكد تعزيز العلاقات الاستراتيجية والسياسية بين إدارة أوباما و”إسرائيل”، ولكونها تعزز بشكل قوي الصيغة الرئيسية للعلاقات “الإسرائيلية” الأمريكية بضمان التفوق الاستراتيجي “الإسرائيلي” على الدول العربية مجتمعةً، وهذا يعنى كما يقول الخبير العسكري أنطوني كوردسمان المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، “إن تمويل أمريكا لـ”القبة الحديدية” إضافة إلى سخائها، يعدّ أكبر مساعدة عسكرية لأي بلد في العالم”.

كما يضيف كوردسمان نفسه أن الدول الأخرى التي تتسلّم مساعدات عسكرية تشتريها من الولايات المتحدة، فإن “إسرائيل” وحدها مسموح لها استعمال 26 في المائة من التمويل لتطوير وإنتاج أسلحتها بنفسها. يعطي هذا الترتيب قيمة مضافة تبلغ خمس أو ست مرات كدولة مثل مصر أو الأردن. لذا باستطاعتنا الاستنتاج أن الإدارة الأمريكية مثل سابقاتها تجعل التفوق الاستراتيجي ل”إسرائيل” قوة مهيمنة، ما يمعن في تهميش أية حقوق للشعب الفلسطيني، ولا يجعل أياً منها سوى “تنازل إسرائيلي” من شأنه أن يخدر الإرادة العربية إجمالاً من خلال ضمان ديمومة فقدان الدولة العربية الأكبر قدرة أي مصر، الردع ناهيك عن قدرة مطالباتها بالحقوق الفلسطينية . في هذا الشأن يقول الرئيس أوباما، كما ورد في حديثه للتلفزيون “الإسرائيلي”، “إن لدينا شريكاً يتفهم مصالحنا ونحن نعتمد أن تكون الشراكة في التعاون دائماً مستمرة في التقدم”.

***

أردت في هذه العجالة أن أشير إلى أن الدول العربية وجامعتها وقممها إذا بقيت تصدر قرارات من دون أن تنطوي على تنسيق ملزم على الأقل في ما بينها، ومن دون صياغة استراتيجية عربية موحدة، فسوف يستمر التقاعس في أخذ إجراءات جريئة كقطع العلاقات الدبلوماسية القائمة بين دول عربية مع “إسرائيل”، ومطالبة مجلس الأمن أخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة “إسرائيل” على استمرارها في خرق القوانين والقرارات الدولية، وعدم الاعتراف بواقعها الاحتلالي، ومحاولاتها تقسيم المقسم في فلسطين، كما ورد في مطالبة وزير خارجيتها ليبرمان، فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية واستمرارها في تهويد القدس.

يستتبع أو يترافق مع هذا حملة إعلامية مكثفة، خاصة في الولايات المتحدة وغيرها، لتبيان الأخطار التي ينطوي عليها استمرار “إسرائيل” في استباحة الحقوق الفلسطينية، ويترافق مع هذه التعبئة إقناع العالم بأن الدول العربية ملتزمة السلام العادل وليس السلام فحسب. هذا نجده يوماً بعد يوم في العراق، في أفغانستان، في باكستان، في كثير من الدول الإفريقية، لذلك إن ما تقوم به “إسرائيل” في المنطقة العربية من شأنه أن يؤول إلى انفجارات عبثية نشاهد بعض مظاهرها كل يوم في العمليات الإرهابية وغيرها.

إن ما تقوم به “إسرائيل” من عدوان على الشعب الفلسطيني، وما قامت به، خاصة وأخيراً في عمليات المحارق التي حدثت في غزة والتهويد في القدس، يمس كرامة الأمة العربية، ودائرة الوجدان في العالم تفسر ما نشاهده من الاحتضان الدافئ للشعب الفلسطيني الذي إحدى تجلياته كانت في أسطول الحرية التي قامت بها تركيا والمحاولات المستمرة لخرق حصار غزة.

لن تستقيم المعادلة إلا بتنسيق ملزم وخطاب واحد لدول الأمة العربية في مخاطبة العالم، وفي ردع “إسرائيل” والمشروع الصهيوني، وإلا استمر هذا الفراغ في قيام مرجعية عربية موثوقة.

نشاهد التداعيات الأليمة في الصومال والسودان وفي العراق وفي اليمن وغيرها، كون هذا الفلتان الذي استولدته عملية التفكيك في الأمة العربية، هو الذي يفسح المجال لأن تتمكن “إسرائيل” من أن تبقى مرجحة على الكل العربي، وتضع هذه الأمة أمام خيارين، إما الاستكانة وإما التمرد على الحالة الراهنة.

على ضوء التراجع الذي حصل في الموقف الأمريكي يسأل العالم: هل يمدد نتنياهو، بعد انقضاء عشرة أشهر، التجميد السابق الذي في الواقع لم يحصل؟

أيها القارئ، هذا السؤال هو انعكاس لما نحن عليه، أما السؤال الذي يجب أن يُسأل فوراً فهو: متى يتم تفكيك المستوطنات؛ هذا السؤال لن يطرح ولن يجاب عنه إلا إذا كان لوحدتنا صدقية، ولخطابنا فاعلية.
"الخليج"

التعليقات