02/08/2010 - 11:42

مِحنةُ اللاجئين الفلسطينيين ودوّامةُ حقوقهم المهدورة../ ركان المجالي

مِحنةُ اللاجئين الفلسطينيين ودوّامةُ حقوقهم المهدورة../ ركان المجالي
لا يحتاج العرب، من آخر «عينهم» إلى أول «بائهم»، إلى كثير عناء، كي يدركوا حكمة الجماعة الإنسانية منذ نشوئها: مَن يُردِ السلامَ فعليه أن يستعدَّ للحرب.

وفي مناخ تلك الحكمة الضائعة، من ثقافتنا السياسية اليوم، هل يمكن الاستنتاج: أن الدولة العبرية تتجه نحو السلام، من خلال مناوراتها العسكرية الأخيرة، الأكبر والأشمل، التي جرت فيها منذ نشأتها؟ سؤال بالتأكيد يثير فينا الحفائظ، بقدر ما يثير اختلافاً وسجالاً. فثمة نُخبٌ عربية، تدعو للردّ على استراتيجية الاعتراف بيهودية الدولة، برد استراتيجي عربي وفلسطيني واحد هو حق العودة. ولكن عن أي حق عودة يتحدثون؟ لقد أحالته السياسات الرسمية، والممانعات والمقاومات على حدِ سواء، إلى مجرد شعار عاطفي، يختبئ خلفه كل من يريد الهروب من مواجهة الحقائق المعيشية للناس.

تتكشّف فضيحة السؤال التاريخي، في الفترة الراهنة، بالسجال الرسمي، المحتدم حاليا في مؤسسات الدولة اللبنانية، والبرلمان على وجه الخصوص، حول إقرار قانون يمنح الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية. والفضيحة لا تكمن في طبيعة الجدل، السياسي والاجتماعي والقانوني، الدائر في لبنان وحسب، بل في جوهره ودلالاته العربية الممتدّة. فمن الخليج الى المغرب العربي، لا تزال القوانين والأنظمة والتعليمات السرية، المكتوبة وغير المكتوبة، تطحن الفلسطيني، وواقع حياته اليومية والإنسانية والاجتماعية، بمزيج عربي فريد مِن الإجراءات، يجعل مِنه نوعا غريبا وكائنا عجيبا من البشر!

كانت العودة في سنواتها الأولى، الخيار الحقيقي والوحيد للاجئين الفلسطينيين. وفي سنوات لاحقة، وحين حوّل هؤلاء عودتهم إلى خيار سياسي، بالقوة والسلاح، وبصرف النظر عن نجاحه وفشله، لم تكن ممانعة العرب لذلك بأقلّ من ممانعة الداعين اليوم إلى يهودية الدولة!

ولعل أكثر ما هو محزن اليوم أن أحداً من الداعين للتمسك بحق العودة لا يقدم إجابة، أو خيارا، للاجئين سوى الانتظار، ومن دون أن يقول لهم أحد ماذا يجب عليهم أن يفعلوا، من الآن وحتى يحين موعد العودة.

لم يعد حديث العودة للاجئين معزولاً عن الشؤون الداخلية والخارجية لأي بلد عربي، وربما تحوّل عند بعض الدول إلى شمّاعة سياسية، تعلّق عليها خلافات واختلافات، لا شأن لها بالعودة أو باللاجئين. ما يعيد الصراع العربي الإسرائيلي إلى أوّله، من حيث الوجود والحدود، وقدرة الدولة العبرية والبلدان العربية ورغبتها في التعايش، أو الاستمرار في الصراع، بلا آفاق محددة.

ليس هناك أشهر من حرب «طروادة»، في تاريخ أساطير الحروب، تلك التي خلّدها الأدب الإغريقي في ملحمتي «الإلياذة والأوديسه». وفيها، أن تلك الحرب انتهت بخديعة حرب على هيئة سلام، عرضه الجاسوس الإغريقي «سينون»، على أهل طروادة، وذلك عبر الحصان الخشبي المجوّف، المملوء بالمحاربين، على أنه هدية وعرض سلام. وحين قبل الطرواديون الحصان الهدية، واحتفلوا برفع الحصار وابتهجوا، خرج الإغريق المحاربون من الحصان إلى داخل المدينة، وكان السكان في حالة سكر، ففتحوا البوابات لبقية الجيش، حيث نهبوا المدينة بلا رحمة، وقتلوا كل الرجال والنساء، وأخذوا الأطفال عبيداً.

لم تخلُ مسألة قبول الطرواديين لهدية حصان السلام من جدل وتحذيرات، فقد حذّرتهم العرّافة «كساندرا»، وكذلك الكاهن «لاكون»، من مغبّة القبول بالهدية.

لا أحد يعرف مَن خلّد الكاهن «لاكون» وأبناءه، لاحقاً، بمنحوتة رخامية فائقة الجمال، عثر عليها «الفاتيكان» قبل نحو خمسة قرون، في إحدى مزارع العنب في «روما»، واشتراها من صاحب المزرعة. وكانت أول منحوتة لتأسيس متحف «الفاتيكان»، الذي احتفل، قبل نحو عام، بمرور خمسة قرون على عرضها لأول مرة.

كثرٌ هم الكهنة السياسيون، الذين يشبهون «لاكون» أو يدّعون ذلك، وكثيرة هي خيول طروادة، المعدّة كهدايا، وأكثر هي المدن العربية المحاصرة التي تنتظر الاختراق، في واقعنا الراهن. غير أن الخطير اليوم لا يكمن في الجدل الدائر حول كل ما سبق، بل حول السجال المحتدم عن ماهية القابعين داخل الحُصن (أيّ الخيول) المجوّفة: هل هم محاربون، أم أنبياء سلام بأحذية عسكرية، كما تلوح أقدامهم الظاهرة من تحت جسد الحصان؟

فعلى أهمية مواجهة مشكلات المواطنين الفلسطينيين، مدنية كانت أم سياسية، وضرورة إيجاد حلول جذرية وسريعة لها، في لبنان كما في غيره مِن الأرض العربية، فإنّه يبدو كأنّ الجميع يسير بخطى حثيثة، نحو مصيدة جماعية. مصيدة تجعل كلّ الساكنين على هذه الأرض ضحايا. وهنا، يصبح كل عنصر من عناصر اصطياد الضحية مهماً، ولكن في وقته. فموقع الضحية، وطريقها إلى الوقوع في «الفخ»، وشكل الفخ، كلها أساسية، ولا علاقة لها برؤية الضحية لذاتها. إذ لا تملك الضحية، أو المشاركون في اصطيادها، إمكانية الاعتراض على شكل «الفخ» أو بشاعته. كما لا يملك المراقبون، أو المتضامنون مع الضحية، ترف اختيار تفاصيل لحظة الاصطياد. ذلك أنّ الضحية هنا، بعد أن ظهر «فكّا الفخ»، هي المنطقة برمّتها.. وهو ما يدركه اللاجئون الفلسطينيون، بالتجربة المريرة وبالغريزة، أكثر مِن سواهم. فهذه أوقات انكسار الأزمان الدائرية، التي تكرّرت في حياة الناس طويلا...!
"السفير"

التعليقات