23/08/2010 - 10:37

لقطات من فيلم تصفوي قصير../ عبد اللطيف مهنا

لقطات من فيلم تصفوي قصير../ عبد اللطيف مهنا
في مشهد إسرائيلي... الإسرائيلييون منهمكون في مواصلة إنجاز مخططات تهويد ما لم يهوّد بعد في الضفة، وتتصاعد وتيرة وضع اللمسات الأخيرة على تهويد القدس بالكامل... إعلانات وتسريبات تهويدية متلاحقة عن الشروع في بناء المزيد من الشقق أو الأحياء المضافة للمستعمرات قيد التوسع، والتي تتمدد باضطراد وبالتوازي مع تقلص مساحات الزيتون قيد الاقتلاع، وازدياد غارات المستعمرين على القرى الفلسطينية المقامة مستعمراتهم على أرضها... الجرافات منهمكة في التهام المزيد من المنازل المقدسية وتشريد ساكنيها، وبلدية الاحتلال تواصل ليل نهار تنفيذ مخططات إزالة الأحياء والحارات الفلسطينية وتحويلها إلى يهودية أو متاحف وحدائق تلمودية... ولما لم يعد في بيت المقدس الكثير لفعله، تلتفت الجرافات النهمة إلى المقابر التاريخية، فلا تأمن من أسنانها المكشرة حتى مقبرة مأمن الله التاريخية، فتطحن أجداث قاطنيها ومنهم الصحابة والتابعين والأعلام...

في النقب المحتل في العام 1948، الجرافات إياها، وألف شرطي يرافقها، تزيل من الوجود، وللمرة الرابعة، قرية العراقيب الفلسطينية، هذه التي كان وجودها سابقاً على النكبة وقيام كيان مقترفيها الغاصبين...

وفي فاصل قصير... يعلن الإسرائيليون عن "تفاهم" بين رام الله والمحتلين يقضي بتخفيض صوت الآذان في الشهر الفضيل تجنباً لإزعاج المستعمرين... بعد الفاصل، نتنياهو يخبر إسرائيلييه واثقاً، بأن المفاوضات المباشرة مع "السلطة الفلسطينية" في رام الله سوف تبدأ في تقديره منتصف الشهر الجاري، ويحتفى باستقبالها بالمزيد من الغارات الدموية على غزة، والمزيد من الاعتقالات في الضفة...

...مشهد أمريكي... أوباما المتكيف مع المؤسسة، يبتلع مواقف بداياته الإيهامية المدوية ويمارس عكس كل ما أوحى به لعرب التسوية، ويصارحهم قولاً وعملاً بأن المراهنة عليه هي أكثر من خاسرة، ويؤكد لهم ضمناً أن المسلمات الإسرائيلية المعهودة لازالت وستظل ثوابتاً أميركية، وأن كلام الليل الأمريكي كالعادة يمحوه على الدوام نهار ثابت التماهي تماماً مع المتطلبات الإسرائيلية، لدرجة أن هناك من عرب الأمريكان من بات يترحّم حتى على بوش...

باختصار، الأمريكان يضغطون بشتى الوسائل على رام الله ورعاتها العرب، ومستعينين أيضاً بكل من يستطيع الضغط بالنيابة عنهم للانخراط في المفاوضات الآن قبل الغد، أو عملياً للاستجابة لمشيئة نتنياهو، أو إعطائه الوقت الكافي لإنجاز عملية التهويد لما تبقى من الفتات المتفاوض عليه... شعبياً آخر الإحصائيات تقول، أن 63% من الأمريكان يؤيدون إسرائيل و 15% يتعاطفون مع الفلسطينيين... أما عن تراجعات أوباما فيقول زلمان شوفال أحد مستشاري نتنياهو: "بدأ الرقاص الديبلوماسي يتحرك من العقائدية إلى البراغماتية، بل إلى الإيمان بالقوة"... بالمناسبة تفيد استطلاعات أمريكية أخرى بأن قرابة ربع الأمريكان يعتقدون أنه مسلم!

...مشهد عربي... لجنة المتابعة العربية تختصر وحدها، وبجدارة لا تحسد عليها، المشهد العربي الرسمي الراهن، فتقوم بالواجب تحت تلك اليافطة التليدة: أوراق الحل بيد أمريكا... وعليه، رقاصها يظل كما كان دوماً متجهاً صوب ذاك الوسيط غير الموصوف بالنزيه، والذي لا يهمه بأن يوصف بالمنحاز. ونزولاً عند رغبة مالك أوراق الحل هذا، أعطت المتابعة، التي أيدت "الدور الأمريكي الفعّال"، رام الله الضوء الأخضر لمواصلة ذات الملهاة التفاوضية، لكنما، والحق يقال، دونما سحب لتأكيدها المتكرر مراراً، وفي مناسبات متفرقة، وعلى لسان الأمين العام للجامعة العربية الناطق باسم متابعتها، الذي يرى أن لا طائل منها... يقول الأمين العام:
"أعطينا الضوء الأخضر للرئيس محمود عباس للدخول في مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين. تركنا له الوقت المناسب، وعندما يرى أن الأجواء تهيأت إلى هذه المفاوضات"!

...مشهد فلسطيني... في انتظار الأخ ميتشل، الذي ليس لديه سوى مكرور الكلام عن "رؤية أوباما" واجترار تعويذة "حل الدولتين"، "السلطة" تؤكد و تؤكد أنها لن تذهب إلى المفاوضات المباشرة إلا إذا قبل الإسرائيليون بمرجعية مبدأ الانسحاب الكامل إلى حدود الرابع من حزيران 1967، بما في ذلك القدس، والوقف الكامل للاستيطان... وقبيل وصوله، فصائل المقاومة سابقاً في رام الله تعتصم... تصوروا، تعتصم مطالبة بعدم العودة للمفاوضات بدون مرجعية ووقف الاستيطان... بل والمقاومون المتقاعدون يبدأون حملة تواقيع على مذكرة تقدم للرفيق ميتشل تتعلق بمطالبهم! ...وعند وصوله، تتراجع السلطة كعادتها فتقترح وهي تستقبله مخرجاً تأمل أنه سوف يرضي جنابه، فتبدل المرجعية سالفة الذكر بمرجعية جديدة فحواها بياناً للرباعية الدولية... الرباعية البليرية إياها... بيان فقط، يذكّر، وقد لا يلتزم ببيانها الموسكوبي المعروف، قد يدعو بصيغة أو بأخرى لوقف الاستيطان ويأمل التوصل لحل خلال عامين... ويؤكد أبو مازن سلفاً وقبل أن يصدر البيان المنتظر: "سأذهب رأساً لأن البيان سيكون متضمناً كل شيء"...

...وحيث تختلط المشاهد... نتنياهو يرفض مرجعية الرباعية، ومثله يفعل عضو الرباعية الولايات المتحدة، التي بدورها تعلن عدم قبولها لمرجعيتها... ويغادر ميتشل المقاطعة، وتعلن السلطة أن لا اتفاق معه لكنما المباحثات بين الطرفين ستستمر... تبحث المسألة في لقاء ثلاثي مصري أردني فلسطيني في القاهرة، التي شهدت لقاءات سبقت ميتشل تحضيراً لوصوله... وتتكشف المشاهد جميعاً عن طرفين ووسيطين: إسرائيلي، يريد مفاوضات مباشرة وإلى ما لا نهاية، أي على مذهب شامير الشهير الذي بشّر به في مؤتمر مدريد، من شأنها أن تعيد الأمور إلى الحلقة المفرغة، وأن تبرهن على نجاح سياسة نتنياهو التي تعني استمرار التهويد، واستمرار الجمود الملائم لاستمرار سياسته، واظهاره كرجل سلام... ربما بانتظار جائزة نوبل!
وفلسطيني، يبحث عن مخارج لكي يتفاوض، لأنه بات يرى أن وجوده واستمراره غدا بحد ذاته رهن بالتفاوض... أما الوسيطين، فأمريكي يريد تفاوضاً للتفاوض فحسب كإنجاز للإدارة تباهي به يوم الانتخابات الاشتراعية المقتربة، وعربي لا بديل عنده سوى المفاوضات...

...في نهاية الفيلم، يودع نتنياهو ميتشلاً قائلاً: "هلا بدأنا... فلنشرع في المفاوضات"... يجيبه ميتشل: "نحن نشاركك هدفك"... ويعلن الاتحاد الأوروبي عن توقعه ذهاب أبو مازن القريب للمفاوضات، أما أبو مازن فبانتظار بيان الرباعية، وبيان الرباعية بانتظار التوصل لصيغة ملتبسة ترضي نتنياهو، ويوظفها لمصلحة سياساته المشار إليها... وتطفأ الأضواء حيث يتفرق جميع المشاهدين وهم بانتظار وقت عمرو موسى المناسب لهذا الذهاب... ولا يطول الانتظار، يصدر بيان الرباعية المطلوب مشفوعاً بدعوة أمريكية لبدء المفاوضات كما حددها البيان في الثاني من الشهر المقبل في واشنطن... وبدون شروط مسبقة، أي بدون الاستجابة لأي مطلب فلسطيني، وهو وإن كان مذيلاً بتوقيع الرباعية، وفيه المنشود من اللبس، أو بعض ما يتيح لكل طرف تأويله على طريقته مبرراً قبول الدعوة الأمريكية، فإن جوهر مضمونه بدا وكأنما الذي صاغه هو نتنياهو... بعض المصادر تؤكد بأن ميتشل كان قد عرض نص هذا البيان سلفاً على الطرفين قبل مغادرته للمنطقة ووضع موافقتهما في جيبه... وتجتمع "اللجنة التنفيذية" في المقاطعة، وتقرر، أو يقرر أبو مازن، أنه قد آن الوقت المناسب للذهاب رأساً للتفاوض!!!

التعليقات