31/10/2010 - 11:02

"ألقضية الفلسطينية ليست الأساس"..

تدحض ردة الفعل المعتدلة بل السلبية التي أبدتها الدول العربية إزاء الضائقة الفلسطينية في غزة، الفرضية وكأن الموضوع الفلسطيني يتألق في قمّة سلم الأولويات العربي، وكأنه أساس المعاداة العربية تجاه الغرب، ألولايات المتحدة وإسرائيل. تعكس ردة الفعل لدى القيادات العربية مدى اهتمامها بالقضية الفلسطينية منذ العام 1948، سواء كان القائد الفلسطيني هو الحاج أمين الحسيني أو الشقيري (أحمد) أو (ياسر) عرفات أو أبو مازن أو (إسماعيل) هنية.

لقد أسبغت الدول العربية على الفلسطينيين تأييدا كلاميا سخيا لكنها أحجمت عن التأييد الفعلي. وفقط مؤخّرا رفضت (هذه الدول) نداءا لاجتماع طارئ لقادتها من أجل الفلسطينيين، واكتفت بعقد اجتماع باهت لوزراء خارجيتها، والذي انتهى بنداء لبحث (الموضوع) في الأمم المتحدة. ولقد عارضت السعودية استخدام سلاح النفط لأجل الفلسطينيين ومنعت تنظيم مظاهرات احتجاجية على ما يحصل في غزة. وهذا ما كان حصل في العام 1982 أيضا: فقد اجتمع (العرب) لبحث أسعار النفط لكنهم رفضوا استخدام سلاح النفط لمؤازرة منظمة التحرير الفلسطينية. فلم يتم عقد مؤتمر طارئ للـ "جامعة العربية" لإنقاذ منظمة التحرير الفلسطينية سوى بعد طرد رؤساء المنظمة من بيروت.

تعرض الدول العربية بمنهجية كم أن القضية الفلسطينية ليست مركزية في سلم أولوياتها. حيث أن المساعدات المالية التي قدمتها (الدول العربية) لمنظمة التحرير الفلسطينية، على سبيل المثال، كانت أقل بـ 10% من المساعدات العربية للمتمردين المعادين للسوفييت في أفغانستان. وقد اجتمع القادة العرب في العام 1988 من أجل الانتفاضة الأولى، وأعلنوا عن مساعدة عاجلة لمنظمة التحرير تبلغ 128 مليون دولار، إضافة إلى 43 مليون دولار شهريا. لكن عشرات الملايين فقط هي ما وصل إلى الهدف.

والتزمت السعودية في العام 2002 بالتبرع بمبلغ 600 مليون دولار دعما للسلطة الفلسطينية بسبب الانتفاضة الثانية، لكنها حوّلت حتى الراهن نحو 100 مليون دولار فقط. والتزمت دول عربية أخرى بتحويل شهري يبلغ 55 مليون دولار، لكنها، كعادتها المقدسة، لم تف بالتزامها.

يعتبر الزعماء العرب الفلسطينيين كـ "علبة باندوره" متآمرين وخونة يتهدّدون نظمهم، فيما يتهم الفلسطينيون الدول العربية بـ "نكبة 1948" وبعداء متواصل.

منذ العام 1948/49 عملت "الجامعة العربية" على الحيلولة دون تحقيق الفلسطينيين أي إنجاز في الحرب. ولقد تمّ طرد القيادة الفلسطينية من الضفة الغربية ومن غزة. في العام 1950 وفي العام 1966 طرد عرفات وأبو مازن ورفاقهما من مصر ومن سوريا بسبب التآمر، وفي العام 1970 هربوا من الأردن بعد أن حاولوا إطاحة النظام الهاشمي ("أيلول الأسود"). وفي 1975/6 تلقوا ضربة من سوريا في أعقاب تآمرهم في لبنان ("حزيران الأسود")، وقد طردت فلول منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1983 من طرابلس بواسطة المليشيا المؤيدة لسوريا في لبنان، وفي العام 1987 قتل المصريون عشرات الفلسطينيين لأنهم تظاهروا دعما لمنظمة التحرير وللإنتفاضة الأولى.

وتم طرد نحو 300 ألف فلسطيني من الكويت في العام 1991 لمشاركتهم الفعّالة في اجتياح صدام حسين لأراضيها. كما هرب عشرات آلاف الفلسطينيين من العراق بعد سقوطه، وذلك بسبب تأييدهم لطاغية بغداد.

يتحوّل البساط الأحمر الذي يستقبل القادة الفلسطينيين في الأمم المتحدة والعواصم الغربية إلى خرقة بائسة إذ يحطّون في العواصم العربية. ماذا يعرف القادة العرب عن الفلسطينيين ما هو أبعد من إدراك مبلوري السياسة والرأي العام في إسرائيل والغرب؟

رفع شأن القضية الفلسطينية ليس أمنية لدى القادة العرب. والقضية الفلسطينية ليست مركّبا أساسيا في بلورة السياسة العربية. حيث أن أمورا داخلية مناطقية ودولية لها أثر أكبر بما لا يقاس من القضية الفلسطينية على العلاقات العربية – العربية، والعلاقات العربية مع الغرب أو العلاقات العربية – الإسرائيلية. ولا يملك الفلسطينيون حق النقض على الدول العربية.

تحول مركز الثقل للسياسة الإسرائيلية، منذ أوسلو 1993، وبوحي من افتراض خاطئ وكأن القضية الفلسطينية هي لب الصراع العربي – الإسرائيلي وماسة التاج العربي، إلى المسار الإسرائيلي – الفلسطيني. وسياسة تعتمد على افتراض خاطئ هي سياسة خاطئة تصب الزيت، وليس الماء، على النار.

يجب على إسرائيل أن لا ترهن علاقاتها مع الدول العربية وأمنها في القضية الفلسطينية. وتثبت اتفاقيتا السلام مع مصر والأردن أن المسار لحل النزاع العربي – الإسرائيلي لا يمر عبر رام الله أو غزة وإنما عبر عواصم عربية، وذلك بالرغم عن المعارضة الفلسطينية وبالرغم من حربنا على الإرهاب الفلسطيني. يجب تأسيس علاقاتنا مع السلطة الفلسطينية على عبر الأعوام المائة الأخيرة، وخاصة الـ 15 عاما "أرض مقابل سلام" التي أثمرت، فيما يتعلق بالفلسطينيين، ثقافة لكراهية، وإرهابا وخرقا غير مسبوق للإتفاقيات.

تستوجب عبر التاريخ واحتياجات إسرائيل الأمنية والحاجة إلى تقليص دوافع سفك الدماء، الحيلولة دون إقامة دولة أخرى ما بين نهر الأردن والبحر، وأن تتعزّز السيطرة الإسرائيلية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة).

التعليقات