26/10/2010 - 08:44

الإسهام العربي في بناء القوة الإقليمية../ بلال الحسن

-

الإسهام العربي في بناء القوة الإقليمية../ بلال الحسن

لا أدعي أنني أعرف أسرار الزيارات السورية - السعودية المتبادلة. ولكن بقليل من المراقبة نستطيع أن نسجل سبع إشارات هامة.

الملك عبد الله بن عبد العزيز يزور سورية، ويبحث معها الوضع في لبنان والتعاون في تهدئة أوضاعه.

الرئيس بشار الأسد يزور السعودية، ويبحث هناك الوضع في لبنان، والوضع مع إسرائيل، والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الفاشلة، وأجواء زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان.
الملك عبد الله والرئيس الأسد يزوران لبنان معا، وتشكل زيارتهما مظلة لوقف أجواء التوتر المتصاعد. وتغضب هذه الزيارة دبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية، وترد عليها بإطلالات لفيلتمان، وبتصريحات من هيلاري كلينتون أقرب إلى التهديد والوعيد.
 
نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، الذي يمثل ثقلا بارزا في الحياة السياسية اللبنانية، يزور سورية ويلتقي الرئيس بشار الأسد، ويخرج بعد اللقاء داعيا الجميع في لبنان إلى ضرورة البناء على قاعدة الجسر السعودي - السوري.
 
وفي كل هذه اللقاءات هناك ثلاث جهات حاضرة بقوة: لبنان ووضعه المتوتر، وإسرائيل ومخاطر سياستها تجاه لبنان وتجاه الفلسطينيين، والولايات المتحدة الأميركية الغاضبة من هذه الاتصالات البعيدة عن منهج استشارتها وإملاءاتها.
 
ولا نستطيع هنا إلا أن نلحظ المغزى العميق، لمبادرة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة لبنان، ولمبادرته بشكل خاص إلى الاتصال الهاتفي مع الملك عبد الله قبل بدء الزيارة، في ما يشبه الاستئذان الرئاسي - الملكي في زيارة لبنان.
ولا ننسى أخيرا أن نسجل الملاحظة السابعة، عن وجود علاقات سورية - سعودية إيجابية مع تركيا، وعلاقات سورية - تركية إيجابية مع إيران، ووجود سياسة سعودية غير عدائية مع إيران.
 
وعلى ضوء هذه الإشارات السبع، وكلها إشارات معلنة بعيدة عن اكتناه الأسرار، نلحظ أن المنطقة (المنطقة العربية والإقليمية)، تشهد حراكا دبلوماسيا متعدد الأطراف والاتجاهات، وهو حراك يتعامل مع قضايا المنطقة الساخنة، ويمس أطرافا تلقى المديح أحيانا وتلقى الذم أحيانا أخرى. ولكن الكل يتصل مع الكل، والكل يعرف أنه لا يستطيع أن يتجاهل الكل.
 
يعبر هذا الحراك عن إدراك الجميع للحاجة إليه، وعن إدراك الجميع بأن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل أحدا في المنطقة، وعن وعي الجميع للياقات لا بد من الإقدام عليها. بل ونستطيع القول إن هذا الحراك قد أثمر حتى الآن تهدئة في المنطقة، خاصة في لبنان، وأبرز قرارات سياسية عربية تنبع من المصلحة العربية لا من إيحاءات الجهات الأجنبية التي يؤمن كثيرون أنها تقف وراء حالات التوتر والخطر المحدقة بالمنطقة.
 
وما دامت الجهات العربية والإقليمية قد تحركت بعد جمود طويل، ونجح تحركها في جلب أجواء إيجابية يرتاح لها الجميع، وتحركت على مستوى الملوك والرؤساء ولم تلجأ حتى إلى تحرك وزراء الخارجية، وما دامت هذه التحركات قد أثبتت حاجة المنطقة إليها، وقدرة زعماء المنطقة على التعامل المباشر مع مشكلاتها، فإن نتيجة إيجابية أخرى تكمن في الطريق، وربما تقع في مدى النظر، ويعبر عنها السؤال التالي: لماذا لا تتطور هذه اللقاءات إلى ما هو أكثر من اللقاءات؟ لماذا لا تنبثق عن هذه اللقاءات سياسة متقاربة، حتى لا نتحدث عن محور أو حلف؟
 
ونقول إن هذا النشاط المتعدد يمثل ثلاثة أطراف أساسية في المنطقة، إيران وتركيا والعرب، وهي ثلاث قوى إقليمية، تستطيع لو التقت على نهج ما، نهج لا يتعدى الاحترام والتفاهم في بداياته، وقد يتطور إلى قوة إقليمية تنسق خطواتها في نهاياته، تستطيع أن تصبح قوة إقليمية تضمن هدوء المنطقة كلها، وترفع من مستوى قوة المنطقة كلها، وتجعل من هذه القوة الإقليمية الفاعلة في محيطها، قوة سياسية يسمع صوتها، ويسمع رأيها، على المستوى الدولي أيضا.
 
ونحن لا نتحدث هنا عن «مجموعة» عربية تذهب مثلا إلى تركيا وتطلب التحالف معها. ولا نتحدث عن «مجموعة» عربية تذهب إلى إيران وتطلب التحالف معها. نحن نتحدث عن اتصالات مشتركة وعن نشاطات مشتركة، تعبر عن مصالح الأطراف الثلاثة، وتصد المخاطر التي تهدد الأطراف الثلاثة، وينبثق عنها في النهاية وجود سياسي إقليمي، وجود سياسي يتم بناؤه بالاتصالات المشتركة، وبالمهمات المشتركة، وبالمواقف المشتركة، حتى إذا تفاعلت الأمور كلها، نشأت القوة الإقليمية الثلاثية من خلال العمل، ومن خلال المبادرات، لا من خلال المناشدات وحدها.
 
إن إيران لها سياستها الخاصة بها، ولكنها بدأت تدرك أهمية أن تكون لها صلات مع الأطراف العربية، خاصة مع الأطراف العربية الغاضبة من سياستها.
وتركيا أيضا لها سياستها الخاصة بها، ولكنها أدركت بعمق، أهمية أن تكون لها صلات متميزة مع المنطقة العربية، حتى لو أغضبت هذه الصلات حلفاءها القدامى في أوروبا وإسرائيل.
 
والعرب أيضا لهم سياسات متنوعة تجاه كل من إيران وتركيا، مثل علاقات سورية القديمة مع إيران، ومثل علاقات سورية الحديثة مع تركيا، ومثل إشارات مصر الجديدة نحو إيران (فتاوى الأزهر.. والعودة إلى تشغيل خطوط الطيران)، وأشياء أخرى يمكن الحديث عنها أو يمكن إحياؤها. ويمكن تفعيل هذه السياسات من أجل إيجاد مناخ يسمح أولا بتكوين مناخ عربي موحد، ويسمح ثانيا بتوجيه هذا المناخ الموحد نحو إيران وتركيا، من خلال الممارسة لا من خلال الاجتماعات الرسمية، أو المواقف الإعلامية.
 
والقصد النهائي هو سعي العرب نحو موقف متقارب، يجعل منهم في النتيجة جزءا أساسيا من القوة الإقليمية في المنطقة، فيقدمون لهذه القوة الإقليمية وزنا تحتاجه، ويأخذون من هذه القوة الإقليمية دعما يحتاجونه. أما الاتصالات العربية التي تمت حتى الآن، خاصة بين السعودية وسورية، فيمكن لها أن تكون البوابة التي تنفتح لتطل على طريق معبد وطويل ولا يكاد ينتهي عند الأفق.
 
سابقا.. أيام عهد القطبين العالميين، كانت الدول الصغيرة تستفيد من صراعهما، وتنفذ من خلال ذلك الصراع إلى الحصول على مصالحها. أما في مرحلة القطب الأميركي الواحد، فإن نشوء القوى الإقليمية يشكل البديل من أجل أن تتمكن الدول الصغيرة من أن تبقى واقفة على قدميها في مواجهة الضغوط الأحادية التي من الصعب مقاومتها.
إ
ن الأدوار الإقليمية هي الخيار الذي تقدمه المرحلة، وهو الخيار الذي اقتربت منه إيران على طريقتها، ثم اقتربت منه تركيا على طريقتها، وقد آن الأوان لأن يقترب منه العرب على طريقتهم، كمجموعة، وليس كأطراف مفردة كما يحدث الآن.
لقد بادرت سورية إلى الاستفادة من هذا الدور مبكرا، وهي تنسج علاقات عملية مفيدة مع السعودية الآن، ولكن توسيع الدائرة العربية في الإطار نفسه يمثل الطموح الأكبر، الطموح الحقيقي.
"الشرق الأوسط"

التعليقات