31/10/2010 - 11:02

إخلاء الشرق الأوسط من أعداء "إسرائيل"../ عصام نعمان

إخلاء الشرق الأوسط من أعداء
تحرص الولايات المتحدة، في مختلف عهود رؤسائها، على إعطاء “أمن “إسرائيل”” أولوية مطلقة. تكاد تعلن أنه العمود الفقري لسياستها الأمنية والخارجية، وأن موقفها من كل التطورات الحاضرة والآتية يُقاس بمعيار أساس هو مدى انعكاسه، سلباً او إيجاباً، على أمن “إسرائيل”.

ليس أدل على هذه السياسة الثابتة التي ترقى الى مصاف العقيدة الدينية من موقفها إزاء قضيتين بارزتين: إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وتمديد العقوبات على سوريا ومنع ايران من امتلاك قدرة نووية.

القضية الأولى هي أحد أهم محاور المباحثات التي تدور في الدورة الثامنة لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر السلاح النووي المنعقد في مركز الأمم المتحدة في نيويورك منذ أيام والمنتظر أن يستغرق شهراً كاملاً. في خطابها أمام المؤتمر أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها “تدعم الجهود الرامية الى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”. لكن خلال لقائها مع الصحافيين لاحقاً قالت: “إنه نظراً لعدم وجود سلام شامل في المنطقة وبسبب المخاوف من عدم امتثال بعض البلدان لضمانات معاهدة عدم الانتشار، لا توجد ظروف ملائمة لمثل هذه المنطقة (منطقة خالية من الأسلحة النووية) حتى الآن”.

ما لم تقله للصحافيين لم تتأخر كلينتون عن قوله لممثلي المجموعة العربية في الأمم المتحدة وهو التمسك بورقة العمل التي توصلت إليها واشنطن وموسكو خلال شهر مارس/آذار الماضي حول ربط تحقيق مطلب إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي بتحقيق سلام شامل في المنطقة.

بعبارة أخرى، لا إخلاء للشرق الأوسط من أسلحة “إسرائيل” النووية قبل توصل العرب الى سلام شامل معها. وبما أن “إسرائيل” تتمسك بشروطها شبه المستحيلة لإقرار السلام المطلوب، فإن مطلب إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية بات يتوقف عملياً، وبالدرجة الأولى، على إخلائها من أعداء “إسرائيل”.

الحقيقة أن طرح مطلب إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية أربك مساعي الولايات المتحدة و”اسرائيل” الرامية الى جعل ايران “النووية” هي الخطر الأول الذي يواجه دول المنطقة، وذلك في محاولة مكشوفة لصرف أنظار الجميع عن القضية الأساس وهي الصراع العربي- “الإسرائيلي”. لهذا السبب امتنع رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو عن المشاركة في الاجتماع التحضيري للمؤتمر الحالي الذي انعقد في شهر مارس/آذار الماضي لتفادي حرج كان سينجم عن إثارة الدول العربية والإسلامية مسألة سلاح “إسرائيل” النووي.

لتبرير عدم حضورها، ولفك حرجها اعتمدت “إسرائيل”، وتبنّت الولايات المتحدة، موقفاً مفاده أن التفاوض حول السلاح النووي “الإسرائيلي” مؤجل الى ما بعد إنجاز السلام الشامل في المنطقة. ولإنجاز هذا السلام يقتضي إزالة العقبات من طريقه. هذه العقبات تتمثل، في رأي الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بكلٍ من سوريا وايران.

حيال سوريا، عادت الولايات المتحدة الى سياسة التشدد التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن المتمثلة بقانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان(!). ومع أن باراك أوباما أظهر، بادىء الأمر، مشاعر إيجابية تجاه دمشق وأوفد مبعوثين عدة إليها، ثم عيّن روبرت فورد أول سفير لواشنطن بعد تجميدٍ للعلاقات الدبلوماسية دام نحو خمس سنوات، إلاّ ان “حليمة عادت الى عادتها القديمة” إذْ جرى استئخار المصادقة على تعيين فورد في مجلس الشيوخ، وأعقبه تصعيد في انتقاد سوريا لموقفها السلبي من استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، الى أن بلغ التصعيد ذروة جديدة بالإعلان عن تمديد العقوبات بحقها سنة جديدة.

كيف بررت واشنطن فعلتها الأخيرة؟

اتهمت دمشق بدعم “مجموعات إرهابية، والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتطوير البرامج الصاروخية ما يشكّل تهديداً استثنائياً للأمن القومي الأمريكي”.

هل يعقل أن تهدد سوريا الأمن القومي الأمريكي؟ الجواب: نعم، طالما أمن “إسرائيل” بات جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، والعكس يصحّ ايضا!

المسؤولون الأمريكيون لم يخفوا سبباً آخر رئيساً لتمديد العقوبات إذْ أكدوا في الكواليس لدبلوماسيين عرب وحتى لبعض الإعلاميين أن تزويد سوريا حزب الله أسلحةً متطورة وصواريخ هو “أحد الأسباب الرئيسة وراء القرار”.

هكذا تتضح، دونما مواربة، الصلة السببية الحميمة بين فعلة الولايات المتحدة وأمن “إسرائيل”.

الأمر نفسه ينطبق على إيران. فواشنطن تعلم، كما تل أبيب، أن طهران لا تمتلك قنبلة نووية وقد لا تكون راغبة في امتلاكها، لكن قيام تحالف دفاعي بينها وبين سوريا من جهة وبينهما وبين حزب الله وحركة “حماس” من جهة أخرى، واحتمال أن ينطوي هذا التحالف على الرد بحرب شاملة ضد الكيان الصهيوني اذا ما شن الحرب على أي من أطرافه، كل ذلك كان كافياً في نظر واشنطن، ومن ورائها تل أبيب، لاعتباره تهديداً لأمن “إسرائيل”.

فعلة إدارة أوباما الاخيرة ترسم علامة استفهام، الى جانب علامات استفهام أخرى، حول جدوى ما يسمى محادثات التقريب بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية. فإلى التحفظات وأجواء التشاؤم التي تصدر عن أوساط “إسرائيل” السياسية والإعلامية حول جدية هذه المحادثات، فإن السؤال المطروح هو: ما جدوى المحادثات والمفاوضات حتى في حال نجاحها طالما أمريكا و”إسرائيل” تعتبران السلام الشامل في المنطقة معلّقاً على تغيير سياسة سوريا، وربما على محاولة تغيير نظامها، وعلى منع ايران من امتلاك أسلحة نووية؟

ما جدوى أي مفاوضة مع “إسرائيل” أو انفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة ما دامت هاتان القوتان الإقليميتان والدوليتان تريدان إخلاء المنطقة، بشكل أو بآخر، من كل ما يعتبره الكيان الصهيوني العنصري عدواً له؟
"الخليج"

التعليقات