31/10/2010 - 11:02

آفاق القرار 1701../ د.عماد شعيبي*

آفاق القرار 1701../ د.عماد شعيبي*
لا تؤذن الصيغة التي رُسم فيها القرار 1701 بتحوله فعلياً إلى قرار قابل للتنفيذ بعيد المدى، فهو قد فرّغ انتصار حزب الله من التثمير السياسي، ليس فقط الذي يستحقه إنما أيضاَ الذي ترسمه قواعد العمل السياسي والحربي كما تم التوافق عليها في معادلة كلاوزفيتز:" الحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى"، وأن المنتصر له أن يحصد النتائج المترتبة على انتصاره.

الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحتمل فكرة أن ينتصر فصيل عسكري على دولة، ولا تحتمل أن يكون التنظيم الذي تراه "إرهابياً" هو الذي يطوي مشروعها الشرق أوسطي عملياتياً من ناحية، ويشكل (البروفة) الأكثر سوءاً لما يمكن أن تشهده عمليات أمريكية على إيران نهاية شهر آب 2006 إذا لم تنصع إيران لتهديدات الولايات المتحدة وقرار مجلس الأمن المتصل بها، كما يقول مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق ريشتارد أرميتاج، وينقل عنه ذلك سيمون هيرش في The Newyorker.

منتهى التناقض في العمق الاستراتيجي للعبة السياسو-حربية، أن يكون الاستثمار السياسي لعمل عسكري كالذي حدث في لبنان، كما هو الحال في القرار المذكور، ومن المؤكد أن أي طرف لن يقبل به إلا كهدنة تقصر أو تطول حسب مجريات الوقائع الميدانية وصولا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بشر به القرار المذكور في فقرته التنفيذية 18 ما قبل الأخيرة عندما قال:" يشدد على الأهمية والحاجة للتوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، على أساس كل قراراته السابقة رقم 242 (1967) المؤرخ 22 تشرين الثاني 1967 ورقم 338 (1973) المؤرخ 22 تشرين الأول .1973"، وهي إشارة ليست عابرة في منطوق القرار إذ أنها تشير إلى ما كان قد أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان من ضرورة عقد مؤتمر دولي لحل مشكلة الشرق الأوسط، باعتبارها السبب الرئيس الكامن وراء عدم الاستقرار في المنطقة. خاصة بعد الإعلان النمساوي عن دعوة وزيرة الخارجية النمساوية أورسولا بلاسنيك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تنظيم مؤتمر دولي طارىء لتفعيل التسوية السلمية في الشرق الأوسط، أسوة بمؤتمر مدريد الأول للسلام عام 1991، وبمشاركة كافة الأطراف المعنية في الصراع العربي الاسرائيلي ولا سيما سوريا وايران. وتوقعت أن تلعب سوريا دوراً بناء في تعزيز ودعم الجهود الاقليمية والدولية الهادفة الى تسوية تداعيات الحرب على لبنان كما اقرت في الوقت ذاته بان نزع سلاح حزب الله سيكون من أصعب المشاكل التي ستواجه التسوية في المرحلة المقبلة.

هذه اللغة تعكس عملياً كل المناخ الذي سيرافق المرحلة القادمة، بمعنى أن كل التفاصيل بما فيها المأساوية والدرامية التي ستأتي إلى حين انعقاد المؤتمر المذكور ستكون بمثابة محاولة من كلا الطرفين لتثبيت مواقعه على الأرض كي يُحصل سياسياً أفضل مكسب ممكن، على اعتبار أن القرار 1701 لم يعبر عن حقيقة موازين القوى الديناميكية والتي ارتسمت بناء عليها نتائج المعارك.

القرار المذكور الذي سيكون هدنة بالتأكيد يعكس عملياً المأزق الإسرائيلي والدولي معاً، فإسرائيل لن تلتزم بالقرار لأنها أعلنت على لسان أولمرت أنها لن تتوقف عن ملاحقة قادة حزب الله، وستقوم بأكثر من محاولة إنزال في العمق اللبناني كي يُشعر الإسرائيليون الداخل بأن الهزيمة ليست بهذا الحجم الذي يتم تصويره، وأن لدى الجيش الإسرائيلي الإمكانية لتحقيق شيء ما، وهو وضع سيرد عليه حزب الله بحرب استنزاف (نبضية)، بمعنى المحاولة لتثبيت قاعدة:"القدر بالقدر، أو العين بالعين"؛ أي كل اختراق سيلقى مُقابله. ومن الممكن القول أن الطرفين سيستغلان هدنة القرار المذكور لإعادة ترتيب أوضاعه تمهيداً لجولة أخرى لا نراها أبعد من حرب استنزاف على أساس قاعدة "القدر بالقدر"، إذ أن إسرائيل باتت بعد الزلزال الأخير غير قادرة على تحمل مغامرة عسكرية مستمرة في الوقت دخل فيه قادتها بالجملة تحت قوس التحقيق، وهي عملياً الطريقة المهذبة! التي يُعاقب بها السياسيون تمهيداً لإقالتهم بدلا من القول بأنهم قادوا إلى هزيمة؛ إذ كيف يستقيم أن يتم طرح الفضائح الأخلاقية بالجملة في هذا التوقيت بالذات:

فقد قرر مراقب الدولة العام في إسرائيل، القاضي ميخا لندنشتراوس، دعوة رئيس الوزراء زعيم حزب «كديما» ايهود أولمرت، وزوجته، الى التحقيق لدى مستشار مراقب الدولة لشؤون مكافحة الرشاوى والفساد، يعقوب بوروبسكي، وذلك في اطار التحقيق في صفقة البيت الذي اشترياه قبل سنتين. حيث يشتبه في أن يكون أولمرت قد امتلك البيت بسعر يقل عن سعره الرسمي بنصف مليون دولار، مقابل حزمة امتيازات حققها مساعدو أولمرت لصالح المقاول صاحب البيت. فإذا ثبت أن هذه المعلومات صحيحة، وإن أولمرت كان على علم بالتفاصيل، فإنه وزوجته سيقدمان الى المحاكمة بتهمة تلقي رشوة واستغلال منصب من أجل الفساد. وسيضطر الى ترك منصبه كرئيس حكومة. وهو ما يذكرنا بالطريقة التي أُقيل بها اسحاق رابين بعد حرب 1973 بسبب حسابه المتروك في واشنطن، وهذه هي الطريقة المثلى لإقالة القادة المهزمين أو الذين لا يتوافقون مع الميل العام!.

كما ان رئيس لجنة الخارجية والأمن، تساحي هنغبي، وهو أيضا من حزب «كديما»، سيقدم إلى المحاكمة بتهمة تعيين نشطاء في حزب الليكود في مناصب حكومية بطريقة غير قانونية، لا لشيء سوى لأنهم كانوا مقربين إليه وهو في قيادة الليكود آنذاك. فيما دفع وزير العدل الأكثر مغامرة وتشدداً للاستقالة بسبب التحرش الجنسي... هكذا دفعة واحدة تتم عملية محاكمة النظام السياسي بالفساد بدلا من محاكمته بالتهور إلى حد الهزيمة العسكرية.

تدافع في إسرائيل للملمة نفسها والاستفادة من هدنة القرار 1701، إلا أن الأخطر أن القرار يفسح في المجال أمام حضور دولي في لبنان بما هو أشبه بالفصل السابع إذ إن الفقرة التنفيذية رقم 12 فيه تقدم نفس مضمون الفصل السابع دون تسميته إذ أن الفقرة التمهيدية الأخيرة تقر بأن ما يحدث يهدد السلم والأمن الدوليين من ناحية، وهي ديباجة الفصل السابع أصلاً ، فيما جاء في الفقرة التنفيذية المذكورة ما يلي:" فقرة تنفيذية: 12 دعما لطلب الحكومة اللبنانية نشر قوة دولية لمساعدتها على ممارسة سلطتها على كامل الأراضي، يسمح لقوات <اليونيفيل> القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن، وحماية موظفي الأمم المتحدة، التسهيلات، التجهيزات والمعدات، تأمين امن وحرية تحرك موظفي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة الإنسانية، ومن دون الاضرار بمسؤولية الحكومة اللبنانية في حماية المدنيين تحت التهديد الوشيك بالعنف الجسدي." فعبارة " عبر وسائل القوة" تعني مضمون الفصل السابع دون أدنى شك.

هذا قد يؤدي بصورة أو بأخرى إلى التمهيد لاشتباك دولي على المسرح اللبناني، لكن الفرنسيين بخفضهم عديد قواتهم من 3000 جندي إلى 200 جندي ، يرسلون رسالة تفيد بأنهم لا يريدون لاعتبارات سياسية وأخلاقية! وجيو-سياسية التورط في مواجهة، وهو بمثابة إعلان عن التنحي عن مغامرة المواجهة المجددة دولياً هذه المرة في لبنان. وهو تغليب من طرف خفي للجانب العقلاني على المغامرات غير المحسوبة والتي هدفها دفع حزب الله للمواجه مع القوات الدولية لشيطنته وجعله خارج الشرعة الدولية، والتمهيد للانقضاض عليه من قبل بعض القوى في العمق.

المواجهة ستبقى مفتوحة لحين عقد المؤتمر الدولي، إن انعقد، والقرار المذكور هو الهدنة المفتوحة من أجل ترك هامش للعمل العسكري لحين الاستثمار السياسي.



** رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية بدمشق



التعليقات