28/10/2010 - 08:51

أزمة يسار ../ حسام كنفاني

-

أزمة يسار ../ حسام كنفاني
«أين اليسار، ومن هو اليسار، أنا لا أعرف أنه موجود، وهل يعقل أن يتمثّل اليسار بمقعدين في المجلس التشريعي». الكلام هو جزء من هجوم «فتحاوي» غير مسبوق على أحزاب اليسار الفلسطيني، رغم أن هذه الأحزاب في الظاهر تقف في صف منظمة التحرير، وتضفي عليها ما بقي من شرعية.
ا
لكلام جاء من عزّام الأحمد من دون سابق إنذار، ليؤشّر إلى طبيعة الرؤية الفتحاوية إلى القوى اليسارية. طبيعة نابعة من منطق استئثاري للسلطة قد يرضى بالقسمة على اثنين لكن ليس أكثر. ولعل ما قاله الأحمد، الذي يبدو العراب الجديد للمصالحة الفلسطينية، نابع من مواقف بعض القوى اليسارية من المصالحة وخشيتها المعلنة من تحوّلها إلى عملية محاصصة بين «فتح» و«حماس» تدفع بما بقي من قوى فلسطينية إلى خارج منظمة التحرير، وربما إلى خارج الحياة السياسية الفلسطينية برمتها.
مخاوف القوى اليسارية، وغيرها من الفصائل، لها ما يبررها في ظل التوجه العام للمصالحة، والأجواء الإيجابية التي تسعى «فتح» خصوصاً إلى الإيحاء بوجودها. أجواء تعمد «فتح» إلى استخدامها في «حرب الخيارات» التي أعلنتها السلطة الفلسطينية في مواجهة الجمود التفاوضي.
وبغض النظر عن كون المصالحة ورقة مساومة بالنسبة إلى «فتح» في وجه إسرائيل والولايات المتحدة، فإن من المهم النظر إلى كلام عزّام الأحمد بكثير من الجدية. فهو، وإن كان يرمي إلى مآرب سياسية من وراء ما قاله، إلا أن هذا لا يعني أن اليسار الفلسطيني في أفضل أحواله، أو أن هناك حالاً يساريةً بالمطلق.
قد لا تكون الحركة اليسارية الفلسطينية مختلفة عن نظيراتها في المنطقة العربية، لكن واقع الصراع في الأراضي المحتلة كان من المفترض أن يدفع الحركة إلى مواقف متمايزة عن الوجهتين السائدتين على الساحة الفلسطينية. مواقف لم تظهر إلى العلن إلا في الفترة الأخيرة، وبطريقة خجولة جداً، بحيث لم تعط لها القيمة المطلوبة. والحديث هنا عن قرار مقاطعة اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الذي اتخذته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي من الممكن تسميتها أم اليسار الفلسطيني، على اعتبار أن كل الفصائل الباقية انشقت عنها.
قرار جاء أقل من الحد الأدنى الذي كان متوقعاً من هذا الفصيل العريق بمعارضته لقرارات منظمة التحرير منذ تأسيسها، والرافض لاتفاق أوسلو والمفاوضات بصيغها المختلفة. ومع ذلك كان يعمل تحت مظلة الاتفاق، ويعرب عن انتقاده للتفاوض من دون أي ترجمة فعلية لهذا الموقف، وخصوصاً بعد تولي محمود عبّاس رئاسة السلطة. العودة الأخيرة إلى المفاوضات المباشرة وغياب ممثل الجبهة عن اجتماع اللجنة التنفيذية أعطيا آمالاً كبيرة باتجاه «الشعبية» إلى قرار تاريخي طال انتظاره. لكن الأمر لم يحدث، وكان قرار التعليق الخجول.
القرار أظهر الأزمة داخل «الشعبية»، وربما داخل مختلف قوى اليسار، في ما يتعلّق بصراع الأجنحة. الجبهة قدّمت مثالاً على هذا الصراع الذي كان قائماً بين قرار الانسحاب المطلق من منظمة التحرير، وهو ما يريده أمينها العام الأسير أحمد سعدات ويدعمه بذلك بعض قادة الداخل والخارج، وقرار التعليق، الذي دفع إليه نائب الأمين العام عبد الرحيم ملّوح مدعوماً أيضاً بقادة من الداخل والخارج. في النهاية فإن الرجحان كان من نصيب كفّة ملّوح، الذي بدا في الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد خروجه من الأسر، ملتصقاً بأبو مازن ومواقفه.
صراع الأجنحة في «الشعبية» يوازيه ما يشبه انفصام شخصية في الجبهة الديموقراطية، التي لا تزال مصرّة على المشاركة في اجتماعات اللجنة التنفيذية رغم قناعتها بأن وجودها أو عدمه لا يؤثر في القرارات المتخذة. قرارات يؤكّد قادة الجبهة في جلساتهم الداخليّة أنها تأتي جاهزة ومعلّبة قبل الاجتماع. ومع ذلك لم يخرج أي من مسؤولي «الديموقراطية» إلى العلن لفضح ما يدور داخل اللجنة التنفيذية، بل تواصل الجبهة أداء دور شاهد الزور وتقديم شرعية «الإجماع الفلسطيني» إلى محمود عباس الفاقد الشرعية.
حزب «الشعب» ليس أشفى حالاً من «الشعبية» و«الديموقراطية»، بل لعل وضعه هو الأسوأ بين فصائل اليسار الفلسطيني، ولا سيما أن صوته هو الأخفت حتى يكاد معظم الفلسطينيين ينسون وجوده داخل الساحة السياسية أو في منظمة التحرير.
محصلة هذا الواقع تقدّم إجابة عن سبب أزمة اليسار في الشارع الفلسطيني، الذي ربما كان ينتظر موقفاً متمايزاً من هذه القوى يقود إلى طريق ثالث بين اصطفافي اليمين «الفتحاوي» واليمين المحافظ «الحمساوي». والأنكى هو فشل محاولات القوى اليسارية، العائمة على أمجاد سابقة، في توحيد صفوفها لتقديم بديل عن الثنائية الفلسطينية. محاولات عمرها أكثر من أربع سنوات لا تزال متوقفة عند خلافات الحصص والمراكز والرؤى ستؤدي في نهاية المطاف إلى اندثار ما بقي من اليسار.

 

التعليقات