31/10/2010 - 11:02

أردوغان مرة أخرى../ راسم عبيدات

أردوغان مرة أخرى../ راسم عبيدات
.. يبدو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردغان يأبى إلا أن يوجه الصفعة تلو الأخرى للقيادة الإسرائيلية والنظام الرسمي العربي المنهار والعاجز، وخصوصاً ما يسمى بمعسكر الاعتدال منه، هذا المعسكر الذي يبدو أنه أدمن على سماع ترانيم وتعاويذ ومزامير "الصديق بيرس" أو ما يطلق عليه معسكر الاعتدال العربي ب"حمامة السلام" عن (القتلة والإرهابيين الفلسطينيين والعرب والذي لا يردون السلام)، ونحن رأينا كيف كان كل قادة النظام الرسمي العربي المعتدل خشوعاً وسجودا له وهو يلقى عليهم مثل هذه المواعظ والمزامير والترانيم في نيويورك فيما يسمى بمؤتمر حوار الأديان، واليوم بعد أن أوغلت الآلة الحربية الإسرائيلية قتلاً في أطفال ونساء شعبنا الفلسطيني خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة، جاء بيرس إلى منتدى دافوس الاقتصادي ومعه العديد من أركان النظام الرسمي العربي وعلى رأسهم الممثل الرسمي لهذا النظام عمرو موسى، أمين عام جامعة العربية، والذي كان جالسا بالقرب من بيرس مزهوا كالطاووس وهو يستمع إليه وحتى لا يفوته فرصة سماع مثل هذه الترانيم والمواعظ والمزامير والتي ربما تؤهل بيرس في المستقبل ليس لإلقائها عليهم في المحافل والمؤتمرات الدولية، فربما يلقيها عليهم في الجوامع والقصور الرئاسية والملكية.

وبيرس هذا يا أخوان رجل محب جداً "للسلام" وأكثر ما يكره ويمقت "القتل والإرهاب"، وسجله وتاريخه "نظيفين"، وصفحة "بيضاء"، ويداه لا تتلطخان بالدم العربي والفلسطيني، إلا من بعض الرتوش البسيطة، فهو ينتمي إلى حزب "العمل" والأب الروحي له، قبل أن ينتقل إلى حزب "كاديما"، هذا الحزب الذي يعتبر رائد الاستيطان في الضفة والقدس، وبيرس هذا عدا أنه مرتكب مجزرة قانا الأولى، فهو صاحب نظرية السلام الاقتصادي ومفاوضة العرب والفلسطينيين عشرات السنين دون إعطائهم أي شيء، وهو رغم كل الدلائل والحقائق على ارتكاب جيش حكومته لجرائم حرب في عدوانها الأخير على قطاع غزة، ورغم بشاعة تلك الصور وخصوصاً لقتل الأطفال، فهو يصر على إنكار ذلك، وعندما تحاصره الأدلة الدامغة يقول بأن قتلهم كان بالخطأ. وشخص بهذه المواصفات الشبيهة يقول لك أن تكذب وتكذب وتستمر في الكذب حتى يقتنع الآخرين بأنك تقول الحقيقة.

فليس بالمستغرب أن يأتي إلى هذا المنتدى الاقتصادي العالمي، ويكذب ويستمر في الكذب حتى يقتنع الآخرين بأنه يقول الحقيقة، حيث أنه أسهب في شرح معاناة الإسرائيليين نتيجة "الإرهاب" الفلسطيني ،حيث أن الأطفال لم يستطيعوا الذهاب إلى مدارسهم وأنهم أصيبوا بالرعب والخوف نتيجة الصواريخ الفلسطينية، وأن ما يقومون به من قتل وتدمير وقنابل بالأطنان تلقى على المدارس ودور العبادة والمشافي وحتى المؤسسات الدولية، تأتي في إطار وسياق الرد الطبيعي والدفاع عن النفس..

وهنا نحن لا نستغرب أن تلقى كلمة بيرس التصفيق الحار من المندوبين الأوروبيين، فهؤلاء لهم باع طويل في النفاق وازدواجية المعايير"وتعهيرها"، فهم من وصفوا حرب إسرائيل العدوانية على شعبنا الفلسطيني في القطاع بالحرب الدفاعية، ورفضوا تجريمها وإدانتها في مجلس حقوق الإنسان، وتجندوا على مستوى القادة للدفاع عن إسرائيل وحمايتها وأرسلوا سفنهم وأساطيلهم البحرية لتجوب وتحاصر كل المنافذ والطرق البحرية المؤدية إلى قطاع غزة لمنع تسلح المقاومة الفلسطينية، وليس للمساهمة في رفع الحصار والمعاناة عن الشعب الفلسطيني، حتى أن ساركوزي رئيس الوزراء الفرنسي، لم يترك عاصمة إلا وزارها من أجل المساهمة في الضغط على حماس من أجل إطلاق سراح "الحمل الوديع" الجندي المأسور شاليط، والذي كان في "نزهة لصيد الغزلان البرية" وليس في مهمة عسكرية؟! وكما يقال في الدين ليس بعد الكفر ذنب، فأيضا ليس بعد هذا العهر عهر.

والمهم هنا أن أردغان الذي سبق له أن حمل إسرائيل مسؤولية العدوان على قطاع غزة وعدم الالتزام بالتهدئة، ووصف ما تقوم به من أعمال بحق الأطفال والنساء بأنها جرائم حرب، ولم يأبه لأي تبعات لمثل هذه المواقف، وخصوصاً أن تركيا عضو في خلف الناتو، وهي بصدد استكمال إجراءات قبولها في الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل لها دور بارز في هذا الجانب من ناحية الضغط والتأثير، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي هذا والذي بالأساس كان همه التعبير عن دعم إسرائيل ومساعداتها، حيث أعطي بيرس وقتاً ضعف المعطى للوفود لكي يلقي مواعظه وترانيمه ويشن حملة على "القتلة والإرهابيين العرب والفلسطينيين"، ويبرر الجرائم التي ارتكبها جيش حكومته بحق الأطفال والنساء الفلسطينيين، وليقابل بعاصفة من التصفيق من قبل الحضور، أخرج ذلك أردغان عن طوره وتصدى لبيرس وقال أنه يأسف أن يلقى حديث عن قتل الأطفال مثل هذا التصفيق، ويتدخل القائمون على هذا المؤتمر لمنع أردغان من الرد على بيرس، والذي يعلن انسحابه من هذا المؤتمر وعدم العودة إليه ثانية، وليعود إلى بلده ويستقبل استقبال الأبطال على مثل هذا الموقف، غير آبه بما قد تقوم به إسرائيل من تحريك للوبي الضغط الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة، لاستصدار قرار باعتبار تركيا مسؤولة عن مذابح الأرمن وارتكاب جرائم حرب ومطالبة تركيا بدفع تعويضات عن ذلك.

والمهم هنا يا أخوان عليكم أن تتنبهوا جيداً، أن هذه المواقف التركية والفنزويلية والبوليفية والتي عرت بشكل فاضح بعض أطراف النظام الرسمي العربي ودوره في التآمر والمشاركة في العدوان، لديه الكثير من المفردات والذرائع والحجج التي سيسوقها لاستمرار تبرير عجزه وتخاذله وانهياره وتخليه عن خيار المقاومة وخصي الخيار العسكري، فكما كان عدم طرد السفراء الإسرائيليين من العواصم العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل أسوة بفنزويلا وبوليفيا لمصلحة العرب والفلسطينيين، وتبرير ما قامت به إسرائيل من عدوان على غزة، بأن حماس والمقاومة تتحمل المسؤولية لأنها انجرت إلى ما تريده إيران، بزعم أن إيران الفارسية لها أطماع في الوطن العربي وتريد السيطرة على الوطن العربي، وسبحان الله لم نسمع عن فارسية إيران وشيعيتها وأطماعها في الوطن العربي عندما كانت في عهد الشاه حليفة استراتيجية لإسرائيل وأمريكا، واليوم وهي تناصب أمريكا العداء، لم يترك أقطاب دول الاعتدال العربي حجة وذريعة مشروعة وغير مشروعة إلا واستخدموها للتحريض ضد إيران، وكما حرضوا ضد حزب الله واستخدموا المذهبية في التحريض عليه، فليس من الغريب إذا ما سمعتم من دول الاعتدال العربي، بأن تركيا العثمانية تهدف من هذه المواقف إلى إعادة استعمار الوطن العربي، ومواقفها هذه تضر بالأمن والتضامن العربي، وأن السيد عمرو موسى ومعه المندوبين العرب الآخرين لم يردوا أو يحتجوا على كلمة بيرس، أو ينسحبوا إلى غير رجعة من هذا المنتدى المنحاز لإسرائيل وسياساتها العدوانية، لأن في ذلك مصلحة عربية وفلسطينية لا نعرفها نحن "الجهلة" من الشعوب العربية.. وهل بعد هذا العهر عهر يا عرب.

التعليقات