28/09/2010 - 10:41

الاقتصاد كوسيلة عقاب ضد عرب 48../ إمطانس شحادة*

-

الاقتصاد كوسيلة عقاب ضد عرب 48../ إمطانس شحادة*

بعد هبة أكتوبر عام 2000، ومقتل 13 شابا عربيا برصاص قوى الشرطة، اكتشف الفلسطينيون في إسرائيل معاني العقوبات الاقتصادية بشكل جلي. فمن جهة قامت مصانع إسرائيلية تزوّد مواد غذائية أولية بالامتناع عن دخول البلدات العربية لأسباب "أمنية"، ومن جهة أخرى هجر المستهلك الإسرائيلي البلدات العربية ولم تعد تغريه أسعار السلع والخدمات.  بهذا المعنى، فإن المصانع الإسرائيلية والمستهلك الإسرائيلي لا يقيس علاقاته الاقتصادية بالمواطن العربي وفقا لقواعد الربح والخسارة المادي، ولا تتحكم شروط العرض والطلب في إيقاعات تعاملهم مع العرب. المصنع والتاجر والمستهلك الإسرائيلي يقيس جدوى تعامله مع العرب وفقا لأهدافه القومية، وكذلك الدولة.  المصلحة القومية الوطنية أولا. المصالح والتصرّف الاقتصاديين تفصلان بما تقتضيه المصلحة القومية.

 

لم يقتصر العقاب الاقتصادي تجاه الفلسطينيين في إسرائيل على تلك الجوانب فقط، بل كان أشد إحكاما وتعقيدا. ففي بعض الحالات استغلت الحكومة الإسرائيلية الأزمة الاقتصادية العامة والرّكود الاقتصادي، لتغطي على سياسات اقتصادية تضرّ بالمواطن العربي والسلطات المحلية العربية أكثر من غيرهم. فبعد اندلاع انتفاضة الأقصى وهبة أكتوبر مرّ الاقتصاد الإسرائيلي بركود عميق أدى إلى انخفاض جباية الضرائب ومدخولات الدولة، الأمر الذي هدّد الاستقرار الاقتصادي وقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية. على أثر ذلك عملت الحكومة على تقليص الميزانية العامة، خاصة البنود الاجتماعية ومخصصات التأمين الوطني من جهة، وعلى الطلب من الحكومة الأمريكية تقديم ضمانات مالية لحكومة إسرائيل لأخذ قروض مالية بقيمة 11 مليار دولار، من جهة أخرى. فقط تجنيد القروض بتسهيلات كبيرة وشروط مريحة منع انهيار مالي للحكومة، ولا نقول انهيار اقتصاد إسرائيل. فيما يلي  مجموعة السياسات التي انتهجتها الحكومة والتي أضرت بشكل خاص بالسكان الفلسطيين:

 

-         قامت الحكومة بتشديد الشروط على منح مخصصات تأمين البطالة وضمان الدخل. فرفعت الجيل الأدني لتلقي المخصصات ورفعت فترة العمل التي تؤهل الحصول على المخصصات. وفي كلتي  الحالتين كان المتضرر الأكبر هم المواطنين العرب. على سبيل المثال بلغ معدل البطالة في العام 2000 قرابة 8% لدى المواطنين اليهود و 12% لدى العرب؛ في العام 2003 بلغت 10.6% لدى اليهود و 11.5% لدى العرب. وبلغت معدلات الفقر لدى الأسر العربية في العام 2000 قرابة 41% مقابل و 15.5% لدى الأسر اليهودية، وفي العام 2003 بلغت 15% لدى الأسر اليهودية و 48.5% لدى الأسر العربية.

 

-         الانتقام من قسم من السلطات المحلية العربية. أولاً- خفض ميزانيات السلطات المحلية عامة، وهبات الموازنة خاصة. والمعروف أن اعتماد السلطات المحلية العربية على ميزانيات الدولة أعلى بكثير من اعتماد السلطات المحلية اليهودية بسبب قدرة الأخيرة على تجنيد دخل ذاتي أعلى، ناهيك عن عدد قليل من السلطات المحليّة اليهوديّة في الضواحي التي تأثرت من خفض الميزانيات.  ثانيا: بدأت الحكومة منذ العام 2004 بتعيين محاسب مراقب لسلطات محلية في ضائقة مالية.  القسم الأكبر من هؤلاء عين في سلطات محلية عربية. ثالثـًا:  قامت الحكومة بحلّ قرابة 20 سلطة محلية عربيّة منذ العام 2001 بينما لم يتخط عدد السلطات المحلية اليهودية التي حلـّت عدد أصابع اليد الواحدة.

 

تغيير السياسات الحكومية أدى إلى رفع معدلات البطالة لدى العرب،و إلى انخفاض معدلات المشاركة في أسواق العمل ورفع معدلات الفقر لدى الأسر العربية. هذه تجليات استعمال موارد الاقتصاد كنوع من أنواع العقوبات الجماعية تجاه المواطنين العرب في الداخل.  وهو نابع عن سياسات حكومية علنية ومباشرة، وسياسات غير مباشرة، نحو، تقديم الوزارات المختلفة تسهيلات لتنمية الاقتصاد والصناعة اليهودية، وتجاهل الضائقة الخانقة في البلدات العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر مشروع "شراء كحول لفان- أزرق أبيض" (شراء منتجات إسرائيلية)، الذي بادرت إليه وزيرة الصناعة والتجارة داليا ايتسيك في العام 2001. لكن الحكومة لم تكن مصدر العقاب الوحيدة، بل شارك فيه قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي ورجال الدين الذي نادوا بمقاطعة الشراء من الأسواق العربية أو تشغيل العرب. على سبيل المثال نداء رجال دين يهود في العام 2002 عدم تشغيل العرب من خلال موقع "عفودا عفريت – عملي يهودي".

 

في مقابل التأثيرات السلبية المباشرة لوسائل العقاب التي انتهجت تجاه السكان العرب والسلطات المحلية العربية، كان هناك إسقاطات طويلة المدى ساهمت في تغير ما في معالم الاقتصاد العربي. منها على سبيل المثال، نمو تجارة عربية واسعة بدأت تستورد السّلع والمنتجات مباشرة من الأسواق العالمية. هذا التغير خفّف نوعا ما من ارتباط المسوقين العرب بمصادر بضائع إسرائيلية؛ أخذت ظاهرة افتتاح مراكز تجارية في البلدات العربية تتكاثر، ومن ثم بدأت شركات إسرائيلية بدخول الأسواق العربية عن طريق افتتاح محلات تجارية فيه. صحيح أن لهذه الظاهرة جوانب إيجابية وسلبية، لكن لا يمكن تجاهل تأثيراتها الإيجابية خاصة إذا أجدنا استغلالها كمجموعة إذ بدأت بوادر لمبادرات اقتصادية صناعية وخدماتية عربية. فعلى قلة هذه المبادرات ومحدودية مجالات عملها وشحة رؤوس المال، لا شك أن هذه المبادرات قد تؤدي في المدى البعيد إلى تغيير ميزات وصفات الاقتصاد العربي، إذا ما روفقت بدعم وتشجيع وتوجيه.

 

في المجمل لم يملك الاقتصاد العربي الوسائل والآليات لمواجه العقوبات الاقتصادية. فنحن لا نملك الأدوات الصناعية والتجارية والأسواق ورأس المال لمواجهة السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة وقطاعات الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي لمعاقبة المجتمع العربي. وليس غريبًا أن تكون كافة المبادرات وردود الأفعال الناتجة عن المجتمع العربي ناجمة عن مبادرات من القطاع العربي الخاص، إذ لا يملك الفلسطينيون في الداخل  أدوات عمل اقتصادية جماعية، ولا أدوات جماعية لتحليل السياسات المنتهجة ولا لوضع مشاريع للتعامل مع تلك السياسات.  ردود الفعل السياسية والمواقف تأتي عادة من قبل الأحزاب العربية ولجنة المتابعة، وهنا ينتهي دورها. والعمل لغاية الآن كان عشوائيًا.

 

هنا تبرز أهمية بناء المؤسسات الفلسطينية، ومنها المؤسسات الاقتصادية، الخاصة والعامة، التجارية والصناعية والخدماتية، وبناء آليات التواصل والتنسيق بينهم. يجب أن لا تقصر ردود الأفعال على التنديد والاستنكار وتحليل سياسي للوقائع، ويجب عدم ترك الحراك الاقتصادي للقطاع الخاص وحده، وعدم القبول بإخراج السياسي عن الاقتصادي، أو ترك الساحة لمبادرات حكومية لتطوير الاقتصاد العربي واحتوائه وفقا لاحتياجات الحكومة والاقتصاد الإسرائيلي. آن الأوان لوضع رؤية اقتصادية وبرامج عمل وآليات، لكي لا يبقى الاقتصاد أداة عقاب أو احتواء تستعملها الدولة متى وكيف ما تشاء.

 

.

التعليقات