19/09/2010 - 14:44

تساؤلات قاسية في مناخ التفاوض المباشر../ بلال الحسن

تساؤلات قاسية في مناخ التفاوض المباشر../ بلال الحسن
وفود تتفاوض في القدس.. وطائرات تغير على الناس في غزة.

جلسات مفاوضات تنتقل من واشنطن إلى القاهرة إلى القدس.. وعمليات اعتقال إسرائيلية تتواصل في الضفة الغربية بشكل يومي.

وفي كل هذه الحالات لا يحتج المفاوض الفلسطيني، ولا يعترض، ولا يطلب وقف الغارات، ولا يطلب حتى وقف الاعتقالات في «المنطقة ألف» التي يفترض أنها المنطقة التي يسيطر عليها.

ثم إن المفاوضات في (القدس) تحتاج إلى وقفة. فقد مضى زمن طويل، كان العالم بأكمله، بما فيه العالم الغربي برمته، يعتبر القدس مدينة محتلة، رافضين بذلك أمرين: قرار إسرائيل بضم القدس إليها فور احتلالها عام 1967. وقرار إسرائيل فيما بعد باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

وحين كان زائر رسمي غربي يزور إسرائيل رسميا، ويتم ترتيب لقاء له مع وزير آخر في القدس، كان ذلك الوزير الغربي يرفض حضور هذا اللقاء، لأنه ينطوي، ولو بشكل غير مباشر، على الاعتراف بقرار ضم المدينة إلى إسرائيل. وكان مثل هذا الموقف يشكل دعما للموقف الفلسطيني، وللموقف العربي، الذي يرفض القرارات الإسرائيلية بشأن القدس.

وقد حصل منذ سنوات، وربما منذ اتفاق أوسلو بالتحديد، أن تساهل المفاوض الفلسطيني بشأن هذه القضية، وتم عقد اجتماعات تفاوض فلسطيني - إسرائيلي في القدس. وحين تراخى المفاوض الفلسطيني بشأن هذه القضية الدقيقة والحساسة، بدأ موقف الشخصيات السياسية الغربية يتراخى هو أيضا، ويقبل دعوات إسرائيل لعقد اللقاءات الرسمية في القدس. وشيئا فشيئا أصبح الأمر عاديا من حيث المظهر، ولكنه انطوى من حيث الجوهر على اعتراف غربي واقعي بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، وكان هذا انتصارا سياسيا لإسرائيل، جاءها بشكل غير مباشر، وكنتيجة غير مباشرة أيضا لنتائج اتفاق أوسلو الكارثية.

والآن، يذهب الوفد الفلسطيني برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح، ليجتمع مع الوفد الإسرائيلي المفاوض في القدس، مشاركا بذلك في تقديم الاعتراف الواقعي بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، مع أنه يقول ويؤكد أن القدس يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطين، وأنه مصر على أن يطرح ذلك في سياق المفاوضات.

ماذا لو أن رئيس السلطة الفلسطينية قال إنه لا يقبل عقد اجتماع تفاوضي في مدينة القدس؟ ماذا لو أنه طلب أن يكون الاجتماع في أي مكان آخر غير القدس؟ من المؤكد أن المفاوض الإسرائيلي سيحتج، وسيحتج بشدة، ولكن الراعي الأميركي (النزيه) سيشعر بحرج شديد، فهو لا يستطيع أن يقول إن القدس جزء من دولة إسرائيل، وهو لا يستطيع أن يغامر ويعلن موقفا ضد حكومة دولة إسرائيل، وهنا يبرز سؤال: ماذا لو حدث هذا الحرج الأميركي فعلا؟ هل يضير ذلك رئيس السلطة الفلسطينية أم يعزز موقفه التفاوضي؟

نقول ذلك ونحن نتذكر أن إسرائيل منعت الرئيس الراحل ياسر عرفات من عبور، مجرد عبور، شوارع مدينة القدس. كان محرما على ياسر عرفات أن تطأ قدماه أي شارع من شوارع القدس. لماذا؟ كان الإسرائيليون يعرفون أن عرفات يتطلع إلى القدس «كلها» عاصمة لدولة فلسطين، وتسمع كيف أن عرفات يردد دائما قولته الشهيرة، بأن شبلا فلسطينيا سيرفع في يوم ما علم فلسطين فوق مآذن القدس وفوق كنائس القدس. وكان الموقف الإسرائيلي يريد معاقبته على موقفه هذا. فهل هناك الآن، في قيادة السلطة الفلسطينية من يرفض مقولة عرفات؟ وهل هناك في قيادة السلطة الفلسطينية من أبلغ حكام إسرائيل بأنه يرفض قولة عرفات؟ لا ندري إذا كان شيء من هذا قد تم أم لا، إلا أن التساهل الفلسطيني في قبول مبدأ عقد الاجتماعات في القدس يثير الحيرة، ويثير تساؤلات صعبة.

وفي خضم المفاوضات، دخلت دورية إسرائيلية إلى الضفة الغربية (منطقة طولكرم)، وقتلت مناضلا فلسطينيا (إياد شلباية) وهو في فراشه (لماذا لم تعتقله؟)، وقالت إنه مسؤول عسكري في كتائب القسام، وإنه مسؤول عن هجومين فدائيين تم إنجازهما في الضفة الغربية مؤخرا.

حدث ذلك من دون أن يحتج المفاوض الفلسطيني، ومن دون أن يطلب، مثلا، وقف الاغتيالات على الأقل أثناء المفاوضات. فهل يسلم المفاوض الفلسطيني بأن من حق إسرائيل أن تغتال الفلسطينيين في منطقة السلطة الفلسطينية لأنهم فدائيون؟ ومن دون أي اعتراض منها؟ على السلطة أن تجيب على هذا السؤال.

ولكن على السلطة الفلسطينية المفاوضة أن تجيب قبل ذلك على سؤال أكثر إحراجا. فقبل فترة، قام فدائيون فلسطينيون بعملية فدائية في «المنطقة ج»، أي في المنطقة التي تقع بالكامل، إداريا وأمنيا، تحت سلطة قوات الأمن الإسرائيلية. وهنا كانت المفاجأة الكبرى بأن إسرائيل لم تفعل شيئا، لم تدخل إلى أي مدينة، ولم تدخل إلى أية قرية، ولم تعتقل أي فلسطيني، وصمتت حتى إعلاميا. ثم حدثت المفاجأة. تحركت قوات الأمن الفلسطينية لتحقق في عملية فدائية حدثت خارج نطاق سلطتها الأمنية «المنطقة ج»، وهو أمر لا يحدث مثيل له في أي مكان آخر في العالم.

ومع ذلك، ورغم ذلك، بدأت قوات الأمن الفلسطينية تعتقل وتعتقل، وبعد كل حملة اعتقالات تبدأ حملة اعتقالات جديدة، حتى وصل عدد المعتقلين إلى نحو 700 معتقل. وبعد فترة من هذه الاعتقالات، أعلنت قوات الأمن الفلسطينية بكل فخر، أنها تعرفت على أعضاء الخلية التي نفذت العملية الفدائية في «المنطقة ج»، وأعلنت فورا، ومن دون أن يسألها أحد، أنها لم تقدم ما لديها من معلومات إلى الأمن الإسرائيلي.

كيف يمكن أن نفهم هذا الحدث؟ هناك طريقة واحدة للفهم، وهو أن قوات الأمن الفلسطينية، التي يسميها الفلسطينيون في الضفة الغربية قوات الجنرال الأميركي (دايتون)، قامت بالعمل نيابة عن قوات الأمن الإسرائيلية.

فهل هذه هي مهمة قوات الأمن الفلسطينية؟ وهل أصبحت مسؤولية هذه القوات حماية الأمن الإسرائيلي؟ ولماذا لا تتحرك هذه القوات لحماية الفلسطينيين عندما يتم اغتيالهم أو اعتقالهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية؟ هل هو التعاون الأمني الذي يتحدثون عنه؟

وتبقى نقطة أخيرة محرجة، وهي أن لا أحد يصدق بعد كل هذا الذي حدث، أن الأمن الفلسطيني لم يقدم ما حصل عليه من معلومات (بعد الاعتقال والتعذيب) إلى الأمن الإسرائيلي. ومن حق أي كان أن يستنتج بعد ذلك، أن الأمن الفلسطيني قد قدم معلومات تتضمن وقائع عن الشاب الذي تم اغتياله (إياد شلباية)، وبصفته مسؤولا في كتائب القسام.

وما دام كل هذا يحدث فعلا، فلماذا لا تنجح المفاوضات المباشرة الجارية الآن، وتكون قاعدة نجاحها التلاقي الكامل مع مطالب إسرائيل؟ سؤال ستحمل الأشهر المقبلة جوابا عليه، ويتطابق آنذاك التعاون السياسي مع التعاون الأمني.
"الشرق الأوسط"

التعليقات