31/10/2010 - 11:02

23 يوليو 1952: ثورة مشرقة في تاريخ الأمة العربية../ يوسف أحمد*

23 يوليو 1952: ثورة مشرقة في تاريخ الأمة العربية../  يوسف أحمد*
نعيش اليوم في رحاب ذكرى ثورة 23 يوليو التي قادها الرئيس الراحل والكبير جمال عبد الناصر، وهنا قد يختلف البعض في عملية التوصيف لهذه المرحلة، حيث يعتبرها البعض بأنها واحدة من الثورات الكبرى في تاريخ مصر والأمة العربية، وبعض آخر يعتبرها ظاهرة أو تجربة اختزنت الكثير من الإيجابيات والسلبيات.
ولعل أبرز الأخطاء أو السلبيات التي يسجلها البعض على ثورة 23 يوليو أنها كانت تفتقد إلى الديمقراطية والتعددية الحزبية والنقابية والسياسية، واعتبار ذلك الخطأ بأنه شكل الحلقة الأضعف في التجربة الناصرية.
ولكن لا بد من القول، أن هناك ضرورة للتمييز بين تجربة ودور الرئيس عبد الناصر ومشروعه النهضوي وانجازاته الكبرى وبين الحلقة الغائبة وهي " الديمقراطية ".

وفي مقابل ذلك فقد كان الرئيس عبد الناصر يرفض رفضاً قاطعاً اعتبار 23 يوليو تجربة أو ظاهرة، بل كان يراها ثورة ومسارها يتواصل ومصيرها مضيء، وأن غياب الديمقراطية في محطة من المحطات أو ظرف من الظروف كانت تفرضه مصلحة الثورة التي كانت تواجه الكثير من المؤامرات التي تستهدف إفشالها .

وبعيداً عن التوصيف والتشخيص، فإننا نستطيع القول أن تاريخ 23 يوليو هو تاريخ محفور في أذهان الملايين من أبناء الوطن العربي، ويمكننا القول أيضاً إن هذه التجربة وهذه الحقبة شهدت أنضج نهضة فكرية وثقافية وسياسية بعد النكبة الفلسطينية، كما قادت هذه الثورة سلسلة كبيرة من التحولات في النضال الوطني المصري والقومي والاجتماعي والطبقي نحو مشروع نهضوي تناول كل جوانب الحياة، السياسية، والاقتصادية والفكرية والطبقية ....

وبالتالي لا يمكن لأي امرئ أن يتطرق إلى هذه التجربة ويقفز على إيجابياتها والتحولات التي أحدثتها على الصعيد المصري والعربي، حتى وإن تعرضت هذه الثورة بعد رحيل الرئيس عبد الناصر عام 1970 إلى انتكاسات عدة وتوقفت عن الحياة بعد مرور ثمانية عشر عاماً على تفجرها.

ومما لا شك فيه أن ثورة 23 يوليو التي جاءت رداً على واقع التبعية والتخلف والانحطاط الذي امتد مئات السنين، قد فتحت على الاستقلال الناجز والتحولات الاجتماعية الكبرى، حيث كانت المنطقة العربية تعيش حالة من التباينات والتناقضات والاختلافات في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية....، فبعض هذه الدول كان قد استقل حديثاً، والبعض الآخر كان ما يزال واقعاً تحت الاحتلال المباشر، والبعض الآخر كان أيضا لا يزال نظامه السياسي تحت الوصاية والتبعية، كل ذلك وكان الجرح الفلسطيني ينزف بفعل النكبة الكبرى واغتصاب فلسطين من قبل الكيان الصهيوني.

وقد اعتبر الرئيس عبد الناصر في إحدى خطبه الشهيرة عام 53 " أن ضياع فلسطين هو نتاج تفكك وتخاذل الأنظمة الرسمية العربية التي لم تفعل شيئاً لفلسطين سوى الكلام الخطابي والشعارات الفارغة التي حاولوا فيها خداع وتظليل الشعوب العربية".

كما اعتبر الرئيس عبد الناصر"أن ضياع فلسطين يهدد جميع الدول العربية ولا يقتصر الأمر على فلسطين فحسب، لأن المشروع الاستعماري الصهيوني التوسعي يستهدف المنطقة العربية بأكملها ولا يوجد دولة عربية بمنأى من خطر هذا الكيان العنصري الإستعماري، وفي هذا السياق خاطب الرئيس عبد الناصر العرب قائلاً " أن العملية ليست عملية فلسطين، إنما هي عملية العرب، وعندما طعنت فلسطين طعن كل منا في شعوره ووطنه وعروبته".

وفي هذا المجال أيضاً، لا ننسى دعم الرئيس عبد الناصر لمقاومة وكفاح الشعب الفلسطيني وحقه في استرجاع أراضيه، ونذكر صيحته الشهيرة التي كانت تدوي دائماً "إن المقاومة الفلسطينية أنبل ظاهرة أنجبتها الأمة العربية، ولدت لتعيش إلى أن ينجز شعب فلسطين حقوقه الوطنية".

ثمانية وثلاثون عاماً مضت على رحيل هذا الفارس والقائد الكبير، لكن صورته ومبادئ الثورة الكبرى التي قادها لا زالت تتجسد اليوم في صورة الأمل وفي طموح الشعوب لتحقيق المشروع النهضوي العربي الذي عمل من أجله الرئيس عبد الناصر، والذي تصدت له الكثير من قوى الاستعمار وحاولت إفشاله بكل الوسائل والطرق بما فيها شن الحروب العسكرية الشاملة والمدمرة ولعل أبرزها العدوان الثلاثي 1956، وحرب 5 حزيران 1967، ومن ثم حرب تشرين/أكتوبر1973، التي مني بها العدو الإسرائيلي بهزيمة كبرى.

واليوم فنحن لا نزال نواجه ذات التحديات وإن تغيرت المسميات والأسباب التي تتذرع بها الدول الاستعمارية لشن حروبها العدوانية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فنحن لا نزال نعيش تداعيات حرب الخليج الأولى والثانية واستمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني واحتلاله للأرض الفلسطينية، بالإضافة إلى الاحتلال الأمريكي للعراق والحالة التي وصل إليها بعد الحرب التي شنت عليه بذريعة مواجهة أسلحة الدمار الشامل!، وقد ثبت وانكشف للعالم أجمع زيف هذا الإدعاء وهذه المبررات، وانكشف الهدف الأساسي لاحتلال العراق الذي هدف إلى تقسيم المنطقة العربية وإشعال الحروب الأهلية والطائفية داخلها واستغلالها لبسط النفوذ الأمريكي من أجل السيطرة على ثرواتها ولاسيما الثروة النفطية.

ذكرى 23 يوليو، محطة لا بد لكن مواطن عربي أن يتوقف عندها، ويسأل نفسه، هل أصبح مشروع الوحدة العربية حلما مستحيلا، وهل التبعية والرضوخ قدر لا يمكن مواجهته والتغلب عليه.

إن الجواب على هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة التي تجول في خاطر المواطن العربي لها جواب واضح ووحيد، وهو أن تغيير هذا الواقع العربي الضعيف مسؤولية ينبغي القيام بها من كل قوى وحركات التحرر العربية والأحزاب الوطنية وقوى المجتمع المدني، التي ينبغي عليها أن تستنهض دورها وتخرج من حالة الإحباط وتحمل مشروعاً تغييرياً وبرامج عملية وأن تحتل موقعاً جماهيرياً متقدماً بعيداً عن التبعية والإحباط.

فعلى الرغم من الوضع الرسمي العربي الذي نعيشه والميئوس منه، إلا أن ذلك لا يعني بأن شعوب المنطقة التي تختزن الكثير من قوى المقاومة وسجلت الكثير من الانتصارات والبطولات، قد أصبحت عقيمة ولا تنتج ثورات بحجم ثورة 23 يوليو. وبالتالي فإنه بإمكان شعوبنا أن تلعب دوراً مؤثراً في عملية التغيير والانتقال بالأمة العربية من واقع التجزئة والضياع، إلى التوحد والنهوض والقدرة على حماية مصالح الشعوب وثرواث المنطقة ومواجهة كل المخاطر والتهديدات والأعمال العدوانية التي تمارس بحق شعوبنا العربية ولاسيما في فلسطين ولبنان واستمرار احتلال الجولان..

التعليقات