31/10/2010 - 11:02

أميركا: الخروج من العراق و... المنطقة؟../ عصام نعمان*

أميركا: الخروج من العراق و... المنطقة؟../ عصام نعمان*
بعد 27 عاماً من الخصومة والقطيعة، التقى في بغداد للتفاوض والتقارب ممثلا الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أميركا هي الدولة الأعظم في العالم. إيران هي الدولة العظمى في الشرق الأوسط. لكن الدولة الأعظم ليست بالضرورة الدولة الأفعل. السبب؟ لأن على الولايات المتحدة من الالتزامات والأعباء في شتى أنحاء العالم ما يرهقها مالياً ويثقل عليها سياسياً وعسكرياً ويحدّ، تالياً، من قدرتها وفعاليتها.
في المقابل، تبدو إيران بالنسبة إلى دول الخليج ودول بحر قزوين المنتجة للنفط، حيث للولايات المتحدة مصالح اقتصادية واسعة ومتشعبة، في موقع استراتيجي حاكم. زد على ذلك عناصر قوة بالغة التأثير:

• احتياطها النفطي الذي لا يقل عن 132 مليار برميل، واحتياطها من الغاز الطبيعي الذي لا يقل عن 27 مليار متر مكعب، فيما يناهز إنتاجها السنوي من النفط الخام نحو 90 مليار دولار.
• وجودها ونفوذها المؤثران في العراق وأفغانستان حيث في إمكانها استثمارهما لاستنزاف أميركا وإرهاقها مالياً وعسكرياً.
• عقيدتها الإسلامية الكفاحية التي تمكّنها من إقامة تحالفات ميدانية مؤثرة مع منظمات إسلامية جهادية فاعلة في مختلف مناطق العالم الإسلامي ولا سيما في أفغانستان وباكستان وأذربيجان وتركيا والعراق ولبنان وفلسطين والسودان والصومال.

في موازاة عناصر القوة الاستراتيجية هذه، تستفيد إيران من واقع تعثّر السياسة الأميركية في أفغانستان والعراق، ولا سيما في بلاد الرافدين حيث أضحت الممول والمسلح الرئيس لمنظمات المقاومة السنّية والشيعية المناهضة للاحتلال.

إزاء تعاظم الضغوط الداخلية على الإدارة لجدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق، اضطر الرئيس جورج بوش أخيراً إلى تعديل سياسته حيال طهران بأن طلب إجراء محادثات معها في شأن العراق تكون مدخلاً الى مفاوضات جدية حول مجمل القضايا العالقة بين الدولتين. من هنا يمكن تفسير المحادثات الثنائية الأخيرة بينهما في بغداد بأنها إقرار من طرف واشنطن بأن إيران أضحت قوة إقليمية مركزية يتوجب أخذها في الحسبان، ولها دور مؤثر في المنطقة لا سبيل الى تجاهله، وخصوصاً في العراق.

من هنا يستقيم القول إن الدافع الأساس لإجراء المحادثات الثنائية في بغداد هو محاولة جادة من واشنطن للتفاهم مع طهران على ترتيبات تمكّن الدولة العظمى من الخروج من العراق على نحوٍ يحفظ ماء وجهها، ذلك أن خروجاً مذلاً لأميركا من العراق مشابهاً لخروجها من فيتنام قد يؤدي إلى خروجها، عاجلاً أو آجلاً، من المنطقة برمتها.

إيران ليست، بطبيعة الحال، جمعية خيرية أو مؤجر خدمات مجانية. ستطلب بالتأكيد ثمناً لتسهيل خروج أميركا من بلاد الرافدين. الثمن المطلوب سيكون عالياً، ولا بأس في أن تسدده واشنطن على أقساط وفي أمكنة متعددة. لعل القسط الأول سيكون في العراق نفسه حيث تشترط طهران، على ما يبدو، المحافظة على نظام سياسي ذي طابع فدرالي (ليس بالضرورة النظام القائم) يضمن وحدة العراق السياسية بقيادة فئة حاكمة صديقة لها إن لم تكن موالية. لذلك عرضت في المحادثات الثنائية الأخيرة تدريب الجيش والشرطة العراقيين وتجهيزهما لإنشاء «بنية عسكرية وأمنية جديدة». وطلبت طهران تشكيل لجنة إيرانية ــ أميركية ــ عراقية لتنسيق الشؤون الأمنية العراقية.

تدرك واشنطن أن استجابة طلبات طهران تؤدي الى تسهيل «توريثها» الساحة العراقية بعد خروج أميركا منها. لذلك ستحاول، في المستقبل المنظور، مقايضة مسألة التوريث بتنازلات إيرانية في مواضيع وأمكنة أخرى كمسألة تخصيب اليورانيوم أو دعمها لسوريا ولمنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان. أما إذا رفضت إيران تقديم تلك التنازلات، وهو الأمر المرجّح، فإن أميركا قد تجد نفسها مضطرة في الخريف أو الربيع المقبلين الى استجابة طلبات إيران لقاء ثمن بخس هو خروج لائق لقواتها من العراق.

إذ يبدو المركز التفاوضي الإيراني قوياً، يميل بعض المراقبين والمحللين الى أن يروا في محادثات بغداد الأخيرة والتصريحات «الإيجابية» التي صدرت عن السفير ريان كروكر والسفير حسن كاظمي القمي تباشير تسوية بين واشنطن وطهران.

يدعم احتمالات التسوية المرتقبة تعاظمُ فشل الخطة الأمنية الأميركية في العراق وانكشاف مخطط واشنطن المعادي لمنظمات المقاومة في لبنان وفلسطين، وعودة حركة طالبان الى تسلّم المبادرة الهجومية في أفغانستان. غير أن أقوى العوامل الدافعة في اتجاه التسوية يبقى اقتناع شبه إجماعي لدى قادة الرأي ورجالات الدولة السابقين أمثال كلينتون وكيسينجر وبريجنسكي وسكوكروفت، فضلاً عن مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية، بأن خروج أميركا مدحورةً من العراق سيؤدي لاحقاً الى خروجها من المنطقة برمتها.

الى ذلك، ثمة مجموعة من أركان البيت الأبيض بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني ترفض هذا الخط في التحليل والتحسّب وترى أن أية تسوية مع طهران لا تنطوي على وقفٍ لتخصيب اليورانيوم مقرونٍ بتدابير صارمة للحؤول دون حصولها مستقبلاً على أسلحة نووية، ستؤدي الى طرد أميركا من المنطقة ولن تسبب في انهيار موازين القوى السائدة في العالم العربي والإسلامي فحسب، بل في العالم أجمع. لذلك لا تكتفي مجموعة تشيني ببرنامج تشديد العقوبات والحصار على إيران بل تباشر، بدعم من بوش، مخططاً أكثر فعالية وحدّة يرتكز على الآتي:

• تحشيد عماراتٍ بحرية كبيرة قبالة إيران في بحر العرب وإجراء مناورات حربية واسعة للتخويف والردع.
• قيام وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إي) بشن عمليات سرية، وصفتها بـ«السوداء»، داخل إيران تهدف الى تغيير النظام.
• إثارة الإثنيات الكردية والآذرية والعربية والبالوشية لإضعاف النظام وضعضعة قواه.
• شن حملة دعائية وتشويهية تهدف الى زعزعة النظام وإسقاطه.
• ممارسة ضغوط على الاقتصاد الإيراني من خلال التلاعب بعملة البلاد وتعاملاتها المالية الدولية.

فوق ذلك، يحتشد صقور المحافظين الجدد وشخصيات أميركية صهيونية معروفة في جزر الباهاما هذه الأيام في إطار «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي أحد مراكز أبحاث المحافظين الجدد، لبحث أفضل السبل لإطاحة نظام الحكم الإيراني، ومن بينها توجيه ضربة عسكرية صاعقة لطهران.

أميركا، إذاً، في حال مخاض. قياداتها السياسية منقسمة على نفسها، وليس ثمة بعد ما يشير إلى أنها في صدد اتخاذ قرار حاسم في ما يجب عمله أو الامتناع عن عمله في منطقة الشرق الأوسط الكبير. في المقابل، يبدو أعداء أميركا، دولاً وشعوباً وجماعات وأفراداً، ناشطين وفاعلين وذوي طموحات عالية، ليس أقلها إخراج أميركا من العراق اليوم على نحوٍ مهين يكفل طردها من المنطقة غداً بلا رجعة.

"الأخبار"

التعليقات