25/07/2010 - 11:01

دولتان لشعبين: اليهود في فلسطين والعرب في الأردن../ زهير أندراوس

دولتان لشعبين: اليهود في فلسطين والعرب في الأردن../ زهير أندراوس
غير آبهة بالقانون الدولي تواصل الدولة العبرية فرض الحقائق على أرض الواقع، فقد صادقت لجنة الكنيست على قانون بشأن إجراء استفتاء عام بشأن الجولان السوري المحتل، والإشارة هنا إلى تعديل قانون الاستفتاء العام بشأن أي انسحاب من الجولان السوري المحتل أو القدس المحتلة.

المأساة لا تكمن في الضوء الأخضر الأمريكي وبعصابة المنافقين الأوروبيين، ولا في الأنظمة العربيّة الرسمية، المأساة تبدأ وتنتهي في الإدعاءات الإسرائيلية أنّ الدولة العبرية هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، مع أنّها باعتقادنا لا واحة ولا ديمقراطية و"لا من يحزنون"، فلم نسمع حتى اليوم، عن شعبٍ يقوم بتوجيه سؤالٍ إلى نفسه: هل أُريد أنْ أبقى محتلاً لأراضي الغير؟!

لا يحتاج المرء في هذه العجّالة لأنْ يكون نبيًا ليحصل على الجواب بأنّ الشعب في إسرائيل، الذي انتخب أكثر حكومة متطرفة، سيُصوت بشبه إجماعٍ على إبقاء الهضبة تحت السيطرة الإسرائيلية، وبمّا أنّ هذه الحكومة هي عنصرية بتفوق، وتعتبر أنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي المنتشر في العالم، فلا نستبعد البتة أنّ يُشارك يهود العالم في هذا الاستفتاء الذي صُنع في إسرائيل، كما أننّا لا نستبعد أنْ يُطالب الأثرياء اليهود، الذين تبّرعوا وما زالوا بالأموال للبناء الاستيطاني في المناطق العربيّة التي احتلت عام 1967 بالمطالبة بتعويضات من سورية أو الدول العربية عن الأموال التي استثمروها في الجولان، في حال اتخاذ القرار بالانسحاب الإسرائيلي، فالمشروع الاستيطاني الصهيوني هو عمليًا مشروع اقتصادي من الدرجة الأولى: الأراضي للعرب وللمسلمين، المستثمرون هم من الغرب، والرابحون هم الإسرائيليون الذي يحتلون الأرض العربيّة بدعمٍ من أوروبا وأمريكا، ينتهكون العرض ويُسوّقون للغرب الدعاية الكاذبة بأنّهم الضحية، وأنّ الفلسطيني هو الجلاد، فهذه الكذبة انطلت على الغرب منذ وعد بلفور، عندما أعطى منْ لا يملك لمنْ لا يستحق، أرضًا بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرض.

وبالتالي، في الوقت الذي تعمل فيه الصهيونية، وصنيعتها إسرائيل، على تطبيق مشروعها الاستيطاني في فلسطين وفي الوطن العربي، نرى أنّ المشروع العربي في طريقه للانقراض، أي أنّ المعادلة بيننا وبينهم باتت واضحة: هم يفعلون ونحن نتكلم، ونُطلق الشعرات الرنانة، الأنظمة العربية الرسمية أدمنت على الشجب والاستنكار والتنديد والتلويح باتخاذ خطوات. ومؤخرًا نُلاحظ إدخال المصطلح الجديد في قاموس الحكّام العرب وهو الامتعاض.

ونرى من المناسب الالتفات إلى أنّ تقهقر المشروع العربيّ، مع أنّه برأينا لا يوجد مشروع عربيّ، اللهم إلا المبادرة العربيّة، له العديد من الأسباب، إلا أننّا نوجز ونقول: عندما تنازل العرب حتى عن خيار استعمال النفط للضغط على أمريكا وإسرائيل، فإنّه عمليًا لم يتبق للعرب بما يهددون به، إنّهم مثل ذاك البطل الثانوي في أفلام الكاوبوي الأمريكية، الذي يُشهر المسدس، متجاهلاً أنّه لا يملك حتى رصاصة واحدة للدفاع عن نفسه أو محاولة إسقاط غريمه.

وبمّا أنّ العرب ما زالوا يعتبرون أنّ قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، فإنّه من واجبنا أن نُسلط الضوء على هذه القضية: السيّد محمود عبّاس كان واضحًا للغاية عندما التقيت معه أوّل مرّة وآخر مرّة في أب (أغسطس) من العام 2000، وللتوضيح أقول هدف اللقاء كان إجراء حديث صحافي، لا أكثر ولا أقل، سألت السيّد عبأس عن حق العودة وشددت على أنّ الشعب الفلسطينيّ في جميع أماكن تواجده يجب أنْ يُشارك في الاستفتاء العام الذي طرحه عبّاس حول حق العودة، وأشرت إلى أننّي أؤمن بأنّ عرب الداخل (الفلسطينيون في إسرائيل) يجب أنْ يدلوا بدلوهم في هذه القضية الحساسة، رد الرئيس كان صارمًا وغير قابلاً للتأويل: "أنتم، لن تُشاركوا في الاستفتاء على حق العودة، إنّكم عرب إسرائيل".

اليوم وبعد مرور عقدٍ من الزمن، نرى أنّ الرجل كان منذ العام 2000 متمسكًا بسياسة التفاوض والتنازل، وهذا النهج الذي يقوده عبّاس وفيّاض، مزّق عمليًا الشعب الفلسطيني إلى عرب الـ48، وعرب الـ67، وعرب الضفة وعرب القطاع، وعرب اللجوء، وهو يتساوق مع المشروع الصهيوني الذي يعمل على تفتيت الشعب الفلسطيني إربًا إربًا، والصهاينة يريدون تحويلنا إلى قبائل وعائلات وطوائف ومذاهب وما إلى ذلك لكسر شوكة الفلسطينيين ودفعهم إلى التنازل عن حق العودة، وهو آخر سلاح ما زال هذا الشعب يملكه، على الرغم من المؤامرات التي تُحاك سرًا وعلانيًة لتصفيته.

ويجب التنويه في هذا السياق إلى أنّ الشعب الفلسطيني كان يملك ورقة رابحة وهي عدم الاعتراف بإسرائيل، ولكنّه فقد هذه الورقة، بلطفٍ من القيادة "الحكيمة"، ولم يحصل على شيء، اللهم إلا سلطة مبتورة ومنقوصة، وبالتالي فإنّ الاعتراف بإسرائيل سيكون بمثابة سحابة صيف عابرة أمام التفريط بحق العودة، فبريطانيا أقامت المملكة الأردنية لتخفيف الضغط الفلسطيني عن إسرائيل، وللمساهمة في حل المشكلة الديمغرافية، وتطور هذا الأمر ليتحول إلى نظرية أكثر شيطانية وهي الوطن البديل.

للتو عدت من العاصمة الأردنية عمّان، وسألت موظف الفندق عن حق العودة فردّ عليّ مازحا: مقابل خمسة آلاف دينار؟؟.. وأضاف أن هذا المطلب ليس على جدول الأعمال حاليا.

وعندما أبلغت زميلي الصحافي عن الرد قال لي بالحرف الواحد: السواد الأعظم من الفلسطينيين في الأردن باتوا يؤسسون لمستقبلهم. هذا القول، بغض النظر عن مدى صحته، هو ناقوس خطر للشعب الفلسطيني في كل بقعة من هذا العالم.

للأسف عندما نقول إن الإسرائيليين يعملون على تطبيق مبدأ دولتين لشعبين: دولة صهيونية على كامل التراب الفلسطيني، ودولة فلسطينية في الأردن، ليس شعارا فقط، وعلى قيادات الشعب الفلسطيني أن تتعامل بجدية مع هذا المخطط الخطير.

التعليقات