24/08/2010 - 09:08

ما العمل؟../ محمد جادالله

ما العمل؟../ محمد جادالله
سيان عندي إن كان ذهابهم إلى المفاوضات مفاجئاً أم كان متوقعاً
سيان عندي إن كان ذهابهم إلى المفاوضات بقرار ذاتي مغلف بسوليفان منظمة التحرير الفلسطينية، أم بنصيحة العربان العارفين بدهاليز السياسة الأميريكية، أم بسبب الضغوط التي ينوء بحملها البشر، كما قالوا، أم بدون عناء سوى عناء الارتباك الذي يتلخبط فيه الموظف عندما يقف بين يدي رئيسه.

ها هم يذهبون إلى المفاوضات بدون حماية وبدون رعاية وبدون شروط وبدون ضمانات. نعم، هم يذهبون ومعهم حقائب فارغة، سيملؤها "السيد" بشروطه واشتراطاته وإملاءاته التي فاض الحديث عنها ولم تعد سراً على أحد. فإسرائيل اجتهدتْ وشغّلتْ ماكينتها الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والمخابراتية، وجرّت الطرف الفلسطيني إلى المفاوضات بعد أن أحكمت قبضتها على كل المحاور، طوعت الإدارة الأميركية، ولحق بها التابع الأوروبي، والعربان تواروا بعد أن لوّح لهم نتنياهو بعصاه.

إسرائيل تسعى من خلال هذه المفاوضات لتحقيق أحد هدفين :
الأول: إدامة وتأبيد الوضع الراهن في حال فشلت المفاوضات، أي إذا رفض الفلسطينيون التوقيع
الثاني: تصفية القضية الفلسطينية في حال نجحت المفاوضات وأمهرها الفلسطينيون بالتوقيع عليها

وإذا أمعنا النظر، نجد أن إسرائيل تريد المفاوضات ليس من أجل المفاوضات فحسب، بل ومن أجل الوصول بها إلى إحدى النتيجتين أو الهدفين آنفي الذكر. ونجاح المفاوضات أو فشلها سيؤدي إلى تحقيق النتيجة التي تريدها إسرائيل، بغض النظر عن أداء المفاوض الفلسطيني. إسرائيل ودون الحاجة إلى إطالة أمد المفاوضات، تشعر أنها قادرة على السير بالمفاوضات أو دفعها نحو نتيجة واحدة، هي التخلص نهائياً من مطالبة الفلسطينيين بأي شيء، سمّهِ دولة أو حق تقرير المصير أو أي شيء له علاقة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

إسرائيل الصهيونية استوعبت واكتفت بإحكام السيطرة على فلسطين التاريخية، ولا تقبل بأن يشاركها أحد في الجغرافيا الممتدة بين البحر والنهر، بعد أن تخلت عن "إسرائيل الكبرى". إسرائيل تعتقد أن فشل المفاوضات في حد ذاته مهم مثل نجاحها تماماَ، ففي اعتقادها أن كليهما يحقق لها انتصاراَ استراتيجياَ يفوق انتصارها عام 1948 بكثير، لأنه سيؤدي من بين ما سيؤدي إلى هجرة جماعية طوعية للفلسطينيين، بعد انحسار آمالهم واندحار توقعاتهم بالعيش في كيان جغرافي خاص بهم. وبالطبع فإن إسرائيل ستتفرغ للقيام بعمليات تهجير بشتى الطرق والوسائل والأساليب التي خبرناها والتي لم نعرفها بعد، وهي قادرة على ذلك وترغب فيه ولا يوجد من يمنعها من تنفيذه.

والآن، ما هي سمات الوضع الداخلي الفلسطيني ؟ نبدأ بالوضع الرسمي فنجد :

1. نخّ الطرف الفلسطيني الرسمي ووافق على بدء المفاوضات المباشرة مع استمرار وتيرة الاستيطان في الأرض الفلسطينية، ووافق على بدئها بدون مرجعية وبدون ضمانات من أي نوع، وهي الشروط التي كان وضعها هو نفسه للقبول ببدء المفاوضات، حتى أن كبي المفاوضين حدد وصرخ بنبرة عالية في كل المنابر وأكد في تقريره السري المقدم للقيادة ( الدراسة رقم 3 ) نيسان – تموز 2010، أن الذهاب إلى هذه المفاوضات بدون وقف الاستيطان وبدون مرجعية الشرعية الدولية هو"انتحار سياسي"

2. خسرت القيادة الرسمية الفلسطينية شعبها، وفقدت الدعم الذي لا بد منه والذي لا يوفره إلا الشعب، لإسنادها في إدارة المفاوضات. هذا الشعب هو مصدر القوة الوحيد للقيادة في ظل اختلال موازين القوى مع الاحتلال. صحيح أن الشعب قد انفض منذ زمن من حول القيادة لأسباب عديدة ليس مجال التعرض لها الآن، ولكن إدارة الظهر للشعب، والاستخفاف به وبدوره، والاشمئزاز منه، ينزع عن القيادة شرعية تمثيله أو على الأقل، الطعن في صلاحيتها في أي اتفاق يستوجب الاستفتاء عليه قبل تصديقه واعتماده.

3. فقدت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ما تبقى لها من مصداقية، وفقدت حقها في تمثيل الشعب الفلسطيني، عندما وافقت على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة بالمواصفات الحالية، متجاهلة مصالح الشعب العليا.

4. أن - وهذا هو الأهم -، سذاجة كافة أشكال معارضة الذهاب إلى المفاوضات التي قامت بها القوى والمؤسسات والأفراد _ وأنا منهم -. فقد ثبت باليقين أن المناشدة والدعوات لصحوة الضمير وإظهار المخاطر وما إلى ذلك، لم تُجْدِ نفعاَ، ولم تَجد الآذان الصاغية لعدم الانزلاق إلى الهاوية.

5. ما العمل ؟ هذا هو السؤال الصعب وما غيره إلا مداورة ومناكفة ونفاق وهروب من الاستحقاق الناجع للمواجهة.

إن الشعب الذي انفض عن القيادة، متمسك بحقوقه ولم ينفض عنها وعن الدفاع عنها. إنني أدعو إلى :
أولاَ: استفتاء شعبي يُخوّل أو لا يُخوّل القيادة في الذهاب إلى هذه المفاوضات بمواصفاتها الحالية
ثانياَ: إجراء انتخابات لمجلس وطني فلسطيني جديد، يمارس دوره وينتخب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية

التعليقات