14/10/2010 - 07:46

العالم يتزاحم ثانية على إفريقيا والعرب من القمة يراقبون../ جميل مطر

-

العالم يتزاحم ثانية على إفريقيا والعرب من القمة يراقبون../ جميل مطر
مرة أخرى يتزاحمون على إفريقيا. في المرة الأولى تزاحم وتسابق ذوو البشرة البيضاء. هذه المرة تتزاحم وتتسابق على القارة ألوان شتى من البشر. جاءت ولم يكن قد خرج بعد الرجل الأبيض، بل بقي، وإن متسترا، بأقنعة جديدة مثل الحرب ضد الإرهاب ومطاردة «القاعدة» والسيطرة على مصادر القوة النووية وحفظ السلام وضمان الاستقرار ودعم الديموقراطية. الآن وفي كل مكان في إفريقيا، نساء ورجال جدد، ذوو بشرة صفراء قادمون من الصين، وذوو بشرة سمراء من الهند والبرازيل، وآخرون من البيض، لكنه بياض مختلف، هؤلاء هم الأتراك. كل الناس يتزاحمون على القارة السمراء.. إلا المصريين والعرب.
 
جرى التزاحم الأول في نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد بين عام 1880 ونهاية القرن. جرى لدوافع وتطورات كثيرة من المهم الآن أن نتذكرها، وإن كان بعض هذه التطورات لم نقرأها في كتب مدرسية حررها معلمون متأثرون بما كان يكتبه الأوروبيون. منها على سبيل المثال أنه:

1ـ كانت قد تراكمت في أوروبا رؤوس أموال من تجارة الرقيق احتاجت إعادة تدويرها لأسواق وأنشطة استثمارية جديدة.

2ـ كانت قد توحدت كل من إيطاليا وألمانيا واستقر توازن قوى جديد في القارة الأوروبية فتوقفت سياسات التوسع الإقليمي داخل القارة وظهرت الحاجة إلى مجالات جغرافية جديدة لتسريب طاقة التوسع المختزنة في أوروبا وتفادي حروب أوروبية جديدة.

3ـ كانت قد تقدمت وسائل المواصلات البحرية وظهرت سفن تجارية تستطيع التوغل في مجاري الأنهار الإفريقية نحو مجاهل القارة ومناطق لم يدخلها أوروبيون من قبل.

4ـ كانت قد تطورت صناعة الاستكشاف التي بدأت لتحقيق أهداف بريئة مثل البحث عن مدينة تومبيكتو الأسطورية، والوصول إلى منابع النيجر، وانتهت بان صار المستكشفون عملاء لدول أوروبا وملوكها، يعقدون باسمهم الصفقات التجارية ويسجلون الأقاليم الشاسعة المكتشفة بأسماء شركات وأمراء وملوك. وكان مورتون ستانلي الذي عمل لحساب الملك ليوبولد الثاني، المثال البارز على فئة شريرة من المكتشفين، وهو الذي خصص الكونغو مستعمرة خاصة للملك البلجيكي، وحفر نهرا من دماء لم يتوقف نزفها منذ ذلك الحين. وبعد ستانلي جاء كارل بيترس وآخرون كثيرون.
 
5ـ كانت قد تقدمت علوم الطب وأمكن قهر الملاريا التي استحقت بسببها أقاليم غرب إفريقيا بجدارة لقب «مقبرة الرجل الأبيض».
هكذا، بفضل هذه الأسباب وغيرها لم ينته القرن التاسع عشر إلا وكانت القارة الإفريقية قد خضعت للاستعمار الأوروبي، باستثناء دولتين، هما إثيوبيا وليبريا، علما بأنه لم يكن لأوروبا في إفريقيا في بداية القرن أكثر من 10 % من أراضيها خاضعة لها.

يختلف التزاحم الثاني الجاري حاليا عن التزاحم الأول في جوانب كثيرة. فالتزاحم الثاني لم ينعقد له مؤتمر، كمؤتمر برلين الذي انعقد في عامي 1884و1885، ليضع قواعد التزاحم، ويوزع الأدوار، ويقسم إفريقيا، ويقدم ألمانيا وإيطاليا دولتين استعماريتين أسوة بالمؤسسين الأوائل (البرتغال وأسبانيا وهولندا وبريطانيا وفرنسا). يختلفان أيضا في أنه لا يوجد بين المتزاحمين الجدد دول أوروبية، إذا لم نعتبر تركيا دولة أوروبية، فالأكثرية العظمى من المتزاحمين الجدد جاؤوا من الصين في أقصى الشرق، ومن البرازيل في أقصى الغرب، ومن الهند وإيران. بمعنى آخر، لأول مرة في العصور الحديثة، تتزاحم على ثروات إفريقيا وأسواقها دول تنتمي للجنوب. وهي الحقيقة التي أكد عليها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، إذ أكد أكثر من مرة، أن بلاده مع دول أخرى «تحقق حلم الأجيال التي خضعت للاستعمار الأوروبي، في أن تتعاون في ما بينها، لتكسر قيود الاستعمار الغربي وتشترك في إقامة نظام عالمي جديد».
 
من ناحية ثالثة أو رابعة جاءت دول التزاحم الجديد مدفوعة بالرغبة في تحقيق هدف معلن هو المصلحة المادية للطرفين. لا أحد جاء بزعم أو ادعاء أنه يحمل رسالة تبشير أو دعوات عنصرية مثل «رسالة الرجل الأبيض» التي حملها الاوروبيون. وأظن أن شبهة مماثلة أصابت المشاركة الإيرانية حين نشط رجال دين في نيجيريا من الذين درسوا في قم وطهران، مثل الشيخ إبراهيم زكزاكي، وبدأوا ينشرون في شمال نيجيريا أفكارا قريبة من المذهب الشيعي وإن شديدة التطرف. والمدهش أن تركيا شجعت السيد فتح الله جرين صاحب المذهب الديني المعروف باسمه، ويتبعه الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم على فتح مدارس تركية في تنزانيا كبداية.

ومع ذلك لا تخلو المقارنة بين التزاحـمين الأول والــثاني من أوجـه شبه، أهمها على الإطلاق، أن الدافع الأساسي للتزاحم في معــظم الحالات كان النمو المطرد في أنشطة وأرصدة الشـركات العابرة للحدود في الدول المتزاحمة الجديدة، فمن البرازيل قادت عملية التوجه إلى إفريقيا شركة «بتروباس» للنفط و«فالي» للمعادن، وكلتاهما من اكبر الشركات العالمية وأقواها نفوذا. ومن تركيا وجدت سياسة الحكومة تجاه إفريقيا دعما هائلا عندما اجتمع في اسطنبول مئات من كبار رجال المال في تركيا، وأكثر من ألف رجل أعمال ومسؤول إفريقي، وعندما انعقدت أول قمة تركية إفريقية في أغسطس 2008 وحضرتها خمسون دولة إفريقية.

وفي الهند تولت شركة «تاتا» TATA لصناعة السيارات وضع برنامج للتركيز على إفريقيا، وبدأ تنفيذه بتقديم قروض إلى مورويشيوس وكينيا وإثيوبيا وقـيام ولاية أندرا براديش بإرسال 500 مزارع هندي إلى كينيا وأوغندا، بناء على اتفــاق يسمح لهــم بزراعة الأراضي كملاك، وليسوا كـأجراء، لمدة 99 عاما، بحساب 3,75 دولار للهكتار الواحد.

وفي كل الحالات، وبدون استثناء، لعب القادة السياسيون في دول التزاحم دورا بالغ الأهمية في تدشين العلاقات المكثفة مع إفريقيا وفي دعمها. إذ تولى مثلا كل من محمد خاتمي ورفسنجاني مسؤولية تدشين العلاقات بين إيران وإفريقيا ثم تولى نجاد مسؤولية دعمها وتعميقها. وقام الأخير بزيارة في تموز/ يوليو الماضي إلى غرب إفريقيا، وبخاصة السنغال التي زار رئيسها إيران ست مرات منذ عام 2003 بينما زارها نجاد ثلاث مرات.. ولا يخفى الاهتمام الإيراني بالنيجر تحديدا فهناك يوجد أحد أهم مصادر اليورانيوم في العالم.

أما البرازيل فقد زار رئيسها لولا دا سيلفا القارة الإفريقية خلال مدة حكمه التي لم تتجاوز ثماني سنوات إحدى عشر مرة. زار 25 دولة إفريقية، واستطاع بفضل سياسة شجاعة وجريئة وبجهود شخصية، أن يصل بحجم التجارة بين البرازيل وإفريقيا إلى 25 مليار دولار لتصبح بلاده الثانية في الترتيب بعد الصين. ويقول موريسيو كارديناس الباحث في مؤسسة بروكنغز إن المبادرة الإفريقية التي دشنتها البرازيل دليل مؤكد على قوة العلاقة التي قامت بين لولا، الرئيس ذي السمعة الاشتراكية، وقطاع رجال الأعمال البرازيلي، ومؤشر على أن العلاقات البرازيلية الإفريقية سوف تستمر وتنمو حتى بعد أن يترك لولا الحكم في كانون الثاني/ يناير القادم.
 
كان لافتا للانتباه إصرار الدول المتزاحمة الجديدة على تقديم ما يثبت أن لها ماضيا في إفريقيا أو تربطها بشعوبها صلات ووشائج شتى. بدت بعض مسوغات الترشح للتزاحم مثيرة مثل مسوغات البرازيل والصين بينما كانت مسوغات تركيا أقل إثارة وإيران منعدمة الإثارة. إيران لم تجد ما تقوله عن ماض لها مع إفريقيا ولعلها ما زالت تبحث في كتب التاريخ القديم جدا. أما تركيا فقد حاولت تذكير الأفارقة بأنها ليست بدون خبرة في شؤون القارة بدليل أن أقاليم شتى في إفريقيا كانت تخضع لسلطة الباب العالي. من هذه الأقاليم مصر والجزائر وتشاد وجيبوتي واريتريا وأثيوبيا وليبيا والنيجر والصومال والسودان وتونس. لا أظن أن تركيا كانت موفقة في التذكير بهذه المرحلة من تاريخها في إفريقيا.

البرازيليون كانوا أكثر توفيقا، حين أقاموا حملتهم لدخول إفريقيا على حقيقة أن بلادهم تضم ثاني أكبر تجمع إفريقي في العالم بعد نيجيريا، إذ يبلغ تعداد البرازيليين من أصل إفريقي حوالى 76مليون شخص من مجموع السكان (190 مليونا). وينعكس هذا بوضوح على الثقافة البرازيلية وطباع السكان واهتماماتهم.

أما الصين فكانت كعادتها مبدعة. إذ تقوم الآن بعثات علمية وعسكرية، وسط تغطية إعلامية كثيفة، بالبحث عن حطام سفينة حربية في منطقة قريبة من ساحل كينيا يقال إنها غرقت هناك في عام 1418 خلال قيامها بمهمة استكشافية. حدث هذا قبل أن يشرع البرتغالي فاسكو دي غاما في القيام برحلته الشهيرة التي قادته إلى مومباسا على الساحل الكيني في نيسان/ إبريل من عام 1498. أي أن السفن التجارية الصينية التي أبحرت من الصين بقيادة القبطان المسلم الأصل Zheng He وصلت إلى إفريقيا قبل أي سفينة تجارية أوروبية. تقول الصين إن الأدميرال العظيم كان موفدا من الامبراطور في مهمة سلام وصداقة!

بلغنا منذ أيام أنه انعقدت في مدينة سرت الليبية قمة ضمت عددا من القادة العرب والأفارقة. بلغنا أيضا أنه لم تعرض على القمة مشاريع أو برامج اقتصادية وتجارية محددة، ولم يحضر فيها رجال أعمال وصناعيون عرب، وخرج عنها بيان إنشائي لا قيمة له بحساب زخم التزاحم الراهن وضخامة الاستثمارات الجديدة وكثافة شبكات العلاقات التي تنسجها دول من الجنوب مثلنا مع دول القارة السمراء. انعقدت قمة عربية إفريقية لم تحظ باهتمام عربي أو إفريقي، ولم تقنع وسائط الإعلام العالمية بأنها تستحق مكانا بارزا في الصحف، ووقتا معقولا في القنوات الفضائية. قمة عربية إفريقية لم يهتم بها الإعلام الإفريقي ومرت مرور الواجب على الإعلام العربي. 



 

التعليقات