08/10/2010 - 21:16

ماذا إذن مقابل اتفاق سلام نهائي؟../ ماجد عزام*

-

ماذا إذن مقابل اتفاق سلام نهائي؟../ ماجد عزام*
قدمت الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي دليلاً إضافيا لمن لم يستوعب أو لا يريد أن يستوعب حقيقة انحيازها المطلق إلى جانب إسرائيل وبالتالي استحالة قيامها بدور الوسيط النزيه والأمين تجاه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أو عملية التسوية بشكل عام .
 
السيناتور جورج ميتشل قدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو عرضاً مغرياً يتضمن حزمة مغريات وضمانات سياسية وأمنية وحتى إيديولوجية تشمل الاعتراف بيهودية إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل، وتزويد هذه الأخيرة بالأسلحة الأكثر تطورا في الترسانة الأمريكية تتضمن سرباً آخر من طائرات اف 35، إضافة إلى قنابل ذكية قادرة على اختراق الحصينات، وأقمار صناعية، مع القبول بالهواجس الأمنية تجاه ما يوصف بخطر الجبهة الشرقية عبر الموافقة على بقاء جيش الاحتلال في منطقة غور الأردن خلال المرحلة الانتقالية الطويلة التي تسبق تطبيق أي اتفاق نهائي يتم التوصل إليه مع العمل على بلورة منظومة أمنية عربية-إسرائيلية إقليمية لمواجهة ما يوصف بالخطر الإيراني وعرقلة أي محاولة فلسطينية أو عربية خلال العام القريب للذهاب إلى مجلس الأمن من أجل نيل الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود حزيران يونيو 1967 إضافة إلى القبول بمناقشة ملف الاستيطان ضمن ملفات وقضايا الوضع النهائي وفي سياق المفاوضات المباشرة وليس بمعزل عنها وكل ذلك مقابل تمديد الكبح الجزئي والمؤقت للاستيطان لشهرين إضافيين فقط..
 
 رد فعل نتن ياهو على العرض السابق كان مزيجاً من الانتهازية والنفاق والغطرسة  حيث رفضه مبدئيا آملا ربما في الحصول على المزيد بعدما اشتم رائحة الضعف لدى إدارة اوباما وعجزها عن الضغط الجدي عليه لا قبل انتخابات الكونغرس ولا بعدها وميلها الدائم إلى تقديم الضمانات والحوافز للدولة العبرية والتوصل إلى حلول وسط معها، وكالعادة على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية، غير أن إخراج الرفض المبدئي الإسرائيلي للعرض الأمريكي السخي كان لافتا كان لافتا وهازئا أيضا نتن ياهو طلب من الأمريكيين أن يقرأوا شفتيه-read my lips- -قاصدا انه رجل مبدئي ولا يمكن أن  يتنكر أو يتراجع عما وعد به ناخبيه والجمهور الإسرائيلي بشكل عام .
 
بينما كان ميتشل يقدم عرضه السخي لنتن ياهو كان دينيس روس مستشار الرئيس اوباما يجتمع في واشنطن مع الأعضاء الديمقراطيين –اليهود- في مجلس الشيوخ الأمريكي بعدما وجه 78 منهم من أصل 100 رسالة إلى الرئيس تطالبه بالضغط على أبى مازن من اجل عدم الانسحاب من المفاوضات ، وطمأنهم روس بالالتزام الراسخ بأمن إسرائيل غير انه أشار إلى أن مهلة الشهرين مرتبطة أساسا برغبة الإدارة في الذهاب إلى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تشرين ثاني/ نوفمبر القادم ضمن أجواء هادئة ومريحة ناهيك بترجمة الالتزام الفعلي بمصالح إسرائيل الحيوية الآنية والاستراتيجية عبر سلة الضمانات غير المسبوقة .
 
العرض الأمريكي لا يمكن رفضه كما تقول الصحافة الإسرائيلية غير أن الحماقة أو بالأحرى التطرف والجنون وصلت إلى مداها في الائتلاف الحاكم الذي تزداد عليه وعلى رئيسه الضغوط للقبول بالعرض الأمريكي إلا أن التمتع بمزاياه الاستراتيجية الهائلة منوط بالتوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين يضع حلولا للقضايا المستعصية الثلاث القدس والحدود واللاجئين وهو أمر لا يتماشى مع الذهنية المنغلقة والانتحارية الحاكمة الآن في إسرائيل .
 
المعطيات السابقة لا تضع فقط علامات استفهام حول نزاهة وحيادية الوسيط الأمريكي، وإنما تثير التساؤل أيضا عما يمكن أن تقدمه إدارة أوباما لإقناع تل أبيب بتوقيع اتفاق سلام نهائي وفق حل الدولتين وهو الحل الذي تزعم الإدارة انه بات مصلحة وضرورة حيوية للأمن القومي الأمريكي، ولكن يبدو أن ثمة تحديثاً مستمراً للتصورات الأمريكية لهذا الحل كي تتماشى مع التفسيرات الإسرائيلية في إطارها الأشد يمينية وتطرفا، ووفق منطق يضع الأولوية للشكل والإطار على حساب الجوهر والمضمون بمعنى التوصل إلى اتفاق كيف ما كان بغض النظر عن ديمومته وقدرته على حل الصراع الأقدم في العالم.
 
للأسف لم تعد القضية الفلسطينية وركائزها الأساسية أسيرة للتوافق والتقاسم الأمريكي الإسرائيلي، وإنما رهينة أيضا للمصالح والزواريب الحزبية في واشنطن وتل أبيب، وهذا أمر لا يمكن بل يجب عدم قبوله وأولى الخطوات لمواجهته تتمثل بالانسحاب من المفاوضات أو في الحد الأدنى الإصرار على تجميد كامل وجدي للاستيطان وهو أمر لا يمكن لحكومة نتن ياهو- ليبرمان- بيغن قبوله بأي حال من الأحوال ما يعنى من جهة أخرى خلق بيئة مؤاتية لإنهاء الانقسام وتكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية على ارض الواقع في سبيل بلورة استراتيجية موحدة ومتفق عليها لإدارة الصراع مع إسرائيل برؤى وأساليب مختلفة عما رأيناه خلال العقدين الماضيين علما أن تجاوز اشكالية المقاومة والمفاوضات سيخلق سيرورة تسهل على الفلسطينيين ايضا تجاوز جدلية السلطة والمقاومة التي بدونها لن يكون بالإمكان صهر كل الطاقات والإمكانيات في الاستراتيجية الموحدة السالفة الذكر .

التعليقات