31/10/2010 - 11:02

أميركا تحبل في إيران وتلد في لبنان../ عصام نعمان*

أميركا تحبل في إيران وتلد في لبنان../ عصام نعمان*
من المفترض ان تظهر هذه المقالة مقرونةً باسم آخر إلى جانب اسمي. إنه اسم أستاذ وباحث جامعي وفّر لي معظم المعلومات ووافقني على معظم التحليلات التي أوردتها فيها. لكنه آثر إغفال اسمه كي يبقى في منأى عن أي سجال سياسي، وليحافظ على دوره كمرجع معرفي مستقل تستشيره سلطات وقيادات ومراكز أبحاث ووسائل إعلام أميركية وأوروبية، فيقدم لها دونما مقابل رؤيته وتقويماته للأحداث والتطورات بموضوعية ومسؤولية وطنية وإنسانية عالية.

أمكنني وصديقي الباحث الجامعي المستقل تقويم حال الولايات المتحدة ومواقف إدارة بوش، الحالية والمحتملة، إزاء أوضاع العراق وإيران وفلسطين وسوريا ولبنان، على الوجه الآتي:

في العراق، تتعثر سياسة إدارة بوش على نحوٍ متزايد ومنبئ بفشل مدوٍّ. عسكرياً، أخفقت الخطة الأمنية لبغداد في تحقيق أي إنجازات بل لعلها تعرضت لنكسات موجعة ومقلقة من حيث نجاح المقاومة في نقل الحرب الى قلب المنطقة الخضراء وتهديد أمن القيادات والسلطات المركزية العراقية والأميركية المقيمة فيها.

سياسياً، تتوسع قواعد القوى المناهضة للاحتلال الأميركي والعاملة لإجلائه. وما انسحاب وزراء التيار الصدري من حكومة نوري المالكي إلا الدليل الساطع على ضمور التأييد السياسي في الوسط الشيعي لفئة السياسيين المتعاونين مع الاحتلال. كل ذلك سيؤدي الى الاستغناء عن خدمات المالكي في سياق تركيبة مغايرة للسلطة يجري إعدادها.

في إيران، يوغل الرئيس أحمدي نجاد وحكومته في العناد والتحدي، ويلقى تأييداً متزايداً في صفوف الشعب، فيما تتصاعد تدابير التعبئة العسكرية والشعبية والاستعداد لمواجهة ضربة أميركية محتملة. في المقابل، تبدو إدارة بوش مترددة في اللجوء الى الخيار العسكري بسبب تصاعد معارضة الحزب الديموقراطي لنهج الإدارة في العراق من جهة، ونفور الأميركيين عموماً من أي مغامرة حربية جديدة يكون تمويلها بالضرورة على حساب اعتمادات الضمان الصحي ومستوى المعيشة اللائقة من جهة أخرى.

هذا مع العلم بأن التفويض الذي أعطاه الكونغرس للرئيس بوش إبان سيطرة الجمهوريين عليه في السنة الماضية سينتهي في آخر شهر حزيران المقبل، ومعه تنتهي صلاحية بوش شبه المطلقة في اتخاذ قرار الحرب. ذلك كله يقيّد حركة بوش وخياراته ويجعل من احتمال اللجوء الى الخيار العسكري في التعامل مع إيران أمراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. في موازاة ذلك، تلقى حجج الفريق الداعي إلى معالجة الأزمة مع إيران بالعقوبات المالية والاقتصادية آذاناً صاغية لدى بوش، إذ يمتدح هذا الفريق السياسة التي كان دشّنها الرئيس بيل كلينتون في مواجهة كوريا الشمالية وأثبتت فعاليتها أخيراً باضطرارها الى الرضوخ لمطلب واشنطن التخلّي عن برنامجها النووي العسكري.

ويؤكد اختصاصيو هذا الفريق أن إيران ستضطر بدورها الى استجابة طلبات أميركا وأوروبا في مدى سنة أو سنتين نتيجة الإجراءات النافذة وتلك التي سيصار الى تصعيدها في إطار النظام المالي الدولي لحظر التعامل المصرفي معها، ما يؤدي الى محاصرتها وإرهاقها مالياً واقتصادياً. لعل في هذا السياق أطلق مساعد وزيرة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز تصريحه الأخير بـ«أن النزاع العسكري مع إيران ليس حتمياً وغير مرغوب فيه، وأن على الغرب أن يتحلّى بالصبر لأنه ما زال هناك وقت لتسوية ديبلوماسية للوضع».

فـي فلسطين، لا تبدو إدارة بوش في صدد انتهاج سياسة مغايرة لما هو قائم حالياً. وهي لا تتعرض، في هذا المجال، لأي ضغوط جدية من طرف الأكثرية الديموقراطية في الكونغرس التي ربما تبزّها في تأييد إسرائيل. بالعكس، يبدو ان إدارة بوش انتهجت، في ضوء عزوفها الراجح عن ضرب إيران، سياسة بديلة أكثر تطرفاً في مواجهة الإسلام الراديكالي الذي تعتبره مرادفاً للإرهاب قوامها ركيزتان: الأولى تأجيج الفتنة بين أهل السنّة وأهل الشيعة على مستوى العالم الإسلامي برمته، والثانية الضغط على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وصولاً الى إقامة تحالف ضمني أو حتى علني بين الكيان الصهيوني وجبهة «المعتدلين العرب» المفترض ان تكون مناوئة لإيران.

في سوريا، استجابت إدارة بوش أخيراً لتوصيات تقرير بيكر ــ هاملتون الداعية إلى الانفتاح على دمشق لإشراكها في المساعي الرامية الى تهدئة الوضع في العراق وتلطيف التوتر بينها وبين إسرائيل. غير ان هذا الانفتاح يبقى محدوداً ومحكوماً بحرص إدارة بوش على عدم إعطاء دمشق أي دور وازن في الساحة العراقية أو السماح لها بالعودة إلى لبنان. بالعكس، تضغط واشنطن على دمشق من أجل وقف دعمها اللوجستي لحزب الله معتبرةً أن وفاءها بهذا «الموجب» شرط لإعطائها التعويض الأقصى في هذه المرحلة وهو الكفّ عن الضغط على النظام من أجل تغيير رأسه أو تغيير سلوكيته.

في لبنان، يخشى الذين حاوروا الوفود الأميركية وأمكنهم استخلاص بعض الحقائق والمعلومات والمواقف من أن تكون أميركا قد حبلت، نتيجةَ مغامرتها الفاشلة في العراق واحتكاكها المقلق بإيران، بسياسة إقليمية هجومية جديدة تعتزم أن تلدها في لبنان. ذلك أن ما أبداه النائب الديموقراطي طوم لانتوس، المعروف بتطرفه في تأييد إسرائيل، وغيره من أعضاء الوفود وخبرائها، من آراء ومواقف يشير إلى أن إدارة بوش تعتبر لبنان واجهةً معبّرة عن نجاح دعوتها لتعميم الديموقراطية في المنطقة، وبالتالي منطلقاً سليماً لسياستها الإقليمية الهجومية الجديدة القائمة على أساس تأجيج الفتنة بين أهل السنّة وأهل الشيعة، وتطبيع علاقات الدول العربية المعتدلة مع إسرائيل لبناء جبهة إقليمية فاعلة في مواجهة إيران. في هذا السياق أمكن الذين حاورهم أعضاء الوفود الأميركية رصد الواقعات والتوقعات الآتية:

• النائب لانتوس جزم بأنه لا دور لحزب الله كفعالية مقاومة ضد إسرائيل بعد حرب تموز الأخيرة، وأن الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله يشي بضعف سياسي وافتقار الحزب إلى عنصر المبادرة، وانه يقتضي بالتالي مضاعفة الضغوط الرامية إلى تجريده من السلاح.

• لم يُخفِ أعضاء نافذون في الوفود الأميركية مخططاً يرمي إلى اعتماد مطار القليعات قاعدةً للحلف الأطلسي تكون لها وظيفة في تطويق سوريا ومنعها من إعادة بناء نفوذها ودورها السابقين في لبنان، كما يكون لها دور في تسليح وتدريب وتجهيز القوى والعناصر المناوئة لسوريا ولحزب الله ولمنظمات المقاومة الفلسطينية المعارضة لنهج السيد محمود عباس.

ذلك كله أعاد إلى الأذهان «اتفاقية تبادل العتاد والخدمات» بين وزارتي الدفاع في الولايات المتحدة ولبنان التي كان مجلس الوزراء قد وافق عليها في جلسته المنعقدة بتاريخ 16/6/2005 (المرسوم الرقم 17728 تاريخ 25/9/2006، الجريدة الرسمية، العدد 49، تاريخ 14/10/2006). ذلك ان الاتفاقية المذكورة ترمي إلى «تسهيل التقديم المتبادل للدعم اللوجستي والمؤن والخدمات» (المادة الأولى) في أثناء «التمارين والتدريبات والعمليات العسكرية المشتركة» (المادة الثانية). وتفرض على كل فريق «أن يبذل قصارى جهده، وفقاً لأولوياته الوطنية، لتلبية طلبات الفريق الآخر بموجب هذه الاتفاقية في شأن الدعم اللوجستي والمؤن والخدمات» (المادة الرابعة).

• يستفاد من أعضاء نافذين في الوفود الأميركية أن أجهزة واشنطن المختصة باشرت تجهيز وتسليح وتدريب عناصر إسلامية متطرفة لتقوم، في إطار النزاع المخطط له بين أهل السنّة وأهل الشيعة، بالانقضاض على حزب الله وأنصاره في مناطق ومواقع التماس بين الطائفتين، على أن يصار إلى تمويه الفاعلين بتنسيب العمليات العدوانية إلى تنظيم «القاعدة».

في ضوء هذه الواقعات والتوقعات يمكن الاستنتاج بأن إدارة بوش ليست في وارد السماح للفريق الحاكم بأن يتوصل إلى تسوية لنزاعه المتفاقم مع المعارضة حول السلطة، أي حول الحكومة الجديدة المراد تأليفها. وينسحب هذا الموقف الأميركي السلبي من التسوية على السعودية أيضاً التي طُلب منها عدم الضغط على رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في «حوار الطرشان» الذي كان دائراً بينه وبين الرئيس نبيه بري.

ويمكن الاستنتاج بأن التشدد في مسألة الحكومة يرمي، في نهاية المطاف، إلى استفزاز المعارضة وإمرار قضية المحكمة ذات الطابع الدولي بقرارٍ من مجلس الأمن في إطار الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. ذلك أن مخطط إشعال الفتنة المذهبية لإغراق حزب الله في حمأتها قد يتطلب في مرحلة مقبلة تأليف قوة دولية مسلحة للانتشار على الحدود اللبنانية ــ السورية بغية قطع الإمداد اللوجستي عنه تحت ذريعة توفير قوة أمنية لتنفيذ القرار الدولي المتعلق بالمحكمة.

غير أن أكثر التوقعات مدعاة للقلق إشارة أحد أعضاء الوفود الأميركية الى ان الفدرالية، كما جرى اعتمادها في العراق، تكسب مؤيدين لها في لبنان، وأنها قد تكون الدواء الأفعل لواقع تعدديته المذهبية. وعندما ذكّره الباحث الجامعي بأن وصفة الفدرالية لم تنجح في العراق وان تطبيقها في لبنان سيؤدي إلى تهجير المزيد من المسيحيين والتسبب في هجرتهم، ردّ بأن المرشحين للتهجير هذه المرة ليسوا المسيحيين بل سواهم، ربما قاصداً بذلك أهل الشيعة!

المعارضة مدعوة إلى التحسب لكل هذه المخاطر والتحديات ومواجهتها. كذلك عقلاء قوى 14 آذار.


"الأخبار"

التعليقات