04/10/2010 - 20:21

هل أصبح "تجميد الاستيطان" تنازلاً مؤلماً؟../ كلوفيس مقصود *

-

هل أصبح

الآن، نحن بانتظار القرار من لجنة المتابعة العربية، حيث يتم التداول فيما إذا كان من ضرورة قومية ـ باعتبار أن اللجنة تختزل الإرادة القومية؟ـ كي يعود الرئيس محمود عباس إلى استئناف المحادثات المسماة خطأ «المفاوضات» مع إسرائيل، كون الاستئناف أصبح على ما يبدو حاجة ملحة للإدارة الأميركية، وكون إدارة أوباما تتوقع كالعادة أن تظهر اللجنة تفهمها لحاجتها للاستمرار في «المفاوضات.» الدليل على هذا الإصرار الأميركي للعودة إلى المفاوضات والتخوف من احتمال انسحاب فلسطيني من العملية التفاوضية أن الطلب الأميركي من نتنياهو انحسر في تجميد الاستيطان لمدة شهرين قادمين.
 

طلب تجميد الاستيطان له ثمن، ما دفع الإدارة الأميركية إلى إعطاء الحكومة الإسرائيلية ما وصف «بالضمانات» التي تنطوي على حضور عسكري إسرائيلي مقبول أميركياً في منطقة الغور، ومساعدات إضافية بأسلحة جديدة ومتطورة، وضمان أميركي بأنه لن يصل أسلحة إلى الكيان الفلسطيني، ناهيك عن وعدٍ مسبق بأن الولايات المتحدة لن تسمح بانعقاد لمجلس الأمن يعالج القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
 

على ما يبدو أن نتنياهو يعتبر هذه الضمانات «غير كافية» وأنه في أقصى حالات «التنازل» قد يفكر بالتمديد لمدة شهر واحد في مقابل الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي بولارت. الذي يمكن أن يكون عنصرا مساهما في بقاء الحكومة الراهنة خاصة بوجود وزير الخارجية ليبرمان الذي طمأننا معالي وزير الخارجية المصري السيد أبو الغيط، بأنه لا يمثل وجهة نظر نتنياهو، ولو كان هذا الكلام دقيقاً فلماذا لم يُفصل ليبرمان من الحكومة فوراً لأن التغاضي عن إقالة وزير الخارجية هو الدليل القاطع على أن هذه وجهة نظر تمثل حقيقة الموقف، ولكن نتنياهو يخرجها بشكل أقرب للالتباس من حقيقة السياسة.


بمعنى آخر ما هو حاصل في هذه اللحظات التي نستطيع اعتبارها مصيرية لمستقبل القضية الفلسطينية أن إدارة أوباما تستسهل التجاوب العربي وخاصة تجاوب السلطة الفلسطينية. وتكمن المفارقة هنا في أن إسرائيل التي تريد أن تبعد أي قِوى دولية سواء أكانت أوروبية أو أممية من التعامل مع القضية الفلسطينية وأن تكون الولايات المتحدة وحدها مؤهلة لإدارة هذا الصراع، مما يمكنها من ممارسة الابتزاز الإسرائيلي للإدارة الأميركية من خلال تفعيل اللوبي الإسرائيلي بالشكل الذي برز بأكثر من ثمانين عضوا في الكونغرس يحاولون إلغاء أي تفهم لبعض الحقائق والحقوق للشعب الفلسطيني، ومن ثم التبني الفوري لكل مطلب إسرائيلي. لذلك أصبحت حاجة الرئيس أوباما إلى إقناع نتنياهو بالتجاوب عرضةً لما يشابه المزيد من «الضمانات» المنطوية، التي تمكن إسرائيل من جعل أي حقوق للشعب الفلسطيني تتآكل تدريجياً حيناً، وبسرعة أحياناً.


يستتبع هذا أن ما يقوم به السيناتور جورج ميتشل من حراكٍ منذ استلام الرئيس أوباما السلطة أصبح محصوراً في أن تكون هناك محادثات، وهذا ما يعيدنا إلى ما تم استنتاجه منذ يونيو/ حزيران 1967 إلى اليوم، بأنه إذا لم تتمكن إدارة أوباما والمجتمع الدولي من انتزاع اعتراف من إسرائيل كونها في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي سلطة محتلة، لذا عدم الإصرار على هذا المنطلق القانوني من قبل الدول العربية وتأكيده كشرط مسبق هو عملياً كما شاهدنا في الأيام الأخيرة، يستولد ممارسة الابتزاز للإدارة الأميركية، ما يعبر عن سخاء الضمانات المقترحة، بما يوجب الاقتناع بأن الوقت قد حان بأن لا توفر لجنة المتابعة في المرحلة الحالية أي غطاء لاستمرار المحادثات. نقول هذا لأنه منذ أوسلو، وعملية التآكل في الحقوق الفلسطينية ليست فقط مستمرة، بل متنامية، وأن لجنة المتابعة المفترض أنها تمثل النظام العربي السائد وانه موكول إليها العمل على الأقل، بتنفيذ قرارات القمم العربية والالتزام بها، وأن تسعى لوقف التآكل، وأن تكف عن المطالبة بالتجميد، كأن هذه منّة من إسرائيل، وبالتالي كأن الاستيطان أصبح حقاً لإسرائيل، وإن تجاوبت في التجميد في الشهرين القادمين تتحول استجابة إسرائيل إلى «تنازل أليم» كما تصرح إسرائيل دائما في هذا الشأن.
 

... وإن كان ما تبناه مجلس حقوق الإنسان أخيراً في التقرير الذي وضعته لجنة تقصي الحقائق في جنيف والذي وقف المندوب الأميركي وحده ضده، وأكدت نتائجه النية الإجرامية لإسرائيل وخاصة عمليات القتل المتعمدة التي جرت قبل احتلال سفينة مرمرة، وبالتالي أكدت الطابع السلمي لنشطاء أسطول الحرية التركي كما تضمنت وجود أدلة تدين إسرائيل، فلماذا لم يأخذ هذا التقرير بالجدية القادرة على ردع إسرائيل.
 

إذا كان هناك من جدية واضحة في الالتزام بالحد الأدنى الذي رسمته قرارات القمة المتعلقة بالمبادرة العربية، لعل على لجنة المتابعة أن تؤكد وحدة المرجعية الفلسطينية، وعلى ضرورة أن لا تبقى إسرائيل متفلتة من العقاب لإدمانها على خرق القانون الدولي والشرعية الدولية والقرارات الأممية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن يكون لخرقها كلفةً رادعة تنطوي على إجراءات تقوم بها الدول العربية.


وأخيراً هل يسمح لنا الاقتراح إضافة إلى وحدة المرجعية الفلسطينية وعدم إسقاط خيار المقاومة، المطالبة بإعادة تفعيل المقاطعة العربية، وتعليق العلاقات الدبلوماسية القائمة حتى ننقذ القضية ونضمن أن تبقى قضية مصيرية لفلسطين وللعرب، وحتى لا نجعل مما هو حاصل كما يقال في أوساط الدبلوماسية العربية الراهنة أنه ليس هناك وفرة بدائلٍ أخرى!
البدائل متوفرة إذا توفرت الإرادة. السؤال... هل هذه الإجراءات ممكنة؟ هي ممكنة إذا اعتبرنا الكرامة فعلا وليس شعاراً.
 

التعليقات