31/10/2010 - 11:02

إعترافات/ إبراهيم مالك

إعترافات/ إبراهيم مالك
الخطاب الذي ألقاه النائب بشارة كان هادئًا وقصيرًا، وكان خاليًا من الضجيج والتحريض الأهوجين، يتمتع بمسؤولية الكلمة الملقاة وعمق التحليل.
خاطب عقول الحاضرين، قبل مشاعرهم، مؤكدًا على تجربة الأقليات القومية في البلدان الأخرى وتجربة الواقع المحلي.

زار النائب التجمعي الدكتور عزمي بشارة كفر ياسيف، يوم الاثنين الماضي، ليخطب في اجتماع حي (الحارة الشرقية) عشية الانتخابات. وقد مرّ في طريقه الى الاجتماع ببيتي ليطمئن ويسأل عن أحوالي الصحية. ولكن وجدني سبقته لحضور الاجتماع، قبل الموعد، لأصعد الدرج بقواي الخاصة الى الطابق الثاني، مكان الاجتماع، والجلوس في الصف الاول قريبًا من باب الخروج، تحسبًا لأيّة أعراض صحيّة مفاجئة ومزعجة قد تلمّ بي..

صافحته وأصغيت باهتمام الى ما سيقوله في هذا الاجتماع، في هذا الظرف السياسي المشحون والمعقد. وكانت هذه عادتي، منذ زمن، الاصغاء احترامًا للمتكلم، لشخصه، ولأستزيد معرفة وتجربة.

كان الحاضرون في الاجتماع ممثلي شرائح اجتماعية مختلفة ومتنوعة. وهذا شيء مفرح بحد ذاته. أعرف الحاضرين جيدًا، فهم أبناء الحارة التي أسكنها طويلاً وأبناء بلدتي أعرفهم شخصيًا بحكم عملي السياسي والاجتماعي الطويل في السابق. فكانت قلة منهم مناصرة للجبهة وربما القائمة الموحدة وكان فريق مناصر للتجمع ولكن الأكثرية كانت احتياطيًا، شرائح غير ملتزمة حزبيًا و فكريًا تنظيميًا، فكانوا مهيئين، مزاجًا وعقلاً، لسماع الكلمة الصادقة، المتفائلة والمشجعة وتأييد من يعبر، أصدق تعبير، عن مكنونات نفوسهم وطموحهم المجتمعي وعن مصالحهم الحقيقية، الشخصية والوطنية، في هذه البلاد.

وقد لفت انتباهي أن الخطاب الذي ألقاه النائب بشارة كان هادئًا وقصيرًا، لكنه مقنع وبعيد عن البلاغة الخطابية المنمقة، التي وان أعجبتك ألفاظها الا أنك سرعان ما تنسى مضمونها ومرادها. وكان خاليًا من الضجيج والتحريض الأهوجين، يتمتع بمسؤولية الكلمة الملقاة وعمق التحليل. خاطب عقول الحاضرين، قبل مشاعرهم، مؤكدًا على تجربة الأقليات القومية في البلدان الأخرى وتجربة الواقع المحلي.

وقد سمحت لنفسي أن أسرّ له في نهاية الاجتماع أنني استفدت من خطابه في عمل أعكف عليه.

وحين عدت الى البيت حدثتني زوجتي عن الزيارة القصيرة. وقد رأيت فيها التفاتة انسانية كريمة. وكان النائب بشارة زارني في البيت بعد مرضي ويبدي اهتمامًا مشكورًا بتطور أحوالي الصحية. وقد قدرت في حينه زيارته لي وقلت في سرّي إنني لن أنسى هذا الموقف، خصوصًا وأن نوابًا آخرين أعرفهم جيدًا لم يجدوا الوقت للسؤال، مجرد السؤال هاتفيًا، عما أصابني وكانوا في كفر ياسيف أكثر من مرّة وفي أكثر من مناسبة. ولكن لم يجدوا وقتًا لمجرّد السؤال!!

منذ سنين تعلمت ألا أطلب من أحد أكثر من وسعه.
وقد وجدتني أعترف أمام نفسي أنني حين مرض عزمي وأجريت له عملية لم أزره، حادثته تلفونيًا في حينه، هو وأخاه مروان بشارة، وكان يفترض بي، هذا ما تمليه انسانيتي، أن أزوره.

وقبل مدة وجيزة اتصلت بي فتاة وسألتني: أي نائب يعجبك عمله. أذكر أنني أجبت بلا تردد: النائب بشارة. وكانت سألتني لمن ستصوت في الانتخابات القادمة، أجبتها بعد تفكير: حقيقة أنا في حيرة من أمري، لم أحسم تفكيري، فأنا أتأرجح بين التجمع والجبهة. كنت صادقًا مع نفسي، ومع الفتاة ومع كثيرين ممن طرحوا السؤال ذاته. وكنت دائمًا شديد الوضوح فلا يعقل أن أكون مناصرًا للسلطة قديمًا وحديثًا.

وقبل أيام اتصل بي عصام خوري وطلب مني أن أنضم الى عشرات الكتاب في التوقيع على بيان لنصرة الجبهة، اعتذرت ولم أوقع وأكدت له ما لم أخفه يومًا أنني شيوعي في فكري. وكنت حتى ذلك اليوم لم أحسم أمري. وحين رأيت بعض الأسماء ممّن وقعوا البيان حزنت في داخلي وشعرت براحة فكرية وضميرية وأدبية أنني لم أكن بين الموقعين.

ولكن في الأيام القليلة الماضية حسمت أمري، وأنا مرتاح فكريًا ووطنيًا وانسانيًا وشخصيًا لذلك: سأصوت للتجمع. أعرف ان التصويت لا يرتبط بعواطف شخصية، لكن حين يقرر المرء الاختيار، ويكون خياره سليمًا، فان العواطف الشخصية الانسانية تكون حاسمة عندها. تجربتي الحياتية لا تسمح لي بأن أسفه أحدًا أو أن أتملق لأحد، وكنت قررّت الابتعاد، قدر المستطاع، لأسباب تتعلق بصحتي، عن السياسة السيّارة واليومية، وان كنت أدرك في قرارة نفسي أنني ملتزم فكريًا وأدبيًا وأبحث باستمرار وجد عن الحقيقة.

فلن أكون في هذه الانتخابات على السياج، عقلي ووعيي وضميري يدفعني لذلك. اعرف محدوديتي الصحية وكوني مقعدًا وعاجزًا عن الحركة السليمة ،لكنني لم أفقد القدرة على الكتابة عن حقيقة ما اعتقد بصوت كتابي حاسم ومسموع:

التجمع فكرة وطنية مجتمعية جديرة بتثبيتها ودعمها بكل القوى الخيرة. سأنزل، يوم الانتخابات، بقواي الخاصة، أدبّ على عصاي، أدلي بصوتي، في محاولة متواضعة، لنصرة هذه الفكرة.

التعليقات