31/10/2010 - 11:02

أولمرت وملف الأسرى الفلسطينيين../ راسم عبيدات

أولمرت وملف الأسرى الفلسطينيين../ راسم عبيدات
الغريب هنا أن هناك في الساحة الفلسطينية، من يطرح نفسه خبيراً في الشؤون الإسرائيلية، ولكن نكتشف أن هذه الخبرة مثل خبرتي في علم الفلك.. وعلاقة هذا الحديث، هو عجز هؤلاء الخبراء عن فهم العقلية والذهنية الإسرائيلية، والتي منذ إقامة "إسرائيل" وحتى اللحظة الراهنة، وهي تلقي بفشل الجهود السلمية لحل القضية الفلسطينية على العرب والشعب الفلسطيني، ودائماً تقول إنه لا وجود لشريك فلسطيني، وهي تقصد بذلك أن يأتي قائد فلسطيني ويستجيب لكامل الشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية للتسوية، وحينها يصبح هناك شريك فلسطيني، ولكن هذا الشريك سيجد نفسه في تعارض تام مع الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، باختصار ما تريده إسرائيل وأمريكا، هو فلسطيني على شاكلة كرزاي أو المالكي أو أنطوان لحد وغيرهم .

وضمن هذه العقلية والذهنية الإسرائيلية القائمة على العنجهية والغطرسة، والتغطية والحضانة والحماية الأمريكية السياسية والعسكرية لها، وجعلها دولة فوق القانون، تتصرف مع الشعب الفلسطيني وقياداته، وتتعامل معهم وفق مبدأ الرشاوى والنجاح في الاختبارات والامتحانات الإسرائيلية. وأنا هنا بصدد الحديث عن ملف الأسرى الفلسطينيين، والذين تحتجزهم إسرائيل كرهائن ووسائل ضغط وابتزاز، وهي الجهة الوحيدة التي تقرر بشأنهم، من يطلق سراحه ومن لا يطلق سراحه، من منهم "يداه ملطخة بالدماء"، وفق تعابيرهم، ومن هو لا، ومن تطبق عليه المعايير الإسرائيلية ومن لا تطبق، وغيرها الكثير الكثير من الشروط التعجيزية والإذلالية.

وفي هذا السياق، وفيما يسمى بخطوات بناء الثقة، ودعم القيادة الفلسطينية، وفي إطار القمم المتواصلة بين "أولمرت" وعباس، والتي تأتي في إطار "في الحركة بركة" والعلاقات العامة، يطرح الجانب الإسرائيلي إمكانية الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيون، من ذوي الأحكام الخفيفة وممن شارفت محكومياتهم على الإنتهاء، ولكن حتى هذا الطرح سرعان ما يجري "لحسه" والتراجع عنه، لأن الطرف الفلسطيني لم ينجح في الامتحان، ولأن الظروف الأمنية والوضع الداخلي في إسرائيل، لا يسمحان بالقيام بمثل هذه الخطوة الصغيرة والبسيطة، وهذا ما حدث في قمة العقبة.

أما في قمة شرم الشيخ، والتي قال فيها "أولمرت" إنه سيقدم خلالها وكالعادة تنازلات مؤلمة للفلسطينيين، وإنه سيعمل على إطلاق سراح ( 250) أسيرا فلسطينيا من أسرى فتح، والذين "لم تتلطخ أيديهم بالدماء"، ورغم المقاصد والمرامي الخبيثة لهذا المقترح، والذي يشكل إهانة لأسرى فتح بتاريخها النضالي الطويل قبل غيرهم، وكذلك يستهدف شق وحدة الأسرى الفلسطينيين، وتحويل قضية الأسرى إلى قضية أسرى وفصائل، وأسرى يمكن إطلاق سراحهم وأسرى لا يمكن إطلاق سراحهم، وفق رؤية وفهم "أولمرت" وحكومته وهذا الطرح، كان الأجدر بالطرف الفلسطيني عدم التعاطي معه بالمطلق، والقول لـ"أولمرت" إن أسرى شعبنا هم وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، هم مناضلو حرية..

ولكن حتى إزاء هذا الطرح والذي جاء على أساس تدعيم وتقوية مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، فإن المؤشرات الأولية تقول، إن العنجهية الإسرائيلية، مازالت تنظر، ليس للفلسطينيين فحسب، بل ولكل العرب والمسلمين نظرة ازدراء واحتقار، المتطرف والمعتدل منهم، وإلا لما تجرأت الحكومة الإسرائيلية، وبعد أكثر من عشر سنوات على معاهدة السلام الإسرائيلية – الأردنية، أن تطرح أنها بصدد اتخاذ قرار لنقل أربعة من الأسرى الأردنيين، من السجون الإسرائيلية إلى الأردن لتمضية بقية محكوميتهم في السجون الأردنية، وهذا الملف الذي كان من المفترض إغلاقه حال توقيع المعاهدة الأردنية- الإسرائيلية.

وبالعودة إلى الـ(250 ) أسيرا فلسطينيا، فإن كل المؤشرات تقول إن كلام الليل يمحوه كلام النهار، وجاء في إطار ذر الرماد في العيون، وللاستهلاك المحلي، وسيجري التراجع عنه، تحت نفس الحجج والذرائع والتبريرات، بأن الوضع الأمني والأوضاع الداخلية في إسرائيل، والظروف الإقليمية لا تسمح بتنفيذ ما تم الوعد به، وكل الدلائل تشير لذلك، حيث أن موضوع إطلاق سراح الـ( 250 ) أسيرا فلسطينيا، لم يعرض على الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأسبوعية، بسبب عدم الإنتهاء من قائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم. وحسب المعلومات المستقاة من الصحافة الإسرائيلية، فإن مدير عام وزارة القضاء الإسرائيلي، عقد يوم الخميس الماضي، جلسة لبحث قضية الإفراج عن أسرى من حركة فتح، وشارك في الجلسة ممثلون عن قسم العفو في وزارة القضاء ومسؤولون في وزارة الأمن الداخلي وممثلون عن جهاز الأمن العام "الشاباك" وآخرون عن مصلحة السجون وممثلون عن الجيش وآخرون عن وزارة الأمن.

وما نفهمه من تشكيلة اللجنة التي تبحث المعايير للإفراج عن الأسرى، والتي ستعمل في وقت لاحق على إعداد قائمة الأسرى، أن تحرير كل أسير منوط بموافقة هذه الجهات جميعاً، الأمر الذي قد يشير إلى النتائج، وأثبتت تجارب سابقة أنه في مثل هذه الحالات سيكون المفرج عنهم، إما جنائيين أو من ضبطوا بدون تصاريح في البلاد أو أسرى أنهوا مدة محكوميتهم أو هي على وشك الإنتهاء.

كل هذا يبين مدى الاستهتار الذي تتعامل به الحكومة الإسرائيلية، والتي "أشبعتنا وأقرفتنا" حديثاً عن السلام والتنازلات المؤلمة مع هذا الموضوع الهام والحساس للشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي بات مقتنعاً أن هذا الطريق ليس هو السبيل لتحرير الأسرى الفلسطينيين، وأنه من الهام جداً طرق سبل وطرق أخرى أثبتت نجاعتها في تحرير الأسرى، ومن يريد الإستمرار في هذا النهج، فعليه أن يعي تماماً، أنه بدون تغيير جدي وجوهري في الإستراتيجية التفاوضية، فإن هذا النهج والتوجه لن يقود لا لتحرير أسرى ولا أوطان. فإذا كانت مسألة إطلاق سراح ( 250 ) أسيرا، من ذوي الأحكام الخفيفة بحاجة لكل هذه الإجراءات والتعقيدات، والتي ربما في النهاية لن تسفر عن شيء، فكيف بحال إطلاق سراح ( 11000 ) أسير فلسطيني، بينهم أكثر من ألف تتعدى أحكامهم العشرين عاماً؟..

على المراهنين على حسن النوايا الإسرائيلية، وما يسمى بالتنازلات المؤلمة، طيّ هذه الصفحة والبحث عن بدلائل جدية تفضي لتحرير أسرى شعبنا، فالقيادة الإسرائيلية والإسرائيليون غير ناضجين أو مستعدين لإقامة سلام حقيقي مع الشعب الفلسطيني، بل يحلمون بأن يأتي جلبي أو كرزاي فلسطيني، يستجيب لشروطهم وإملاءاتهم..

التعليقات