31/10/2010 - 11:02

أحداث شفاعمرو والأيدي الخفية../ عوض عبد الفتاح

أحداث شفاعمرو والأيدي الخفية../ عوض عبد الفتاح
أحدثت أحداث شفاعمرو صدمة حقيقية وغضبًا عارمًا وذهولاً كبيرًا ليس فقط في أوساط الشفاعمريين، بل بين عموم أبناء الوطن، أولاً؛ لأنها تفجرت مباشرة بعد نجاح الإضراب العام في مدينة شفاعمرو والتظاهرة القطرية التي نظمت في المدينة تعبيرًا عن الغضب بسبب قرار النيابة تقديم لوائح اتهام بحق المتهمين بالدفاع عن حياة الناس ضد المجرم ناتان زادة.

ثانيًا: لأن الشجار الذي حصل بين شبان يوم السبت تحول أو حُوّل، أو خطط له أن يتحول إلى حدث ذي طابع طائفي سرعان ما ترجم إلى قيام العشرات من الشبان العرب الدروز إلى تنفيذ اعتداءات على بيوت جيرانهم المسيحيين، ليس لأنهم مسؤولون عن الصور المشبوهة المسيئة لقيادة الطائفة الدرزية، بل فقط لكونهم ينتمون إلى طائفة عربية أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن مشايخ الطائفة الدرزية في شفاعمرو حضروا إلى البيوت واستنكروا الإعتداء وأدانوه بقوة، وموقفهم يمثل رأي الأغلبية في الطائفة المعروفية العربية.

ثالثًا: لأن هذا الحدث الذي يأخذ طابعًا طائفيًا صارخًا وفاضحًا يكاد يتحول إلى ظاهرة عامة خاصة في عدد من البلدات العربية التي تسكنها طوائف متعددة، ولكن حين تكون فئة الشباب الطائشين الضالة مسلحة وخادمة في الجيش الإسرائيلي يكون الوضع أخطر، حتى حين تكون هذه المجموعات أقلية صغيرة.

رابعًا: إن قوات الشرطة الإسرائيلية، قوات القمع لم تتدخل إلا بعد الضغوط من جانب ممثلي الجمهور العربي، وعندما أطلق النار الحيّ من جانب المشاغبين، إنسحبت قواتها، وعندها اندفع العشرات من هؤلاء إلى بعض المحلات التجارية والبيوت المجاورة والسيارات وأعاثوا فيها فسادًا، وبأعجوبة لم يسقط ضحايا.

ليست التوترات الطائفية مقتصرة على طائفة محددة، فالتوترات الطائفية الخطيرة التي نشبت على خلفية شهاب الدين في الناصرة في أواخر التسعينيات كادت تودي بالنسيج الإجتماعي في المدينة.

ليست الغرائز هي التي تقف وراء هذه التوترات بل هناك خلفيات اجتماعية، تاريخية، ومصلحية. وهناك من المحللين الإجتماعيين من أعمل جهده الفكري في قراءة هذه الظواهر، جذورها وخلفياتها. إن الغرائز موجودة لدى البعض وفقط تحتاج إلى بيئة وإلى محرك ليطلقها من عقالها.. ولتفصح عن وجهها البشع.

لقد أوجز هؤلاء الظاهرة بالعامل الداخلي، عامل التخلف الإجتماعي والإقتصادي، وعامل التدخل الخارجي الذي يستثمر عادة في هذا التخلف.

وفي إطار هذا المفهوم، أي العامل الخارجي، يسأل البعض وبحق هل صدفة أن ذلك حصل بعد نجاح الإضراب ضد تقديم لوائح الإتهام. وهل صدفة أن الإحتكاكات والإعتداءات التي حصلت على خلفية طائفية، وكان أحدثها وأبشعها ما حصل في المغار قبل عامين واضطرار عائلات بالكامل إلى هجر البلد، هل صدفة أنها تعود الآن.

تقديري ليست صدفة، لقد استعملت المؤسسة الإسرائيلية سياسة فرق تسد في السنوات الأولى بعد النكبة، وقد كشفت وثائق وأبحاث عن هذه الحقيقة، ولذلك لضمان نظام السيطرة على العرب.

في الآونة الأخيرة، تنشغل هذه المؤسسة ومخابراتها في قضية عرب الداخل، واستنتاجها أنهم أفلتوا من قبضة السيطرة، ولم يعودوا يعملون حسابًا لمخططاتها المعادية؛ هم يحتجون بطريقة أكثر جرأة، يرفعون سقف مطالبهم ويتحدّون البنية العنصرية عبر طرح حل ديمقراطي وإنساني، ويوصلون قضيتهم إلى المحافل الدولية بعد أن كانت إسرائيل نجحت في طمسها، ويتضامنون ويتماثلون مع نضال شعبهم وأمتهم العربية العادل.

والإستنتاج المنطقي الذي يمكن أن تكون المؤسسة قد وصلت إليه هو أن إثارة الصراع الداخلي، وإشغال المواطنين العرب بأنفسهم وبهمومهم الخاصة هو الوسيلة الأقل تكلفة لسياسة التحكم والسيطرة. طبعًا إضافة إلى وسائل القمع والسيطرة الأخرى – من قوانين وممارسات ومصادرات وحصار وملاحقات للنشطاء.

إن من أوجه هذه السياسة، أي سياسة تفتيت مجتمعنا هو سياسة عزل جزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية عن محيطه وبيئته الطبيعية، وهم الطائفة الدرزية. عبر التجنيد الإجباري وخلق تراث درزي وغيرها من مخططات التدمير الثقافي والمادي.

وهذه محنة ليست فقط للدروز بل هي محنة المجتمع العربي كله ومسؤولية العمل لإزالة هذه المحنة وآثارها يجب أن تقع على الجميع.. وإن كانت المؤسسة العنصرية هي المسؤول الرئيسي عن هذا الوضع.

ويجب أن نعترف أن جهود المناضلين الدروز، العروبيون، والذين دخل العديد منهم السجون الإسرائيلية، لم تؤدّ بعد إلى تغيير جدّي في الثقافة – ثقافة العدمية القومية التي أنتجها التجند في الجيش الإسرائيلي على مدار عقود. ولكن لا يمكن تجاهل حالة التململ الظاهرة في أوساط هذه الطائفة العربية في الآونة الأخيرة بعد أن بدأت أوساط تقليدية منها تعيد اكتشاف حقيقة وضعها، وحقيقة العلاقة مع الدولة المعادية لكل ما هو عربي وما ألحقته من خراب بشباب هذه الطائفة.

يجب أن ننظر إلى هذه المحنة باعتبارها معلما من معالم السياسات الإسرائيلية الثابتة تجاه عرب الداخل ككل، ومن هنا يجب إيجاد الأطر المشتركة الموحَّدة (بالفتح) والموحِّدة (بالكسر)؛ أطر عربية تناضل ضد سياسة التجزئة والهدم، وضد العنف المنتشر في الوسط العربي جراء سياسات الحرمان المبرمج.

التعليقات