30/10/2010 - 10:52

السيناريو السوداوي (صفقة روس)../ هاني المصري

-

السيناريو السوداوي (صفقة روس)../ هاني المصري
هناك ضرورة متزايدة للاستعداد لمواجهة السيناريو السوداوي الذي تتكاثر المؤشرات على أنه يجري التفاوض حوله بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على قدم وساق، وذلك تطبيقاً للاتفاق الذي عقده هنري كيسنجر مع الحكومة الإسرائيلية في السبعينيات من القرن الماضي، والقاضي بأن لا تعرض واشنطن حلاً دون الاتفاق عليه مسبقاً مع إسرائيل.
 
إن التفاوض الحقيقي الذي يجري حالياً، ليس بين إسرائيل وفلسطين، وإنما بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، وهو تفاوض لا يتناول شروط استئناف المفاوضات وتمديد تجميد الاستيطان فقط، كما هو معلن، وإنما يجري على عناصر وشروط الحل النهائي. فإسرائيل تسعى إلى الاتفاق على الحل النهائي قبل وكشرط للموافقة على التمديد الجزئي والمؤقت للاستيطان. حتى يصار بعد ذلك إلى تسويقه عربياً ودولياً بحجة أنه الحل الواقعي، وإن لم يكن المثالي، وبعد ذلك يتم فرضه على الفلسطينيين.

أكبر دليل على ما سبق ذكره أن الحوار الأميركي ــ الإسرائيلي الدائر منذ استئناف المفاوضات في الأول من أيلول الماضي والمستمر على الرغم من توقفها يتمحور على ما أخذ يعرف بـ"صفقة دينيس روس" التي سربها روس بنفسه إلى الإعلام عبر صديقه ديفيد ماكوفسكي، والتي تتضمن منح إسرائيل ورقة ضمانات أميركية سخية جداً لتشجيعها على تمديد تجميد الاستيطان وهي مطمئنة تماماً إلى المستقبل.

إن المعضلة الكبرى تكمن في إعطاء ضمانات أميركية لإسرائيل تشمل قضايا الوضع النهائي، سواء تأجيل التفاوض حول اللاجئين والقدس، أو المسّ بالحدود تحت مسميات ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية وأحواض المياه وحدود الجدار، أو أخذ كل الحقائق التي أقامها الاحتلال بالحسبان في الحل النهائي، كما جاء في ورقة الضمانات الأميركية التي منحها بوش لشارون العام 2004.

كل ما سبق يجعل مسألة المفاوضات من أساسها ليست ذات بال، فإذا أخذت إسرائيل "الجمل بما حمل" قبل التفاوض مع الفلسطينيين، فما معنى تمديد تجميد الاستيطان؟ وما معنى المفاوضات أصلاً؟ وما قيمة أية فضلات يمكن أن تقدم للفلسطينيين؟ الذين أصبح المطلوب منهم قبول الشروط والإملاءات الأميركية والإسرائيلية وليس التفاوض لإنهاء الصراع وإيجاد حل متوازن.

إن السيناريو السوداوي المشار إليه يقترب أكثر وسيكون أسوأ إذا خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات النصفية للكونغرس والمقررة بعد أيام، وهو يتضمن حلاً سيكون في جوهره مهما كان اسمه أو شكله حلاً انتقالياً طويل الأمد متعدد المراحل، ويرتكز أساساً إلى إقامة دولة ذات حدود مؤقتة على جزء من الضفة الغربية، وتأجيل القضايا الأخرى، أي جعلها تموت بالتقادم.

إن الحل الأميركي ــ الإسرائيلي القادم يفترض بالفلسطينيين التصدي له فوراً قبل أن يتحول إلى اتفاق أميركي إسرائيلي، كما يفترض الاستعداد لمقاومته ودحره لأنه يزحف على الأرض من خلال الحقائق التي يقيمها الاحتلال يومياً على الأرض. وذلك يتطلب بلورة بديل فلسطيني متكامل يستند أساساً إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإطلاق موجة جديدة من الكفاح الفلسطيني على أساس الاستفادة من الدروس والعبر المستخلصة من التجارب السابقة.

إن سياسة الانتظار ــ وإعطاء المهلة وراء المهلة للإدارة الأميركية ومنحها عدة أشهر أخرى عشية انتهاء مهلة لجنة المتابعة العربية، حتى تنجح في جهودها لاستئناف المفاوضات سياسة ــ قاتلة؛ لأن الوقت ثمين جداً. فالانتظار يمهد الطريق أمام نجاح هذا السيناريو وجعله السيناريو الوحيد القابل للتطبيق، سواء بموافقة الفلسطينيين على طاولة المفاوضات أو دون موافقتهم عبر تطبيق الحل الإسرائيلي أحادي الجانب !!.


الفرق بين الحوار والتوقيع والمصالحة

أتمنى من كل قلبي أن يكون تفاؤل عزام الأحمد وعزيز دويك في محله، وأن اتفاق المصالحة الوطنية سيوقع خلال أسبوعين بعد الاتفاق على عقد اللقاء الثاني بين "فتح" و"حماس" بعد تذليل "عقبة المكان" ومع زيادة احتمال الاتفاق على ورقة تفاهمات فلسطينية ــ فلسطينية (أو الأصح فتحاوية حمساوية) تذلل العقبات أمام توقيع الورقة المصرية.

كما أتمنى من كل قلبي إذا تم التوقيع على الورقة المصرية أن يؤدي ذلك إلى تحقيق المصالحة الوطنية. فهناك فرق كبير بين الحوار والتوقيع على الورقة المصرية، وبين تحقيق المصالحة الوطنية فعلاً.

أقول ما سبق لأنني من الذين يعتقدون أنه دون الاتفاق على أسس وأهداف وأشكال النضال الأساسية وقواعد المشاركة السياسية، ودون الاتفاق تحديداً على تشكيل وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية، لا يمكن أن تكون هناك مصالحة، وإذا تم التوقيع على الورقة المصرية دون الإرادة السياسية اللازمة عند مختلف الأطراف لتوفير الشروط اللازمة للمصالحة فسندخل في دهاليز تطبيقها، الأمر الذي سيعني في أحسن الأحوال استمرار الحوار قبل وبعد التوقيع على الورقة المصرية، واستمرار الانقسام والتعايش معه إلى (أجل غير مسمى).

ما يجعل هذا التقدير مرجحاً أن الرسالة الأميركية والإسرائيلية التي أرسلت أكثر من مرة بعد تجدد الحوار(الفتحاوي ــ الحمساوي) جاء فيها أنه لا مانع من الحوار ولكن المصالحة، وتحديداً مشاركة حماس في قيادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لا بد أن يمر ببوابة القبول بشروط اللجنة الرباعية الدولية. فهل باتت حماس مستعدة للموافقة على هذه الشروط؟ وهل باتت فتح مستعدة لتجاوزها؟ إذا كان الجواب إيجابياً عن واحد من هذين السؤالين أو كليهما تكون المصالحة قريبة!!

الخلافة والإطاحة

شهد، الأسبوع الماضي، سجالاً غير مسبوق بين المحرر السياسي لوكالة "وفا" وأحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وشارك فيه بعض الكتاب والصحافيين بموضوعية أو على طريقة" وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد".

لا يمكن أن يكون مقال في صحيفة أميركية سبباً كافياً لاتهام بعض أعضاء اللجنة المركزية بالتشكيك بالسياسة الفلسطينية، والتآمر على الرئيس، وخاصة أن المقال لم يقتبس عنهم مباشرة بل أوحى أنهم قالوا، أي قولهم دون اقتباس مباشر.

ولا يمكن اتهام شخص مثل ناصر القدوة بالسعي إلى الخلافة لأنه معروف بالتزامه الشديد ومسؤوليته الوطنية لدرجة أنه يلتزم الحذر الشديد والمبالغ به حتى عند إبداء رأيه عندما يكون مخالفاً للسياسة الرسمية لدرجة عرّضته لانتقادات واسعة من محبيه وأصدقائه وغيرهم ومن كل الأطراف والأنواع، ومن كل من هب ودب.

إن السعي إلى الخلافة الآن في الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس للضغوط لاستئناف المفاوضات وفقاً للشروط الأميركية والإسرائيلية، يستدعي الوقوف مع الرئيس ودعمه، لذا لا يعتبر مثل هذا السعي إن وجد مجرد وجهة نظر وإنما عمل خطير لا يقدم عليه ناصر أو زملاؤه في اللجنة المركزية الذين اتخذوا موقفاً جماعياً بتأييد الرئيس و الالتفاف حوله، فضلاً عن أن الخلافة غير مطروحة، فلا توجد انتخابات على الأبواب، واستقالة الرئيس ليست واردة، وإذا تمت ستكون بداية مرحلة جديدة لن يكون فيها بالضرورة حاجة لرئيس جديد.

إن الخلافة مستحيلة سياسياً وقانونياً في ظل الانقسام لأن القانون الأساسي حدد كيفية تداول منصب الرئيس وأن الذي يمكن أن يحل محله في حالة شغور منصبه هو رئيس المجلس التشريعي الغائب والمغيب بعد الانقسام.

إن عدم التمييز بين التشكيك والتآمر وبين إبداء الرأي والحق بالاختلاف والمعارضة خطر، ويعكس وجود خلل في النظام السياسي وكيفية تنظيم العمل والتواصل بين مكوناته المختلفة، في حين أن الخلاف يجب ألا يفسد للود قضية.

نحن أحوج ما نكون إلى الوحدة وتوجيه كل الجهود ضد الاحتلال ومخططاته ومشاريعه التصفوية، وللحفاظ على التعددية وتعميقها بوصفها مصدر القوة والمناعة والاستمرارية للقضية الفلسطينية، وإلى الشروع بحوار وطني شامل يدعو إليه الرئيس ويشارك به الجميع ويستهدف التوصل إلى تحديد الخيارات والبدائل الفلسطينية بأسرع وقت وقبل فوات الأوان!!.

التعليقات