18/10/2010 - 14:34

"إسرائيل" تستغل الانقسام العربي لتعزيز موقفها../ كلوفيس مقصود*

-

لو تجاوب الرئيس أوباما مع المطالبة بالتجميد لمدة شهر، نتساءل، هل التجميد الموقت ينطوي على احتمال اعتراف «إسرائيل» بأنها دولة محتلة حتى يكون هناك مفاوضات.


لا بدّ من التوجه إلى العديد من القضايا الشائكة والتي تزداد تعقيداً في كثير من أوضاع أوطاننا العربية، لأنه لا مفر من التركيز عليها، ومحاولة استنباط الاقتراحات التي قد تؤول إلى معالجتها، ذلك أن تفاقم المشاكل المتكاثرة من شأنه تعطيل القدرة الذاتية للأوطان على تجاوزها، ناهيك عن حلها، فما نشاهده من تعثر في العراق لقيام حكومة مركزية تعالج رواسب الغزو والاحتلال، بشكل يضمن الوحدة الوطنية والبناء وتوظيف الثروة لعملية التغييرات الجذرية المطلوبة، وما نشاهد في السودان من احتمالات الانقسام في جنوبه إذا لم تستقم المعادلة السلمية بين شماله وجنوبه، كما ما هو حاصل من إدمان على التفكيك والتقاتل في الصومال، ناهيك عما حدث في الفترة الأخيرة من حركات انفصالية نامية في جنوب اليمن وفقدان السلم الأهلي في اليمن ككل... كل هذه القضايا تلحّ على أي ملتزم عربي أن يسارع في معالجتها ودراسة أسبابها والوسائل الكفيلة لحلها. وكلما توجهنا إلى إحدى هذه القضايا بالتركيز المطلوب نجد أنفسنا باستمرار نصطدم بتحدٍّ من «إسرائيل» يحرف الاهتمام القومي عن شمولية المعالجة المطلوبة لهذه القضايا.


هذا لا يعني مطلقاً أن المشاكل العالقة التي إذا تفاقمت نتيجة فقدان التنسيق الملزم بين الأقطار والأوطان العربية ورواسب التناقضات القائمة بعضها مع بعض هو ما يتيح لـ«إسرائيل»الاستمرار في إجهاض كل محاولة لإعطاء الشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه في أرضه ووطنه. لذلك فأمتنا العربية تدرك مركزية القضية الفلسطينية، حيث إن هناك ما يقارب الإجماع على أولويتها، تعي جماهير الأمة أن التحدي الصهيوني يستهدف توظيف التفكيك داخل الأمة العربية لتعميق التفتيت داخل كل منها.

من هنا وأمام فقدان المرجعية الموثوقة لنضال الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحيث إن بقاء القضية الفلسطينية بمركزيتها سياسياً وقومياً ووجدانياً تبقى في مواجهة استشراس «إسرائيل»، ومحاولتها عزل الطاقة العربية الشاملة من إدارة صراع شعب فلسطين وانسياب قناعة أن النظام العربي السائد غير مستعد لتحمل تبعات المسؤولية القومية لردع تمادي «إسرائيل» في الاستمرار باستباحة حقوق ودماء وكرامة الشعب الفلسطيني في كل أقطاره، أدركت «إسرائيل» أنه إزاء هذه الأوضاع المتردية تستطيع استكمال المشروع الصهيوني، كما تبين في ممارسات الأسبوع الماضي، وكان التعبير عنه بترخيص رئيس حكومة «إسرائيل» نتنياهو مئتين وخمسين وحدة سكنية في القدس الشرقية، لأن هناك تصميماً على إلغاء خيار القدس الشرقية على الأقل، كمرشحة لأن تكون عاصمة لدولة فلسطين إذا قامت.
هذا فقط في الأيام الأخيرة، ناهيك عما سبق.


نرى أيضاً أن الرئيس محمود عباس عند استقباله رئيسة فنلندا أعرب عن «تفاؤله» بقدرة واشنطن على إقناع «إسرائيل» بتجميد الاستيطان بغية استئناف «المفاوضات» فجاء الترخيص يوم الجمعة 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بإنشاء الوحدات السكنية جواباً على «تفاؤله». إلا أنه حتى لو تجاوب الرئيس أوباما مع المطالبة بالتجميد لمدة شهر، نتساءل هل التجميد الموقت ينطوي على احتمال اعتراف «إسرائيل» بأنها دولة محتلة، حتى تكون هناك مفاوضات؟


يؤلمني أن استمر باجترار هذا السند القانوني كل مرة، فالاستيطان لا يجمد، إما أن يفكك أو يتنامى، وقد دلّت «مسيرة السلام» منذ اتفاقية أوسلو وحتى في المرحلة الأخيرة، في عهد الرئيس أوباما، على أن «التجميد» سمح لـ«إسرائيل» بالابتزاز وشراء الوقت والطعن بصدقية رغبة السلطة الوطنية بالسلام. بمعنى آخر إن السلطة «تهدد» السلام الذي تدعيه «إسرائيل»، وإذا كان ذلك يشكل افتراء في مثل هذه العجالة، فلا مفر من الاستشهاد بمقال لسفير «إسرائيل» في واشنطن في «النيويورك تايمز» (14 أكتوبر/ تشرين الأول) الذي يشير فيه إلى أن صلب النزاع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» يكمن في رفض الاعتراف باليهود كشعب متجذر في المنطقة، وأنه قد «حان للفلسطينيين أن يعترفوا بأن اليهود جيران دائمون وشرعيون، بحيث إن الاعتراف بهذه الهوية هو طريق التعايش»، ثم يتابع مايكل أورن السفير «الإسرائيلي» أنه «منذ ثلاثة وستين عاماً اعترفت الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في الاستقلال بوطنه، وبعد تكوين الدولة، استمرّ الفلسطينيون في إنكار طبيعتها اليهودية، هذا الإنكار لـ«إسرائيل» كدولة يهودية، أدى عام 1948 جراء معارضة شرعنة يهودية الدولة إلى اشتعال الحرب، واليوم فإن عدم الاعتراف يهدّد السلام».


أضاف السفير الإسرائيلي أن الاعتراف بـ«إسرائيل» كدولة للشعب اليهودي يفتح آفاقاً من الأمل والثقة لدى شرائح واسعة من «الإسرائيليين». ويتساءل السفير «لماذا الإصرار الآن على اعتراف الفلسطينيين وأي شعب آخر بـ«إسرائيل» كدولة وأمة للشعب اليهودي بالرغم من أن «إسرائيل» لم تطلب أي إقرار بهذا أثناء معاهدات الصلح مع مصر والأردن؟ ويجيب في مقاله إن تأكيد يهودية «إسرائيل» هو الأساس للسلام، هو الحمض النووي».


هذا قليل مما ورد في مقال السفير «الإسرائيلي»، خاصة وأنه أشار إلى أن حق الشعب اليهودي في الدولة من «صلب القانون الدولي» ويستند في هذا بالتأكيد على إعلان بلفور عام 1917. منذ متى كان القانون الدولي يستند إلى وعود من دولة استعمارية ليصبح مكوناً للقانون الدولي الحالي؟ ثم يتابع «إن في عام 1947 خولت الأمم المتحدة إقامة دولة مستقلة للشعب اليهودي ثم استشهد بخطاب الرئيس أوباما الذي أعلن فيه بأن «إسرائيل» هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي».

وأضاف «لماذا لا يستطيع الفلسطينيون أن يقروا بأن «إسرائيل» دولة يهودية؟» والإجابة على ذلك، من خوّل قرار التقسيم في الجمعية العامة كان 52% وفي عام 1967 أصبح 78% والآن لا ندري. عجيب أن تستعيد «إسرائيل» من خلال سفيرها في واشنطن قرارات الجمعية العامة المتعلقة بالتقسيم، وهي التي خرقته بما قامت به بين يوم التقسيم وإعلان الدولة من توسّع قبل الإدعاء بأنه كان حرباً عليها عام 1948، وكانت مجزرة دير ياسين إحدى محطاتها الرئيسية. عجيب أيضاً أن نتنياهو حريص على استئناف المفاوضات بشروطه، وفي غياب المفاوضات يسمح لحكومته الترخيص كما حصل بالأمس، هذا النمط في التعامل «الإسرائيلي» حتى مع السلطة الوطنية، يدل على أنه ليس هناك أي ضمانٍ لأن تستعيد فلسطين الجزء المتبقي منها في 22% التي أقرها القانون الدولي وتبنتها المبادرة العربية باعتبارها ركيزة الدولة الفلسطينية المقبلة. أمام هذا الاستخفاف بعقول الناس وعنترية وزير خارجية «إسرائيل» عندما قال لوزيري خارجية إسبانيا وفرنسا «حلوا مشاكل أوروبا قبل أن تأتوا إلينا» في عشاء أقامه لهما، يأتي تطمين رئيس السلطة أبو مازن في غير محله وفي غير وقته.


صحيح أننا ننتقد أنفسنا بأننا لا نعالج في الوقت نفسه سائر القضايا المصيرية في الوطن العربي، وهذا تقصير فادح نعترف به، ولكن الاستمرار في تآكل الشعب الفلسطيني لردود الفعل العربي عليه ورد السلطة أيضاً يعرقل استقامة ما هو واقع. عندما تبقى الأمة العربية بحالة التفكك تمهد كما نرى لحالة التفتيت داخل كل منها ولكن تجيء «إسرائيل» وتستمر في توظيف القضايا المريرة المتفاقمة في أوضاع الأمة كفرصة للمزيد من روتنة استباحتها لحقوق الشعب الفلسطيني مستندة إلى سياج التطبيع حول الشعب الفلسطيني الحائل دون قدرة الأمة العربية على ردع هذا التمادّي وقدرة الأمة العربية على فرض وحدة المرجعية للشعب الفلسطيني ونضاله. إن العرب في كل مواقعهم وأوطانهم يدركون أن «إسرائيل» تتعمّد إقصاء فلسطين من الوعي العربي والوجدان العربي والعالمي حتى يتم لها التحريف والتزوير وافتعال إلهاءات بغية استكمال مشروعها العنصري الذي يشمل خيار ترحيل العرب داخل الخط الأخضر وإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وضم القدس كعاصمة لها ومن ثم تسريع قانون العودة، لكون المشروع الصهيوني تجرأ أخيراً بأن لا يكتفي بالاعتراف بـ«إسرائيل» كدولة فقط وإنما أيضاً الاعتراف بها كدولة للشعب اليهودي.

"السفير"

التعليقات