29/09/2010 - 19:20

عن إسرائيل وتغيير قواعد التسوية../ ماجد عزام*

-

عن إسرائيل وتغيير قواعد التسوية../ ماجد عزام*

عندما طالب أفيغدور ليبرمان بتبني فكرة تبادل الأرض والسكان بدلا من الأرض مقابل السلام كقاعدة لعملية التسوية والمفاوضات الجارية الآن بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لم يكن يعبر عن رأي شخصي بالمعنى الحرفي للمصطلح كما زعم فيما بعد ببساطة لأن ليبرمان نفسه لم يعد شخصا هامشيا في الساحة السياسية الإسرائيلية، وعندما يطرح رئيس الحزب الثالث في إسرائيل والثاني في الائتلاف الحاكم رأيا فإن من الصعوبة بمكان التعاطي معه وكأنه رأي شخصي لا شأن للحكومة أو لإسرائيل به.

 

من حيث المبدأ يجب التعاطي بحذر مع معظم التصريحات والأخبار الواردة من إسرائيل والتمعن والتمحيص فيها جيدا قبل استخلاص الاستنتاجات الملائمة منها. وبالنسبة لتصريح ليبرمان الأخير لا يمكن تجاهل إمكانية التنسيق أو التفاهم مع نتن ياهو على فحواه، خاصة أن هذا الأخير كان قد اعتبر قبل سنوات أمام مؤتمر هرتسيليا السنوي عرب 48 بمثابة خطر استراتيجي يجب التنبه له ومواجهته، وهو نفس ما تضمنته الوثيقة الشهيرة التي رفعها رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين إلى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.

 

 إذا فليبرمان بديماغوغيته وصخبه وفظاظته لا يفعل شيئا أكثر من التعبير عن حقيقة تصورات المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل دون أي تجميل أو تزييف.

 

 هنري كيسنجر قال ذات مرة إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط، واستخدام هذا المنطق لفهم تصريحات ليبرمان يعني أن هذا الأخير يحاول القول إنه ليس شخصاً عدمياً بل هو في الحقيقة صاحب رؤية ويملك خطة للسلام، وأنه لا يرفض عملية التسوية جملة وتفصيلا، وإنما بالعكس يسعى إلى إنجاحها عبر وضعها على القاعدة أو السكة الصحيحة.

 

أما المطالبة باستبدال قاعدة الأرض مقابل السلام بقاعدة تبادل الأرض والسكان فتعنى تحديثاً أو تجميلاً وتحريفاً للموقف التاريخي لليمين الرافض للقاعدة الأولى، ولكن بدلا من طرح فكرة السلام مقابل السلام التي لا تعني في الجوهر سوى استمرار الأمر الواقع، يتم طرح فكرة تبادل الأرض والسكان العنصرية والتعجيزية في آن لإغراق المفاوضات في المتاهات وتجاوز القضايا الأخرى المصيرية والصعبة والحساسة مثل القدس والحدود واللاجئين.

 

 في السياق التكتيكي يحاول ليبرمان صدّ الضغوط المطالبة بمواصلة الكبح المؤقت والجزئي للاستيطان في الضّفة الغربية عبر تكريس القناعة بأن المستوطنات ليست المشكلة، وأما استراتيجيا فهو يساوي بينها – رغم كونها غير شرعية أو قانونية وفق القوانين والمواثيق، وبين القرى والمدن والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 كما بين المستوطنين وأصحاب الأرض الأصليين من عرب 48.

 

ربما لم ينتبه كثيرون إلى زعم ليبرمان أن مطالبته بتغيير قواعد عملية التسوية تأتي ردا على رفض السلطة والجامعة العربية الإقرار بيهودية إسرائيل، وبالتالي فإن حصول ذلك ينسف فكرة تبادل الأرض والسكان من أساسها، وهنا نعود إلى فكرة التواطؤ والتنسيق مع نتن ياهو وتحضر فكرة المؤامرة أيضا في ضوء ما نشره موقع قضايا عبرية الثلاثاء 24 آب/أغسطس الماضي عن مؤامرة سرية بين نتن ياهو وليبرمان لصدّ الضغوط المطالبة بتمديد الكبح المؤقت للاستيطان عبر تهديد الثاني بالاستقالة من الحكومة وفرط الائتلاف ما يعني في المحصّلة انتخابات مبكرة تضع عملية التسوية والجهود الأمريكية في الثلاجة إلى إشعار آخر.

 

 غير أن أخطر الأشياء في ما وراء وخلفيات تصريح ليبرمان يتمثل في نفي مسؤولية الفشل السابق -واللاحق -لعملية التسوية عن إسرائيل وإلقائها على الفلسطينيين والعرب كما على المنهج الخاطئ والقواعد غير المناسبة التي تم اتّباعها من قبل أمريكا والمجتمع الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي للصراع في فلسطين والمنطقة. لا خوف على عرب 48 الواعين جدا لما يحاك لهم والمصرين على التمسك بحقوقهم وخوض الصراع حتى النهاية دفاعا عنها غير أن الأمر مختلف للأسف في الضفة الغربية وغزة. ورغم التحليل الصحيح لتصريحات ليبرمان من قبل السلطتين إلا أن الاستنتاجات لم تكن كذلك. و طالما لم يتم إنهاء الانقسام وتكريس المصالحة من اجل مواجهة ليبرمان والحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل فلا فائدة من الثرثرة والجعجعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

التعليقات