31/10/2010 - 11:02

أنطوان شلحت وواحة الشاباك/ وليد ياسين

أنطوان شلحت وواحة الشاباك/ وليد ياسين
لم نكن بحاجة إلى قيام السيد إيهود اولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة، بتوقيع أمر منع الكاتب والناقد الزميل أنطوان شلحت من مغادرة إسرائيل لمدة عام بالكامل، كي يتأكد لنا زيف الديموقراطية الإسرائيلية المزعومة، وزيف مقولة "واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" التي يتغنى بها الإسرائيليون من على كل منبر. فقد اثبت توقيع أولمرت ومن قبله شارون على هذا الأمر، أن الديموقراطية الاسرائيلية إن كانت قائمة فهي ليست إلا لجانب واحد من سكان هذه البلاد، من جهة، وليست إلا شعارا كاذبا تلوح فيه إسرائيل في دفاعها عن سياسة التمييز العنصري المنتهجة ضد الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل منذ أكثر من نصف قرن.

لقد أعاد امر منع الزميل شلحت من مغادرة البلاد إلى الأذهان سياسة الحكم العسكري الذي فرض على الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل لقرابة 20 عاما بعد نكبة 48، ومنع الفلسطينيون بموجبه من الانتقال حتى من بلدة إلى أخرى إلا بأمر من الحاكم العسكري، كما أعاد إلى الأذهان سياسة الرقابة سيئة الصيت التي منحت الرقيب حرية منع نشر مؤلف أو حتى مقطوعة أدبية أو صحفية بحجة الخطر الأمني المزعوم، كما هو الحال في حالة الزميل أنطوان شلحت.

والحقيقة هي أننا لم نسمع منذ قيام إسرائيل عن إصدار أمر مشابه لأمر المنع الصادر بحق الزميل أنطوان شلحت، ضد أي أديب أو كاتب يهودي، ولا حتى ضد أي مواطن يهودي، باستثناء عدد قليل تخشى إسرائيل أن يكشفوا ما في صدورهم عن زيف ديموقراطيتها وسياستها العدوانية، كما حدث في قضية خبير الذرة مردخاي فعنونو على سبيل المثال. وما الادعاء بأن أمر المنع ضد الزميل أنطوان شلحت صدر بسبب التخوف المزعوم من أن يؤدي سفره إلى مساس بأمن الدولة إلا أكذوبة واهية، تصبح مثيرة للسخرية خاصة والحديث عن كاتب كرس القسم الأكبر من كتاباته وترجماته الأدبية والسياسية والفكرية لترجمة مؤلفات كبار الكتاب الإسرائيليين كحانوخ ليفين ويهوشواع سوبول وعاموس عوز. فعن أي خطر أمني يتحدث اولمرت، وقبله شارون ورجالات أجهزة الشاباك الذين اعتمد عليهم هذا الأمر.

الحملة ضد الزميل انطوان شلحت لا تستهدفه شخصيا، ولا تتوقف عنده، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية حملات منظمة اخرى ضد حملة الأقلام الفلسطينيين في إسرائيل، شملت منعهم من دخول المناطق الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، ومنعهم من السفر الى الخارج، ومنع نشر مؤلفات أدبية ومقالات صحفية بالحجة الواهية اياها. وخلال الأشهر الأخيرة تعرض عدد من الصحفيين العرب الى التحقيق لدى اجهزة الشاباك والشرطة الاسرائيلية، ايضا بمزاعم واهية، كالاتصال بجهات معادية او نشر مواد تزعم اسرائيل انها تحريضية. وكان عدد من المحررين في موقع "عرب 48" قد تعرضوا الى مثل هذه التحقيقات، كان آخرهم رئيس ادارة الموقع، الكاتب احمد ابو حسين. ولا ننسى المحاكمة الجارية لرئيس تحرير صحيفة "صوت الحق والحرية" واحد كتابها بزعم التحريض حين نشروا تفسيرا لآية وردت في القرآن الكريم. وطال التحقيق ايضا، احد الصحفيين الذي يراسل صحيفة عربية، وكاتبا آخر نشر مقالة عن الانتفاضة الفلسطينية في بداياتها. ولا ننسى المطاردات التي تعرض لها العديد من الأدباء والشعراء الفلسطينيين في الداخل ايام الحكم العسكري والزج بهم في السجون لنشرهم قصائد ونتاجات ادبية اعتبرتها الرقابة تحريضية!

من هنا فان امر المنع ضد الزميل انطوان شلحت وملاحقة الزملاء الصحفيين تستهدف الحركة الأدبية الفلسطينية في الداخل برمتها، تستهدف حرية الكلمة والتعبير عن الرأي التي تزعم اسرائيل تطبيقها، بل وتستهدف كل حملة الاقلام في العالم الذين يفترض ان تحميهم معاهدات حقوق الإنسان التي وقعتها اسرائيل وتزعم تطبيقها.

في دولة ديموقراطية حقيقية يمكن طرح ادعاء كهذا الذي يطرحه الشاباك بشأن "الخطر الأمني" المزعوم الذي "قد ينطوي عليه السفر إلى الخارج" فقط إذا اثبت أصحاب هذا الادعاء حقيقة "الخطر" المزعوم، بالأدلة والبراهين، وعلى القضاء أن يحسم ما إذا كان هذا الادعاء صحيحا أو واهيا. لكن في دولة يديرها الشاباك، ويمكن له أن يوجه تهمة "الاتصال بجهة "معادية" لأي شخص دون أن يلزم على إثبات ذلك، يصبح القانون والقضاء مجرد وشاح ترفعه "واحة الديموقراطية" للتستر على جرائمها بحق الكلمة الكتوبة. وحين يعتمد رئيس حكومة على ادعاءات كهذه، ويرفض كشفها، تحت ستار "السرية" يصبح هو أيضا في قفص الشك والاتهام.

لن تفاجئنا المحكمة العليا الإسرائيلية إذا ما قررت رفض الالتماس المقدم إليها بخصوص الزميل أنطوان شلحت، واختيارها تفضيل الإصغاء إلى مزاعم خفافيش الظلام على الاستماع إلى صوت العقل والمنطق ممثلا برسالتي الأديب سامي ميخائيل والبروفيسور ساسون سوميخ، المرفقة بالالتماس. ولعل كلمات الأديب سامي ميخائيل التي اعتبر فيها الكاتب انطوان شلحت "احد الجسور الهامة التي تربط بين الثقافتين الإسرائيلية والعربية" تبقى صرخة في واد عميق، كغيرها من الصرخات التي ضاعت في "واحة ديموقراطية الشاباك".

التعليقات