08/09/2010 - 16:56

"إسرائيل دولة لليهود" فوق الطاولة وليس تحتها!../ علي جرادات

بعد إقرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن قبلها لجنة المتابعة العربية، الذهاب للمفاوضات المباشرة مع حكومة نتنياهو، وغداة انتهاء اللقاء التمهيدي والجولة الأولى لهذه المفاوضات في واشنطن، وعشية التحضير لثاني جولاتها في الرابع عشر من الشهر الجاري في شرم الشيخ، شهدت الساحة الفلسطينية، وما زالت تشهد، جدلاً سياسياً صاخباً فيه كثير من ملامح جدل ما بعد توقيع أتفاق إعلان المبادئ، (أوسلو)، عام 1993، والسؤال: ترى لماذا هذا الصخب؟؟؟ وهل هو مفتعل وبدون أساس؟؟ أم أن هناك في الواقع ما يبرره ويستدعيه؟؟

بعيداً عن التسطيح والإجابات المتسرعة، ولصالح تعميق الجدل بقراءات متأنية، فإن المتابع العارف ببواطن الأمور في التنظيم السياسي الفلسطيني على اختلافه، يعي أن الجدل الدائر داخل الأطر القيادية للتنظيمات السياسية الفلسطينية، وخاصة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، القابل منها للمفاوضات المباشرة أو الرافض لها، يتمحور حول اجتهادين:

الاجتهاد الأول، ويرى أن لا فرق بين المفاوضات مع حكومة نتنياهو وبين ما سبقها من مفاوضات على مدار عقدين. أما الاجتهاد الثاني، فيرى أن هنالك اختلافا بين المفاوضات مع حكومة نتنياهو وبين ما سبقها من مفاوضات. وهذا يعني أن الجدل يدور حول سؤال: ترى هل هنالك مستجدات في واقع المفاوضات مع حكومة نتنياهو؟؟

على مستوى المطالب الإسرائيلية من المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن نتنياهو، (ناهيك عن ليبرمان)، لم يكتفِ بصيغة اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل في إطار الاعتراف المتبادل الذي جرى في أيلول عام 1993 بعد التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو، بل يريد، ويعمل على، انتزاع اعتراف عربي وفلسطيني رسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية، ينص على الإقرار بأن دولة إسرائيل هي دولة لليهود. وبالمناسبة، فإن هذا مختلف حتى عن الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وينطوي على المساس بحق الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم في المناطق التي احتلت عام 1948، هذا ناهيك عن المساس بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً للقرار الدولي 194. بهذا المطلب يكون نتنياهو، (ومن قبله أولمرت وليفني)، موافقاً، بمعزل عن أشكال التعبير، على أطروحة ليبرمان القاضية بالتبادل الجغرافي والسكاني.

صحيح أن نتنياهو، (ومن ورائه ليبرمان، وقبلهما أولمرت وليفني)، يعي أنه لا يمكن لفلسطيني، مهما كانت درجة واقعيته، الموافقة على مثل هكذا مطلب، هذا ناهيك عن عدم قدرته حتى لو افترضنا جدلا أن هنالك مَن يريد، غير أن ما يريده نتنياهو وباقي أركان حكومته، يتمثل في تحويل هذا المطلب من مطلب إسرائيلي إلى مطلب حاضر على طاولة المفاوضات، أي جعله مطلباً قابلا للنقاش، وفي هذا مكسب يمكن البناء عليه لاحقاً، خاصة وأن الراعي الفعلي للمفاوضات، أي الولايات المتحدة، لم يصمت فقط إزاء هذا المطلب، بل ضغط وأنذر أيضا للبدء بالمفاوضات المباشرة، وهو يعرف تمام المعرفة أن مطلب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة لليهود، يشكل الناظم الأساسي لإستراتيجية حكومة نتنياهو التفاوضية. ولهذا السبب الجوهري، فإن الذهاب للمفاوضات المباشرة من دون الحسم العربي والفلسطيني مع الولايات المتحدة حول هذا المستجد النوعي في مطالب حكومة نتنياهو-ليبرمان، يشكل خطراً حقيقياً على جوهر القضية الوطنية الفلسطينية، وفي أقله، يفضي إلى المزيد من التآكل في الموقف العربي والفلسطيني من قضايا الصراع.

يذكرني الناظم الأساسي لإستراتيجية نتنياهو التفاوضية، أي مطلب الاعتراف الرسمي العربي والفلسطيني بإسرائيل كدولة لليهود، (مع فارق التشبيه،) بالناظم الأساسي لإستراتيجية الرئيس الفلسطيني الراحل المرحوم الشهيد ياسر عرفات، حيث قال: برغم كل الخسائر التي انطوى عليها التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو، إلا أننا نجحنا في فرض أنفسنا على الخارطة، أي وضع مطالبنا على الطاولة، وجعلها مطالب قابلة للنقاش. وأظن، وليس كل الظن إثم، أن نتنياهو يعمل على فرض مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود على الطاولة كقضية قابلة للنقاش، ما يعني أن نتنياهو، ومرة أخرى ناهيك عن ليبرمان، يعمل على نسف صيغة أوسلو، ولا يقبل التفاوض وفقها، لا من حيث المطالب، ولا من الرعاية والأسس والمرجعيات، أي يريد فرض صيغة جديدة. وفي هذا يكمن المستجد النوعي للمفاوضات المباشرة مع حكومة نتنياهو مقارنة مع ما سبقها من مفاوضات منذ مؤتمر مدريد عام 1991. وهذا ما يفسر اتساع رقعة التنظيم السياسي الفلسطيني الرافض للتفاوض مع حكومة نتنياهو، ما رفع من وتيرة الجدل حول المخاطر التي تنطوي عليها المشاركة الفلسطينية في هذه المفاوضات.

وارتباطا بهذا المستجد، فإن نتنياهو الحامل لمطلب الاعتراف بـ"إسرائيل دولة لليهود" كناظم لإستراتيجيته التفاوضية، والضامن في المآل الأخير للدعم الأمريكي، عمل جاهداً على ضمان الدعم الأمريكي لموقفه في القفز عن صيغة أوسلو، لا على صعيد المطالب فقط، بل على صعيد رعاية المفاوضات وأسسها ومرجعياتها أيضا. لذلك فإنه وفور كسبه للدعم الأمريكي بعد أن "لحس" أوباما ما أشاعه حول نفسه من اعتدال شكلي، رفض وبشده قبول أن تكون "اللجنة الرباعية" هي الطرف الراعي والداعي للمفاوضات المباشرة، بل ورفض الترحيب ببيان هذه اللجنة حول المفاوضات المباشرة، ما يعني عملياً:

1: أن حكومة نتنياهو لا تعترف برعاية "اللجنة الرباعية" للمفاوضات، ولا تقبل برعاية غير رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك خلافاً لما كان سائداً في السياسة الإسرائيلية حتى فوز نتنياهو بالسلطة، ما ينطوي على مغزى سياسي، يتمثل في أن حكومة نتنياهو-ليبرمان ترفض أي شكل من أشكال التدويل لرعاية المفاوضات، حتى ولو كان شكلياً، كما كان عليه الحال منذ مؤتمر مدريد عام 1991.

2: أن حكومة نتنياهو، وخلافا حتى لما سارت عليه حكومة أولمرت، لا توافق على، بل وترفض، ما نص عليه بيان اللجنة الرباعية من مرجعيات وأسس برغم ما فيها من إجحاف بحق الفلسطينيين، وأن هذه الحكومة لا تقبل أية مرجعيات أو أسس للمفاوضات غير أسس ومرجعيات طاولة المفاوضات الثنائية المنفردة المباشرة، أي أسس ومرجعيات ميزان القوى الجائر، خاصة بعد أن تجلى سفور الانحياز الأمريكي لا للرؤية الإسرائيلية عموما فقط، بل أيضا لأكثر صيغ هذه الرؤية صلفاً وتطرفاً وتغولاً، أي صيغة نتنياهو ليبرمان.

خلاصة القول: بعد أن نسف شارون صيغة أوسلو عمليا عبر اجتياحه للضفة الغربية عام 2002، فإن حكومة نتنياهو-ليبرمان، تعمل على نسفها سياسيا من حيث المطالب والأسس والمرجعيات والرعاية، وذلك بجعْلِ مطلب الإعتراف بـ"إسرائيل كدولة لليهود" قضية تفاوضية قابلة للنقاش، أي بتحويلها من مطلب مضمر تحت الطاولة، كما كان عليه الحال خلال ما سبق من مفاوضات، إلى مطلب مطروح فوق الطاولة في المفاوضات التي يديرها نتنياهو هذه الأيام. وبكلمات هذا هو المستجد النوعي لنتنياهو، وهذه هي مخاطر عدم الحسم مع هذا المستجد عربيا وفلسطينيا قبل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.

التعليقات