17/10/2010 - 10:44

سلام اقتصادي؟ كائن غير موجود../ د. باسل غطاس

-

سلام اقتصادي؟ كائن غير موجود../  د. باسل غطاس

يتردد مؤخرا استخدام مصطلح "السلام الاقتصادي" كبديل جدي يعرض من قبل إسرائيل على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، خاصة من قبل أولئك المتأكدين أنه لا يوجد بجعبة نتنياهو ما يعرضه ويكون مقبولا بالحد الأدنى على القيادة الفلسطينية وهي الأكثر  "اعتدالا"  ولا يحلم الإسرائيليون بمجيء "أفضل" منها بالمنظور الإسرائيلي.

 

 المضحك المبكي أن يجري استخدام هذا الاصطلاح من قبل وزير شاس الأول إيلي يشاي، وهو ممثل لتيار ديني متزمت ليس بحاجة لتسويغات اللياقة السياسية politically correct  حتى يدافع عن أرض إسرائيل الكاملة، فلديه النص التوراتي ليلجأ إليه أو وعظات سيده ومعلمه عوفاديا يوسف.  أنا لم أبك طبعا لسماع ايلي يشاي يطالب نتنياهو بشدة بألا يعرض شيئا على الفلسطينيين سوى  "السلام الاقتصادي"  ، بل ضحكت بسخرية شديدة وانفرجت أساريري لأن الرابي الأشمط زودني بموضوع مثير لنافذة هذا الشهر.

 

سبب السخرية هو المفارقة في موضوع استخدام المصطلح حيث أن مصدره هو خطاب المحافظين الجدد في إسرائيل وعبر البحار، وكان نتنياهو قد استخدمه وروّج له كثيرا خلال وجوده في المعارضة. فهل أصبح يشاي معدودا على المحافظين الجدد؟ وهل نشكوه إلى معلمه لاستخدامه خطابا علمانيا في إدارة الصراع بديلا عن النص المقدس؟؟  ألأهم طبعا هو سياق استخدام المصطلح وبالذات في هذه الأيام، فنحن نعلم أن المحافظين الجدد لا يؤمنون بإمكانية حل الصراع ولا حتى بإمكانية إيجاد حل غير عادل يقبل به الفلسطينيون، مثلا دولة مع سيادة أقل وتبادل مناطق وما إلى ذلك، مما يطرح بواسطة إدارة أوباما وأطراف دولية أخرى .

 

هم يريدون إدارة الصراع لا حله، ويشكل استخدام الاقتصاد مركبا هاما وأساسيا في نظرهم بإدارة الصراع، بحيث يمكن من السيطرة على ارتفاع اللهيب بدل إخماد النار.

 

رؤيتهم أحادية الجانب والمرتكزة إلى مقولات عنصرية وحتى غيبية إلى حد ما تجعلهم يعتقدون أنه بالإمكان لمعسكر الأخيار أن يسود ويتوسع باستخدام صحيح وحكيم لعلاقات القوة القائمة، بحيث يصبح لدى فريق من طرف الصراع ما يخسره فيما إذا ارتفع لهيب الصراع مجددا.

 

وقد روج نتنياهو لهذه النظرية سنوات مؤكدا إمكانية إدارة الصراعات القومية لعشرات السنين وتحقيق التنمية الاقتصادية في ذات الوقت ضاربا مثلا على ذلك الهند والصين وحتى ايرلندا.

يبدو للوهلة الأولى أن هذا الأمر قابل للتحقيق خاصة فيما يلاحظ مؤخرا من نمو اقتصادي كبير في اقتصاد الضفة الغربية (مقابل تدهور كبير طبعا في غزة وهذا بالطبع الوجه الآخر لنفس العملة)، وخلق فقاعات اقتصادية خاصة في رام الله، وتمدد هائل في سوق العقارات خصيصا، حيث يبلغ سعر دونم الأرض في رام الله وضواحيها مبالغ خيالية.

 

نحن نقر هنا أن هذا النمو هو حقيقي ويؤثر على حياة الناس. وفي نفس الوقت علينا التوضيح ولفت النظر أن هذا النمو هو وليد الاستثمار في البنية التحتية بواسطة المساعدات الأجنبية، وقسم كبير منها ديون من المؤسسات الدولية، وكذلك نتيجة نمو في القوى العاملة المستخدمة في القطاع العام الممول هو أيضا من المساعدات الدولية.

 

 وبالرغم من استفادة وتطور معين في القطاع الخاص الفلسطيني إلا أن الاقتصاد الفلسطيني لا يزال اقتصادا استهلاكيا طفيليا بمعظمه.. بهذا المعنى، وبدون مقومات ذاتية لاستدامة النمو تعتمد على إعادة إنتاج رأس المال واستثماره في التصنيع والإنتاج، وكذلك في جذب الاستثمارات الأجنبية وفتح مجال التصدير والتجارة، يبقى هذا النمو هشا يعتمد في حد ذاته على فسحة السلام الإسرائيلية التي سرعان ما ستذوب كليا أو جزئيا مع أول حدث أمني.

 

 إذا ما يتبقى من مقولة السلام الاقتصادي هو عمليا  "سلام إسرائيل الاقتصادي  " وهذا هو السطر الأخير والأهم في نظرية المحافظين الجدد تعطي الضحية بعض الفتات حيث أن إدارة الصراع تتطلب ألا يموت من الجوع ويبقى المستفيد الأكبر هو معسكر الأخيار،  وهذا ما يحصل على أرض الواقع فإن النمو في الاقتصاد الفلسطيني الصغير والهش يقابله نمو أعظم وأهم في الاقتصاد الإسرائيلي تتوج في قبول إسرائيل إلى منظمة التنمية والتعاون الدولية ال  OECD قبل بضعة أشهر.

 

 طبعا هذا الوصف الدقيق للحالة الراهنة لا يعطي الصورة بكامله،ا وما نعرفه نحن يقصر عن استيعابه المحافظون الجدد، وهو أن حركة التاريخ لا تسير بخط مستقيم، وأن إرادة الشعوب لا يسيطر عليها ببضع دراهم أو إغراءات، وأن الشعوب تحت الاحتلال تجد لنفسها فسحا للنمو والتطور وتوفير أسباب الحياة الأولية، فهناك أطفال يجب أن يجدوا لقمة العيش ولهم الحق في التعليم والحياة بكرامة وهناك عشرات آلاف أسر الجرحى والشهداء والأسرى يجب أن تجد الرعاية وتحظى بالمساعدة.

 

 في سبيل استعادة الأنفاس وتجديد القوى تضطر الشعوب تحت الاحتلال إلى التعامل مع المحتل والمتاجرة معه والاستيراد بواسطته حيث هو صاحب السيادة على الأرض والهواء والمنافذ البحرية وهذا التعامل لا يعتبر سلاما ولا حتى خطوة على طريق السلام وهذا الهدوء المسمى زورا سلام اقتصادي هو هدوء ما قبل العاصفة.

التعليقات