02/10/2010 - 12:08

الثورة بين المشروع المقاوم والمقاول../ مصطفى طه

-

الثورة بين المشروع المقاوم والمقاول../ مصطفى طه

قاد المرحوم د. حيدر عبد الشافي المفاوضات في مدريد 1991 لمدة (33) شهرا، واستقال بعد الجلسة الثامنة احتجاجا.  وقال:  ما لم يتم الحديث عن إزالة الكتل الاستيطانية بشكل واضح ستبقى المفاوضات عبثيةومفاوضات مدريد قامت على أساس النقاط العشر للمبعوث الأمريكي "بيكر" حينها، واشترط رئيس حكومة إسرائيل، يتسحاك شامير،  عدم مفاوضة وفد فلسطيني، وإنما وفد فلسطيني-أردني مشترك شريطة أن لا يكون الفلسطيني عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية. وإذ بها تفاوض واحدا من مؤسسي منظمة التحرير.

 

وجاء الفلسطيني إلى المفاوضات في أوسلو سنة 1993 وهو يملك كثيرا من نقاط القوة لو أحسن استغلالها، لان المفاوض الإسرائيلي ما كان ليدخلها أصلا لولا أن القيادة الإسرائيلية أيقنت أنْ لا يمكن كسر إرادة الشعب الفلسطيني بالقوة بعد انتفاضة فلسطينية شعبية استمرت 6 سنوات كان سلاحها الحجر والمقلاع، وما كانت لتصمد لولا القيادة الموحدة للفصائل الفلسطينية سياسيا ومبدئيا ضمن استراتيجية واضحة للمقاومة، وكانت صورة إسرائيل في أسوأ وضع دولي لها على المستوى الإعلامي، وسقط القناع عن وجهها الإجرامي حين كان يرى العالم صور الطفل الفلسطيني يواجه الدبابة بالمقلاع.

 

 ولا زلنا نذكر جيدا كيف استنجدت وزارة الخارجية الإسرائيلية بطلاقة لسان نتنياهو ليواجه طلاقة لسان حنان عشراوي التي سيطرت على وسائل الإعلام ببراعة تستحق الإعجاب.

 

أهدر طاقم أوسلو مكمن القوة هذا، وأهدرته لأنها أسقطت خيار المقاومة وهي تفاوض، وما من ثورة في التاريخ البشري كانت هدفا بذاتها، بل وسيلة تهدف في النهاية إلى تحقيق مشروع تحرر وسيادة واستقلال،"إذ أن البندقية حين تفتقد لبرنامجها السياسي تصبح بندقية لصوص ، فكم بالحري عندما يكون برنامج البندقية هذه يرسم""دايتون"  أهدافه وخطوط مساحته بتنسيق أمني إسرائيلي-فلسطيني؟!

 

ونحن نقف على أعتاب الذكرى العاشرة للانتفاضة الشعبية الثانية، نستذكر أرواح الشهداء وآلاف الجرحى، وفي الوقت ذاته نسترجع أسباب اندلاعها، بعد انغلاق الأفق لحل عادل بعدما رفض الشهيد ياسر عرفات التنازل عن الثوابت الفلسطينية في كامب ديفيد ورحل متمسكا بها وترك خيار المقاومة مفتوحا بموازاة المفاوضات .

 

قامت الثورة كمشروع مقاوم بهدف الحرية، والحرية لا تُقايَض لأنّ الثمن كان كثيرًا من الدم الذي سال في سبيلها إضافة لقوافل الجرحى والأرامل والايتام وآلاف الأسرى والمعتقلين... والثورة في المنفى كانت جواز السفر الفلسطيني.  وعندما كانوا يحاولون الفصل بين الثورة والوطن كان الانتماء للثورة هو المعيار الوحيد للمواطنة، لأنّ الثورة بغياب الوطن كانت هي الوطن، و"عقلية"  المفاوضات العبثية حين حاولت أن تقايض الثورة بالوطن انتهت إلى لا ثورة ولا وطن، بل تحول هذا الوطن إلى مصيدة للموت طالت كل من لا زال متمسكًا بالثوابت.

 

"ما جئنا  لنساوم، جئنا لنؤكد على الثوابت"، شعارات ملأت جوانب الطريق إلى المضافة التي كانت تستقبل القائد الشهيد أبو علي مصطفى حين زرناه في مسقط رأسه، عرابة جنين بعد أن عاد من المنفى، ولم تمضِ سنة حتى مزق جسده الطاهر صاوخان من طائرة اباتشي سنة 2001. بكيت كثيرًا حينها واستذكرت قول حكيم الثورة حين قال:  ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة".

 

الثورة قامت كمشروع مقاوم، وهناك من يصر  أن يجعلها "مشروع مقاول" ليعتاش بفعل المفاوضات ويتحول إلى أسيرها لأنها أسيرة الدعم المالي الأمريكي والأوروبي، فيواجه القتل اليومي بـ"الاشتباك" السلمي إلى اللانهاية.

 

حان الوقت لعقلية التفريط ان تقدم أوراق اعتمادها وتتنحى قبل أن يصبح التفريط برنامج العمل الوحيد باسم المفاوضات.

 

التعليقات