31/10/2010 - 11:02

إرشادات من أمريكا لتخريب الديمقراطية../ جميل مطر*

إرشادات من أمريكا لتخريب الديمقراطية../ جميل مطر*
كنت أحد الذين حذروا أصدقاء في أوروبا والولايات المتحدة من أن مسيرة الإصلاح الديمقراطي في الدول العربية ستتخللها عقبات أكثر من تلك التي تخللت المسيرة في أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا. لم نكن نتنبأ ولم نكن من المتشائمين. تصادف فقط أن بعضنا قضى وقتاً لا بأس به يتابع تجارب شعوب أخرى قررت من نفسها أو طلبوا منها أن تقرر بنفسها القفز فوراً فوق مراحل تاريخية متعددة والاستعداد لمواجهات شرسة مع خصخصة وعولمة وتجارة حرة وحدود مفتوحة والتضحية بأغلبية المواطنين في سبيل سعادة أقلية ورخائها. وكنا، مثل غيرنا في هذه المنطقة، نعرف قدر المشكلات الإقليمية والصراعات والفتن الداخلية وحجم الغضب والتشنج في كافة مجتمعاتنا العربية. ثم إننا لم نكن غافلين عن حقيقة موروثة، وهي إدراكنا لمكانة السلطة والنفوذ والجاه بين أولويات كل المجتمعات وبشكل خاص في مجتمعاتنا.

مرت سنوات على التحذيرات التي أطلقناها من دون أن نفقد الأمل في معجزات قد تحدث تكشف أننا أخطأنا في القراءة واستخلاص النتائج. لم نفقد الأمل رغم الضعف الذي كان ينتاب هذا الأمل في كل مرة صدر عن إدارة الرئيس بوش وحكومات أخرى في غرب أوروبا تشريع أو إجراء يحد من حريات المواطنين ويتدخل في حياتهم الشخصية ويحمي شياطين التعذيب في معتقلات العراق وجوانتانامو والسجون السرية في عواصم متعددة، ويقوي ساعد أجهزة الأمن الداخلي بحجة محاربة الإرهاب، نحن لم نفقد الأمل ولكن يبدو أن آخرين في دول الغرب الديمقراطية الليبرالية هم الذين فقدوه.

ذهب واحد من هؤلاء مذهباً فريداً، إذ قام برصد عدد من الممارسات الأمريكية في مجالات الانتخابات، والإعلام ونشاط الأحزاب والتربية الوطنية وفي الاقتصاد والتعليم والتنمية الاجتماعية وخرج بخلاصة حقاً مثيرة. سجلها في مقال تحت عنوان “كيف تمحو الديمقراطية وتدمرها”. وفي سخرية لاذعة، وأحياناً مؤلمة، كتب “روب كول” عدداً من الإرشادات قدمها كنصائح إلى أعضاء الفئات والجماعات المعادية للحريات والديمقراطية، وهي على سبيل المثال الفاشيون والمستبدون وقادة الشركات العملاقة وأنصار التدخل العسكري في الحكم، والامبرياليون والمحافظون الجدد والقيادات اليمينية المتطرفة وقادة حركات تسييس الدين والإرهابيون. أما الإرشادات والنصائح فكانت في حقيقتها هي نفسها الظواهر التي سبق وقام المؤلف برصدها، وجاء بعض منها في شكل الإرشادات التالية:

1 زيفوا الانتخابات بإخفاء سجلاتها وتطهير قوائم الناخبين والتشويش على الاتصالات الهاتفية واستبدال سجلات زائفة بسجلات رسمية مثلما حدث في ولاية فلوريدا وأوهايو خلال انتخابات عام 2000 التي جاءت بالجمهوريين إلى البيت الأبيض.

2 قلصوا الحقوق الدستورية واخرقوا القوانين والمعاهدات، تحججوا بأن البلاد تتعرض لأخطار جاثمة تهدد الأمن القومي، وأن اتفاقيات دولية معينة تهدد “اقتصادنا وسلامة أمتنا”. ادفعوا أجهزة الإعلام نحو إثارة حالة هستيريا وخوف، وكلفوا نواباً تابعين لكم في المجالس التشريعية اقتراح قوانين مقيدة للحريات بأثر رجعي وتقنين الإجراءات الاستثنائية المخالفة للأعراف والدستور، وحقوق الإنسان فتصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية للدولة. لا تخجلوا من اتهام من يقف ضد مشروعكم لتقييد الحريات وتعطيل الدستور بتهمة خيانة الوطن، أو العمالة لقوى أجنبية أو لجماعات مصالح خاصة، كما حدث في الولايات المتحدة مع بعض أقطاب المعارضة للحرب ضد العراق.

3 دمروا الاقتصاد ولكن بتدرج. استخدموا مبدأ الصدمات ورأسمالية الكوارث إلى الحد الذي يجعل قلق الناس يتركز كله على غريزة البقاء من يوم ليوم ولا يفكرون في الديمقراطية لمستقبلهم أو مستقبل أوطانهم. أثبتت ناعومي كلاين الكاتبة الإنجليزية المعروفة بالوثائق أن الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، وهو الأب الروحي “للفاشية الأمريكية” الجديدة، استخدم هو وأعوانه هذه الاستراتيجية لتدمير الديمقراطية فيما لا يقل عن اثنتي عشرة دولة، واستعان في حالات معينة بوكالة المخابرات الأمريكية لتنفيذ بعض الصدمات كالانقلاب وإثارة الفتنة والفوضى ونشر الاضطرابات.

4 خصخصوا الأمة بأن تشرعوا قوانين تمنح الشركات حقوقاً كالإنسان. اسمحوا للمسؤولين عن هذه الشركات ورجال الأعمال بتلويث الحملة الانتخابية والتدخل فيها والإنفاق عليها وتكليف عمالها وموظفيها بالتصويت لمرشح أو حزب بعينه، وفي النهاية تصبح “النقود” هي العامل الحاسم في العملية الانتخابية وصنع رأي الناخب. واطلبوا من المشرعين التابعين للحكم وضع قوانين تزيد من قوة الشركات وتسحب من قوة المواطنين تحت اسم قوانين إصلاح الانتخابات.

5 أعيدوا تنظيم قطاع الإعلام ليسمح بمزيد من سيطرة رجال الأعمال والشركات الكبرى على الرسالة الإعلامية. ابذلوا جهوداً حقيقية من أجل أن يفقد المواطن اهتمامه بالقضايا السياسية الحيوية، وذلك بأن توجهوا المسؤولين عن الإعلام الفضائي والإذاعي والمقروء إلى استخدام التكرار مرات عديدة في إذاعة الخبر حتى يمل المواطن ويفقد الاهتمام، أو بإغراقه ببرامج عن المشاهير من الفنانين والرياضيين وحوارات عن الاختطاف والاغتصاب والفضائح والقتل والإرهاب والأمراض غير المألوفة، والخرافات والقصص التاريخية المتكررة منذ وردت في الكتب المدرسية، حتى أصبحت هي نفسها مادة برامج تلفزيونية للكبار والشيوخ.

6 اعملوا حثيثاً على توسيع الفجوات بين الطبقات، وتأكدوا أنه توجد دائماً أعداد متزايدة من الجوعى الذين لا يجدون غذاء لائقاً والمرضى الذين لا يجدون رعاية صحية مناسبة، والمنشغلين طول اليوم بالبحث عن نقود يسددون بها الإيجار والملابس ومصاريف المدارس والخبز والدواء.

7 اغتنموا فرص الكوارث الطبيعية لإضعاف عناصر الديمقراطية. لا تقلقوا أو تنفعلوا بسبب الفيضانات والعواصف والحرائق التي تمحو أحياء وتهجر سكانها، وارفعوا أثمان الأرض التي دمرتها هذه الكوارث واعرضوها للبيع لشركات العقارات الكبرى، لإقامة منتجعات ومشاريع إسكان فاخر عليها. استفيدوا من الكوارث كفرص لإنفاق أموال دافعي الضرائب لمكافأة الحلفاء السياسيين من رجال الأعمال وغيرهم.

8 ازرعوا الخوف في قلب الثقافة والمجتمع، قولوا ورددوا إنكم تحاربون الإرهاب، ولكن لا تتوقفوا عن التخطيط وممارسة السياسات الخارجية والداخلية الدافعة لنشأة الإرهاب أو تقويته، تماماً كما فعلت السياسة الأمريكية التي انتهجتها قوات الاحتلال في العراق وغيرها من مناطق الشرق الأوسط.
"الخليج"

التعليقات