18/10/2010 - 16:06

إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالقوانين العنصرية../بلال الحسن

-

إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالقوانين العنصرية../بلال الحسن

أقرت الحكومة الإسرائيلية يوم العاشر من الشهر الجاري، تعديل «قانون المواطنة»، بحيث يكون كل من يطلب الجنسية الإسرائيلية ملزما بأن يعلن الولاء لدولة إسرائيل بصفتها «دولة يهودية وديمقراطية». وثارت فورا حملة فلسطينية وعربية، وأحيانا إسرائيلية ودولية، ضد هذا القانون. تركزت الأنظار حول مبدأ «يهودية الدولة»، واعتبرت أنها الأمر الجديد الذي يستوجب الرفض أو الشجب أو الاستنكار، وزاد في تركيز الأنظار حول هذه القضية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، جعل من هذا الشعار قضية استراتيجية، حين وضعها شرطا لا بد أن يلتزم به المفاوض الفلسطيني سلفا حول التسوية، مقابل أن يوافق على وقف الاستيطان لمدة شهرين.

والحقيقة أن «يهودية الدولة»، و«دولة اليهود»، أمر مبتوت به إسرائيليا منذ تأسيس إسرائيل، ولذلك فإن تجديد الشعار لا يشكل جديدا بحد ذاته. إن ما يشكل جديدا هو ارتباط الشعار بقضايا إجرائية، أساسها أن طالب الجنسية يجب أن يقسم يمين الولاء ليهودية دولة إسرائيل. وأساسها أيضا أن الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو وحزب الليكود، وبتحالف الليكود مع أفيغدور ليبرمان وحزب «إسرائيل بيتنا» تسير وفق نهج قانوني سياسي متكامل، يتسم بالعنصرية ضد العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن والأرض، والمحكومين حاليا من قبل حكومة إسرائيل ودولة إسرائيل.
 
وينطوي القانون الجديد على قسم اليمين الذي يعنيهم هم بالأساس، مع كل ما يترتب على القانون سياسيا، وعلى المديين القريب والبعيد، من إجراءات عملية، تبدأ من إلغاء لمّ الشمل ذي الطبيعة الإنسانية، وتكاد لا تنتهي عند إلغاء حق العودة، أو عند التخطيط المتصل لطرد الفلسطينيين مجددا من بلدهم، وتعدادهم يقارب المليون ونصف المليون نسمة.
 
أما بالنسبة ليهودية الدولة، فهي مقرة ومؤكدة بالقوانين منذ الأيام الأولى لإنشاء دولة إسرائيل. إذ في أبريل (نيسان) 1952 أقر الكنيست قانون العودة (لليهود) وقانون الجنسية الإسرائيلي، وقال ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء آنذاك، شارحا، كما يلي:
 
«إن قانون الجنسية مكمل لقانون العودة اليهودي، وهذان القانونان يعنيان أن إسرائيل ليست دولة يهودية لأن أغلبية السكان من اليهود فقط، ولكنها دولة لجميع اليهود حيثما وجدوا. إن هذا الحق موروث لليهودي لمجرد كونه يهوديا. إن إسرائيل لم تنشئ لليهود حقا بالعودة إليها ولكنها أعلنته فقط، إن هذا الحق سابق لقيام دولة إسرائيل».
 
إن هذا الشرح ومن قبل بن غوريون بالذات، لا يترك مجالا للشك أو للتساؤل حول فهم الحركة الصهيونية لطبيعة دولتهم التي أنشأوها على حساب شعب آخر وطرده. فهي دولة يهودية، وهي دولة لليهود منذ اليوم الأول، ومن هنا يبدأ أساسها العنصري، وبخاصة ضد كل من هو موجود بالأصل فوق تلك الأرض وهو ليس يهوديا، وقد يكون مسلما أو مسيحيا بالدين، أو شركسيا أو أرمنيا بالانتماء القومي، وهو مع ذلك فلسطيني يعيش فوق الأرض الفلسطينية، وهو منذ لحظة قانون العودة اليهودي، وقانون الجنسية الإسرائيلي، يعيش حالة إشكالية مع تلك الدولة.
 
ولكن ثمة جديدا ينبع من ظاهرتين:
الظاهرة الأولى: أن الأحزاب الأساسية المؤسسة للحركة الصهيونية ولدولة إسرائيل في ما بعد، كانت أحزابا تدعي العلمانية واليسارية، وكانت تحرص بسبب ذلك على إضفاء صفة الديمقراطية على الدولة، وتعتبر أن تلك الديمقراطية تسري على من هو غير يهودي ويعيش فيها. وقد مارست ذلك ظاهريا، ولكنها مارست عمليا أقسى حالات الاضطهاد والعنصرية ضدهم.
 
الظاهرة الثانية: أن الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل، وبخاصة بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أفرز منهجا شعبيا إسرائيليا يؤيد الأحزاب اليمينية الإسرائيلية ويدعمها. ومنذ عام 1977 الذي شهد نجاح حزب الليكود للمرة الأولى في انتخابات الكنيست، وبروز مناحم بيغن كرئيس لوزراء إسرائيل، بدأ هذا المنهج يتعاظم عاما بعد عام، وعلى حساب حزب العمل (العلماني اليساري)، وبدأ يدفع بالتيارات اليمينية والدينية المتعصبة، نحو عضوية الكنيست، التي كان من آخر تجلياتها، فوز نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وتحالفه مع حزب «إسرائيل بيتنا» العنصري بزعامة ليبرمان، وزير الخارجية الحالي. إن يمينية وأصولية وعنصرية الأحزاب الإسرائيلية، وصلت بها إلى حد القول بأن مرحلة الصهيونية قد انتهت، وأنهم يعيشون الآن مرحلة ما بعد الصهيونية.
 
في ظل هذه المرحلة التي يسيطر فيها فكر اليمين والأصولية اليهودية، تطور المشروع ما بعد الصهيوني داخليا، نحو مخططات عنصرية يومية، تستهدف، ومن خلال فكرة يهودية الدولة، مواجهة ما يسمونه «الخطر الديموغرافي» الفلسطيني، وذلك من خلال تمهيد الأجواء لما يسمونه بـ«الترانسفير»، ووجهه الأول التخلص من الفلسطينيين أبناء البلد/ الوطن الأصليين وطردهم خارج دولة إسرائيل. ووجهه الثاني صد موضوع حق العودة الفلسطيني، الذي هو موضوع أساسي مطروح فلسطينيا ودوليا، إنسانيا وقانونيا، وذلك من خلال رفض هذا الحق علنا، وكذلك من خلال رفض بعض الصيغ الإنسانية المرتبطة به، ومن خلال ما يسمى بجمع الشمل.
 
كيف تعمل إسرائيل من أجل هذه الأهداف؟
لقد بدأ العمل الأساسي لصياغة هذه الأهداف ضمن خطة استراتيجية في مؤتمر هرتسليا، الذي انعقد عام 2000، وحضرته جميع أطياف النخب الإسرائيلية، من اليسار ومن اليمين، من المدنيين ومن العسكريين، حتى قيل يومها إن من لم يحضر مؤتمر هرتسليا فهو ليس من النخبة. ناقش مؤتمر هرتسليا ما تتعرض له إسرائيل من أخطار، وخرج بنتيجة أساسية تقول إن الخطر الأساسي هو الخطر الديموغرافي. وخرج بنتيجة أساسية ثانية تقول إن مواجهة هذا الخطر لا تكون إلا بالترانسفير وبترحيل الفلسطينيين إلى خارج وطنهم. وتفننوا بالحديث عن الترانسفير، حتى إن بعض قادتهم تحدث عن الترانسفير الطوعي، وهو أمر يعني سن مجموعة من القوانين التي تجعل حياة الفلسطيني في وطنه مستحيلة فيقرر الهجرة طوعا.
 
بدأت بعد مؤتمر هرتسليا عملية سن القوانين في الكنيست. قوانين ضد لم الشمل من خلال الزواج مثلا. فالفلسطيني القادم من الضفة الغربية أو من قطاع غزة والمتزوج بفلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية يمنع من الحصول على الجنسية أو حتى على بطاقة الإقامة، وعليه أن يغادر ويترك زوجته وعائلته. ثم بدأت عملية سن القوانين ضد القيادات الفلسطينية الجديدة البارزة في الساحة، التي استطاعت أن توجد حالة فلسطينية فكرية وسياسية جديدة، تركز على الحقوق السياسية للأقلية الفلسطينية، وليس على الحقوق المطلبية فقط، وتقول من خلال هذه الحقوق: نحن فلسطينيون، ونحن عرب، ولنا حقوق سياسية من خلال ذلك كله. كانت القوانين تصدر في الكنيست بصيغة أولية، ثم يصدر في كل عام تعديل لها يزيدها وضوحا وقسوة، حتى وصل تعديل بعض القوانين إلى التعديل العاشر عليها. وقالت بعض التعديلات إن القائد الفلسطيني الذي يزور بلدا عربيا هو جاسوس، وهو خائن، ويجب أن يحاكم على أساس ذلك، مع حق المحكمة بأن لا تعلن ما لديها من تهم ومعلومات حول تلك التهم.
 
وحين جاء قانون يهودية الدولة الجديد، وضحت الصياغة التالية: من لا يتبنى مواقف إسرائيل لن يقبل للسكن، ولا للعمل، ولا للنشاط السياسي، والنتيجة النهائية طرده إلى خارج وطنه.
إنها حرب من نوع جديد. حرب خطرة، لا تقل خطرا عن حرب الجيوش.
"الشرق الأوسط"

التعليقات