31/10/2010 - 11:02

أزمة بنيوية أم ثقافة سياسية/مهند مصطفى

أزمة بنيوية أم ثقافة سياسية/مهند مصطفى
ناقشت الأدبيات السياسية مسألة طريقة الانتخابات الأفضل للنظام الديمقراطي والشكل السياسي الذي تؤسسه، وتنوعت التوجهات النظرية حول هذه القضية.

ركزت الأدبيات السياسية بالأساس على الجانب البنيوي الوظائفي للنظام متبنية النظريات البنيوية والوظائفية في العلوم السياسية، ولكن مع ظهور نظرية الثقافة السياسية أعطى الموضوع جانبا آخر للبحث والدراسة والفهم. كانت عملية فهم طرق الانتخابات وشكل النظام الديمقراطي منقوصة في ظل تغييب عامل الثقافة السياسية، فلا يمكن الحكم على الواقع السياسي مع خلال الآليات البنيوية فقط دون استحضار مفردات الثقافة السياسية.

من الصعب الحسم في عملية تحديد الطريقة الانتخابية المثلى للنظام الديمقراطي وشكله، وطبعا أكثر صعوبة أن يتم تأطير ذلك في قالب نظري يصلح لكل زمان ومكان وسياق، التي من خلالها نستطيع أن نقرر ما هي الطريقة المثلى؟ أو الأقل ضررا من بين الطرق المعروضة. لكل طريقة ومبنى سلبياته وإيجابياته وسياقاته التاريخية والثقافية. ولا يمكن إخضاعها لاعتبارات معيارية عالمية، فهي ليست قيمة بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق كل ما يصبو إليه النظام، وهو الاستقرار. تبقى عملية نجاح وفشل الطريقة الانتخابية أو النظام الذي تؤسسه متعلق أولا وقبل كل بالثقافة السياسية وليس بقدرتها البنيوية والوظائفية فقط.

فمثلا، شكلت عملية اختيار طرق الانتخابات وشكل النظام الديمقراطي استجابة للسياق التاريخي والثقافي الذي نشأت في ظله والمشاكل والقضايا الذي ارتبطت فيه. فالطريقة الأمريكية كانت ضرورية لعملية بناء الأمة وتمكين النظام الفدرالي. والطريقة الإسرائيلية (رغم النقاش الدائر حولها الآن وتاريخيا) كانت حيوية من وجهة نظر الدولة الفتية لصهر مجتمع المهاجرين والقادمين وقناة لاحتياجاتهم، في مرحلة تاريخية لم يكن مقبولا فيه في ظل بناء الدولة (وليس الأمة) من ممارسة "السياسية الصراعية": Contentious Politics لان العمل السياسي والموارد الاقتصادية انصبت على عملية بناء الدولة واستيعاب القادمين وصد الخطر الخارجي.

ركز التيار الموجه للإصلاح السياسي في إسرائيل ادعاءه أن عوامل بنيوية فرضتها الطريقة النسبية هي التي زجت السياسة الإسرائيلية في حالة من عدم الاستقرار، سقوط حكومات قبل موعدها، حل البرلمان، انقسامات حزبية وكثرة الأحزاب والمصالح. ولم تنتبه أو لم تأخذ بعين الاعتبار عوامل الثقافة السياسية إلى جانب العوامل البنيوية المتعلقة بالطريقة لحالة عدم الاستقرار. في النهاية طريقة الانتخابات ومبنى النظام يبقى شكلا (رغم عدم تقليلنا لأهمية الشكل بحجة الجوهر الديمقراطي كما يحدث ويميز عملية "الدمقرطة" في العالم العربي) والثقافة السياسية هي الجوهر. والثقافة السياسية في الحالة الإسرائيلية هي ثقافة سياسة قبلية وسياسة قبيلة.

على هامش النقاش، لا يفهم من كلماتي أنني أهمل وأغيب الشكل الديمقراطي وخصوصا في سياق الواقع السياسي في "الدول النامية"، حيث يتم تكريس الواقع التسلطي بالقول أن الجوهر الديمقراطي للنظام أهم من شكله الخارجي (فصل السلطات، انتخابات دورية الخ ..)، فالشكل والمبنى في الحالة الديمقراطية لا يقل أهمية عن جوهره وربما يضاهيه في حالات معينة خصوصا مرحلة البناء والدمقرطة. وجود كل طرف مرتبط بوجود الآخر.

ما نحاول أن نقوله في السياق الإسرائيلي، انه حتى لو تم إجراء إصلاح بنيوي سياسي على شكل النظام والطريقة الانتخابية فانه لن يخلق الاستقرار، كون الثقافة السياسية في هذه الحالة تلعب دورا مركزيا في عملية الاستقرار السياسي، ولان مؤسسة الحزب جزء من تركيبة المجتمع وتطوره التاريخي.

شكلت عملية الانتقال إلى طريقة الانتخابات المباشرة محاولة إصلاحية راديكالية انسجمت مع عولمة الاقتصاد والمجتمع والثقافات، وظهور "السياسة الصراعية" بقوة في المجتمع الإسرائيلي بالإضافة طبعا إلى العوامل البنيوية الوظيفية التي تطلبها الجهاز الحزبي والسياسي. عند الانتقال إلى طريقة الانتخابات المباشرة انطلق النظام السياسي الإسرائيلي إلى شكل النظام الرئاسي ولكنه لم يفك ارتباطه بشكل النظام البرلماني. اعتقد انه يستطيع أن يكسب إيجابيات كل من الطريقتين ويحافظ في نفس الوقت على الاستقرار ويتخلص من ترسبات الطريقة القديمة. لكن ما حدث هو عكس توقعات المصلحين، فقد عمقت الطريقة الجديدة من سلبيات الطريقة القديمة ولم تتجاوزها، لا بل أنها فصلت بين الموقف السياسي والهوية الجهوية، فالطريقة الجديدة منحت الفرد فرصة إرضاء طرفين؛ الحزب الذي يعبر عن انتمائه الجماعي ألاثني في البطاقة الأولى، ويصوت للشخص الذي يعبر عن موقفه السياسي حتى لو لم يكن في الحزب الذي صوت له في البطاقة الأولى.

في العقد الأخير لم تنجح أية حكومة في قضاء مدتها القانونية وإنما تفككت الواحدة تلو الأخرى. مما يثير التساؤل النابع من الاستغراب كيف يستطيع هذا الجهاز أن يستمر بوظائفه على مختلف الصعد في حالة دائمة من عدم الاستقرار، ربما أن الجهاز تكيف وظائفيا مع هذه الحالة وتحول عدم الاستقرار الحالة الطبيعية التي يعمل فيها وليس العكس.

إن الثقافة السياسية هي التي أوصلت السياسة الإسرائيلية إلى هذه الحالة أكثر مما فعله المبنى نفسه، ثقافة القبيلة وسياسة القبيلة، ثقافة سياسية غير ديمقراطية شعبويا وسياسيا، سيحتاج الجهاز إلى الكثير ليصل إلى حالة من الاستقرار في ظل غياب الثقافة السياسية الديمقراطية.

التعليقات