31/10/2010 - 11:02

أية واحة للديمقراطية؟../ فيصل جلول

أية واحة للديمقراطية؟../ فيصل جلول

بدا هوشيار زيباري منتشياً بعيد الإدلاء بصوته في الانتخابات العراقية الاخيرة إذ قال “.. العراق واحة في صحراء من الشمولية والديكتاتورية”، في إشارة الى العالم العربي الاسلامي.

ولعل اندفاع الوزير الدائم للخارجية العراقية منذ الاحتلال وربما الى أجل غير مسمى جعله ينسى أن تركيا جارة العراق الشمالية تخوض تجربة فريدة مع رجب طيب اردوغان يراها “اساتذة الديموقراطية” في الغرب نموذجاً جديراً بالاتباع، ولعله نسي أيضاً ان إيران جارة العراق الأخرى، مازالت تعيش جدلاً محموماً حول نتائج انتخابات شارك فيها عشرات الملايين، وإن اختلفوا من بعد حول هوية الفائز.

ولربما كان يجدر بزيباري ان يحترم حقوق الملكية الفكرية فيشير إلى أن “خلاصته” أعلاه هي تكرار حرفي لما يجهر به دعاة الايديولوجية اللبنانية المتزمتة والمتغربة، وهم السباقون الى القول حرفياً أن لبنانهم “واحة في صحراء عربية شمولية وديكتاتورية”.

وقد يكون زيباري معذوراً في إهماله دواعي التحفظ التي تقتضيها وظيفته. ذلك بأن العديد من وسائل الإعلام الأجنبية كانت ومازالت تروج أحكاماً هزلية من الطراز نفسه شأن ال”فيغارو” الفرنسية (7مارس) التي قالت حرفياً: “لقد أعطى العراقيون درساً في الديمقراطية للعالم عبر التصويت بكثافة رغم أجواء العنف التي تمثلت بعدد من الانفجارات الدموية”.

ولعل الوزير العراقي يفتخر بهذا التقدير الوارد من خارج “الصحراء” العربية وقد لا يجد غضاضة أيضاً في مدونة تعليمات نشرها قبل يومين من الاقتراع النائب ستيوان ستيفنسون رئيس البعثة الأوروبية التي ترعى العلاقات مع العراق إذ قال حرفياً “أطلب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ان يعتنوا بمراقبة الانتخابات العراقية وأن يشجبوا كل حالات التدخل الأجنبي في صناديق الاقتراع، وأطلب أيضاً من كل الأحزاب والشخصيات والمرشحين والسكان العراقيين ان يزودوني بمعلومات عن التزوير في الانتخابات على بريد الكتروني محمي، وأن يحددوا أماكن التزوير وظروفه وأن يزودوني بالوثائق اللازمة إن أمكن”، أي أن ستيفنسون الأجنبي الكامل الأوصاف يريد أن يقتصر التدخل في “الواحة العراقية” على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن تكون لجماعته الأجنبية الحقوق الحصرية في التدخل في شؤون هذا البلد العربي والمسلم وتؤيده صحيفة “لوبوان” الفرنسية (1 مارس) التي تقول ان “الانتخابات العراقية تنطوي على رهان بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة القوة المحتلة وإيران جارة العراق”.

وتشير اسبوعية “الاكسبريس” (2 مارس) إلى أن الانتخابات العراقية “تدق ساعة الحقيقة لباراك أوباما” وليس لتغيير مصير العراق والعراقيين شأنها شأن الانتخابات الديموقراطية الحقيقية.

بيد أن من سوء حظ الوزير العراقي المبتهج أن الغربيين لا ينافقون كلهم في وصف “الواحة” العراقية فها هي صحيفة “ليبراسيون” تتحدث عن خطر الديكتاتورية في “العراق الجديد” اذ تقول في (6 مارس) حرفياً.. البعض يؤكد ان المالكي صار مفرطاً في قوته وأنه قد يتحول إلى ديكتاتور جديد.

وتنقل صحيفة “لومانيته” عن وزير عراقي آخر هو رائد فهمي”.. لقد منحت مبالغ مالية ضخمة لبعض اللوائح.. والانتخابات لن تنطوي على تغيير أساسي في مصير العراق”. في حين ترى “سيبر برس” الكندية (5 مارس) ان عمليات شراء الأصوات ضربت أرقاماً قياسية وهي تتم أحياناً “بواسطة الأسلحة والدجاج المثلج”.

وتذهب الصحيفة الشعبية الواسعة الانتشار “رو 89” في عددها الصادر في (6 مارس) إلى أبعد من ذلك إذ تنقل عن ناشط في حقوق الانسان حكماً مفاده أن حال العراق اليوم اسوأ مما كان عليه في ظل صدام حسين.. “بلد مدمر. لم يعد يحتوي على بنية تحتية ولا تربوية ولا صحية ولا أمنية. هناك أربعة ملايين لاجئ ومليونا قتيل وآلاف حالات الاغتصاب والسجن التعسفي”. في حين يؤكد راديو الفاتيكان (6 مارس) “.. تعاني الأقليات الدينية في العراق أوضاعاً شديدة المأسوية تنطوي على الملاحقات والتعذيب والاغتيالات”. وتطالب صحيفة “لاكروا” (2 مارس) “أوقفوا مذبحة المسيحيين في العراق”. وفي المحصلة لا ترى صحيفة “الاومانيته” (7 مارس) أن الانتخابات ستعجل في جلاء الأمريكيين عن بلاد الرافدين”.. لا أحد يعتقد جدياً أن واشنطن سترخي قبضتها الحديدية عن هذا البلد الذي اجتاحته في العام 2003. ستكون هناك قواعد عسكرية أمريكية دائمة على مقربة من الحدود السورية والإيرانية، وهي جزء لا يتجزأ من بنية عسكرية أمريكية اقليمة في المنطقة”.

تلك هي ملامح “الواحة” العراقية كما رسمتها وسائل إعلام غربية من خارج الصحراء العربية “الديكتاتورية والشمولية”، وهي غيض من فيض ما نعرفه نحن العرب عن مآسي العراق والعراقيين.
"الخليج"

التعليقات