19/08/2010 - 12:06

أميركا تصنع عدوّاً جديداً: "الطفل الإرهابي"../ صباح أيوب

أميركا تصنع عدوّاً جديداً:
الجمهوريّون يروّجون للخطر الآتي بعد 30 عاماً
اليمين الأميركي مستنفر: الولايات المتحدة في خطر. تقارير استخبارية مزعومة وحملة يمينية سياسية وإعلامية بدأت تحذّر من مؤامرة كبيرة يخطط لها الإرهابيون حول العالم لتدمير بلاد الأحلام. نوّاب جمهوريون وسياسيون يطالبون الكونغرس وباراك أوباما بقرار حاسم وتعديل للدستور يطال فقط قانون التجنيس والهجرة، لتجنّب خطر في المستقبل القريب والبعيد. المعلومات المسرّبة تتحدّث عن هجوم ضخم يعدّ له منذ اليوم لينفّذ بعد ثلاثين عاماً. أبطال المؤامرة مخلوقات صغيرة ستنمو وتكبر، ثم تأتي وتدمّر كل شيء... بات لأميركا عدوّ جديد: بطون الأمهات الإرهابيات!

لو قُدّر للنواب الجمهوريين في الولايات المتحدة أن يكتبوا روايات سينمائية لامتلأت الشاشات بأفلام الرعب والخيال! أفكار لا تنضب ومخيّلة واسعة تتطوّر كلما وُجد من يموّلها أو يدعمها سياسياً. فبعد الخوف من الآخر ورفض السكان الأصليين وكره السود ومسخ الآسيويين والرعب من الشيوعية والاستعلاء على اللاتينيين وازدراء العرب، جاء الهوس بـ«الإرهابيين» ليسيطر منذ الـ2001 على السيناريوهات كلها. وقد بتنا عاجزين عن تحديد ما إذا كان السياسيون هم مصدر وحي الأفلام الخيالية أو العكس.

آخر إبداعات اليمين الأميركي نظرية تجمع بين التشويق والسرية والتأهب، وطبعاً الخوف، مع جرعة كبيرة من الوطنية والدفاع عن العرق والدين والأرض. الفكرة «المرعبة» المزعومة خرجت إلى المنابر السياسية الرسمية منذ أشهر وإلى الإعلام في الأيام الأخيرة، فما الذي يجول في بال اليمين الأميركي الأبيض هذه المرّة؟

هي مؤامرة كبيرة وسريّة يُعدّ لها الإرهابيون ضد الولايات المتحدة. بحسب هؤلاء، ووفقاً لمعلومات خاصة بهم، فإن المتآمرين الإرهابيين يخططون لغزو الولايات المتحدة بعد 30 عاماً، كيف؟ عبر جيل جديد من الإرهابيين يولدون في أميركا ويحصلون على الجنسية ثم يتربّون على أسس متطرفة، فيقررون عندما يكبرون ضرب الولايات المتحدة وتدمير أرض الأحلام. الحرب المقبلة إذاً ستكون «حرب أجنّة»، إذ بعدما حدّد الأميركيون الجيل الأول من الإرهابيين (الأهالي)، سيقطعون الطريق على الجيل الثاني منهم (الأبناء)، ولكن في مرحلة مبكرة هذه المرّة، أي قبل أن يولدوا.

هذه المؤامرة تكلّم عنها في أيار الماضي النائب الجمهوري عن ولاية تكساس لوي غومير، مدّعياً استناده إلى «معلومات سرية من مكتب التحقيقات الاتحادي». الأمر الذي كررته منذ أيام النائبة عن الحزب الجمهوري ديبي ريدل في إطلالة على شاشة قناة «سي أن أن»، حيث حذّرت المواطنين الأميركيين والمسؤولين من «مؤامرة تحاك ضدهم وتقضي بإرسال الإرهابيين نساءً حوامل إلى الولايات المتحدة كسائحات، وخلال وجودهن على الأراضي الأميركية ينجبن أطفالهن الذين يحصلون تلقائياً على الجنسية الأميركية. عندها، يعود الأهل لتربية أولادهم في الولايات المتحدة أو خارجها على أسس متطرفة وأفكار إرهابية حاقدة، وعندما يكبر هؤلاء الأطفال، يتحولون إلى إرهابيين حاملين الجنسية الأميركية، فيأتون إلى البلاد ويدمرونها».

هل تملكون دليلاً على ذلك؟ سألت الـ«سي أن أن». يجيب أصحاب النظرية بأن لديهم وثائق سرية من أحد عملاء الـ«أف بي آي» المتقاعدين الذي سرّبها إليهم. ريدل لفتت في الحلقة التلفزيونية إلى أهمية التصرف الفوري حيال الأمر، ولامت الرئيس باراك أوباما لعدم اكتراثه بهذه المؤامرة وعدم إعطائها حقّها من المشاورات والقرارات الحاسمة والتفكير.
ودعا أصحاب هذه النظرية من النواب الجمهوريين إلى بحث الأمر في الكونغرس والضغط لجعل الرئيس أوباما يتخذ بعض الخطوات بشأنه.

بعض المراقبين يرون أن الجمهوريين يسعون كل عام إلى إدخال بعض التغييرات على التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي، الذي يضمن حقوق حاملي الجنسية الأميركية ومساواتهم أمام القوانين وفي الحقوق المدنية ويحدد طرق منح الجنسية لغير الأميركيين. وهذه السنة، قرروا اللجوء إلى أسلوب جديد في الضغط لإجراء بعض التعديلات بهدف تصعيب منح الجنسية لمن ليس مولوداً من أبوين أميركيين والتحكم في حقوق إقامة المهاجرين وعملهم ومنحهم الجنسية. ولجعل الموضوع أكثر جاذبية، اعتمد الجمهوريون هذه السنة على «الإرهاب» زيادة في التهويل والتحذير من مخاطر وجود «الغرباء» على الأراضي الأميركية ومنحهم الجنسية.

وفيما يسمّى أولاد المهاجرين غير الشرعيين «أطفال المرساة» Anchor babies، أطلق مروّجو الحملة اليمينية على نظريتهم الجديدة اسم «الأطفال الإرهابيين» Baby terrorist، ولم تسجل لغاية اليوم أي اعتراضات من قبل لجان حقوق الإنسان والطفل في «الأمم المتحدة» أو أي منظمة حقوقية مدنية أخرى، احتجاجاً على تلك التسميات المتداولة.

السيناتور ليندسي غراهام، التي عيّنها البيت الأبيض لتتولى مهمة إصلاح قانون الهجرة الأميركي، تعترف بما يسمّى «سياحة الولادة» أو ما تطلق عليه التعبير القانوني «أنجبي وارحلي». وهي تشرح أن «بعض النساء المهاجرات يدخلن الحدود الأميركية وهنّ حوامل بغية الإنجاب في أميركا ليحصل أطفالهم على جنسية البلد». وتضيف «هذا الأمر لا يجب أن يحدث، لأن الآخرين يدخلون إلى بلادنا لغايات سيّئة». أقوال غراهام هذه تعطي أملاً للجمهوريين بالتوصل إلى تعديل قانون الهجرة الأميركي لمصلحتهم.

من جهة أخرى، يخشى بعض الجمهوريين من الحملة تلك، وخصوصاً إذا ظهر للعلن ما سيؤثر على نسبة الأصوات التي يحصلون عليها بين الجاليات اللاتينية المجنّسة.

وبعد التهويل بـ«الأطفال الإرهابيين»، الذين سيدمّرون أميركا و«شعبها الأصلي»، أجرى مركز «بيو» للدراسات مسحاً عن عدد أولاد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة خلال عام 2008 وتبيّن ما يأتي: من بين 4.3 ملايين طفل أميركي، ولد 340 ألف طفل من أهل غير مجنّسين. وفيما تبلغ نسبة المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة نحو 4 في المئة من الشعب الأميركي، فهم يمثّلون 8 في المئة من نسبة الإنجاب في الولايات المتحدة، نظراً إلى كونهم شباباً في معظمهم ويتمتعون بنسبة ولادات أعلى من الأميركيين.
"الأخبار"

التعليقات