31/10/2010 - 11:02

إنها انتفاضة الأغنياء../ خالد خليل

إنها انتفاضة الأغنياء../ خالد خليل
ما يسمى بانتفاضة الإصلاحيين في إيران، ورغم كونها تحمل مطالب إصلاحية عديدة، فهي بعيدة كل البعد عن الإصلاح الحقيقي وهذا يعود إلى:

أولاً: القيادة الإصلاحية هي نفسها القيادة التي كانت في السلطة حتى عام 2005.

ثانيًا: هذه القيادة كان لها على الدوام وجهة نظر مختلفة عن ما يسمى بالمحافظين داخل إيران، خاصة فيما يتعلق بالإدارة الاقتصادية للبلاد والتي تتبنى أفكارًا ليبرالية اقتصادية تدعو إلى التشابك مع الاقتصاد الرأسمالي، واستتبع هذه الأفكار أفكار حول حوار الأديان والحضارات والتواصل مع الغرب وفقًا لتنظيرات رفسنجاني قائد الإصلاحيين الحقيقي ومُنظرهم..

ثالثًا: إن كون الإصلاحيين والمحافظين على السواء أبناء للثورة الإيرانية الخمينية، لا يعني بأي حال من الأحوال أن الصراع بينهما هو داخلي وضمن سقف الثورة وأهدافها... والثورة الإيرانية لم تكن وليس من الطبيعي أن يكون أفرادها ينتمون إلى نمط اجتماعي واحد يخضع لأوصاف وسمات واحدة، بل فيها منذ بدايتها لقاء لأنماط مختلفة، فيها الثوري والانتهاري والغني والفقير، فيها الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا، فيها المساواتيون، فيها الفردانيون والقدريون، وفقًا للتقسيم الاجتماعي الحديث.

رابعًا: بغض النظر عن طبيعة النظام الإيراني، شمولي أو غير شمولي، فإنّ "الإصلاحيين" ليسوا هم العنوان لمعارضته على أساس أنه نظام "قمعي وديكتاتوري"، لأنهم عندما كانوا في السلطة كانوا أشد قمعية وقتلاً وإعداما لكل من هو معارض.

خامسًا: السِمة المميزة لحكم الإصلاحيين كانت الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة والاستئثار بموارد البلد من قبل طبقة محددة تسلقت باسم الثورة فاكتنزت مالاً وجاهًا.

سادسًا: بغض النظر عن النقد الذي يمكن توجيهه لأحمدي نجاد والأخطاء السياسية التي ارتكبها، فإنّ الرجل اتسم بالصدق والنزاهة والاستقامة ومحاربة الفساد، ليس فقط في رئاسة الجمهورية وإنما أيضا منذ كان عمدة طهران. وإذا كان رفسنجاني حاز على لقب "صانع الملوك" بسبب نفوذه وقوته وقدرته على التأثير داخل المؤسسة الإيرانية وأصبح منذ 2007 رئيس مجلس خبراء الأمة الذي باستطاعته فعل الكثير (بما في ذلك استبدال الولي الفقيه – المرشد العام للثورة)، فإنّ أحمدي نجاد استحق لقب "أبو الفقراء" ومجتث الفساد، ونضيف: "صانع المجد ومحيي روح الثورة الإيرانية".

سابعًا: إن انضمام الطبقة الوسطى إلى الانتفاضة الحالية ليس بالضرورة تأكيدًا على أنها إصلاحية وذات مضمون ديمقراطي، حتى وإن حاول الإصلاحيون فتح ملف الولي الفقيه وإزالة الطابع القداسي عنه، ومحاولة تصوير الخلاف على أنه خلاف حول الدستور وذو بعد ديمقراطي. قد يكون هذا حقًا من الناحية المجردة، لكنه في حالة الإصلاحيين محاط بألف علامة سؤال، لأنّ السبب الحقيقي في محاولة تحديد صلاحيات الولي الفقيه لم يكن في يوم من الأيام سببًا عقائديًا- فكريًا، بقدر ما يعود إلى أسباب مصلحية، فالقيادة الإصلاحية وبشكل خاص رفسنجاني يمثلون الطبقة الأكثر ثراءً في المجتمع الإيراني وارتبطت أسماؤهم في الماضي بكثير من ملفات الفساد التي فتحها محمود أحمدي نجاد.

إن الطبقة الوسطى الإيرانية شكلت أرضا خصبة بالنسبة للإصلاحيين في ظل الأوضاع الاقتصادية الطبيعية للبلاد والضغوط التي كما يبدو تحد من نمو هذه الطبقة وتطورها، وتساهم في عدم توفر الفرص الكافية لديها للانفتاح على الاقتصاد العالمي والرأسمالي تحديدًا، مما أتاح اللقاء بين مصالح هذه الطبقة وقيادة الانتفاضة، كما أتاح اللقاء أيضا مع المجموعات الشبابية التي ترنو إلى تغيير النظام الإسلامي واستبداله بنموذج ليبرالي وحياة غربية.

إذن هذه "الانتفاضة" ليست انتفاضة فكرية أو انتفاضة ديمقراطية ضد "القمع والدكتاتورية"، ولا هي نزاع بين المحافظين والإصلاحيين بالمفهوم الديني، ولا هي ثورة على مفهوم الولي الفقيه. ولنقل أن الدوافع الحقيقية لمحركي الانتفاضة على الأقل، مرتبطة إلى حدٍ كبير بمصالحهم الاقتصادية التي لا يمكن إخفاؤها من خلال استخدام الذرائع "الديمقراطية".

من الصعب التكهن بنتائج ما يحدث حاليًا في إيران، لكن من المؤكد أنه لا يمكن لهذه الانتفاضة مهما اتسعت رقعتها، إسقاط احمدي نجاد، الذي فاز بأغلبية ساحقة في الانتخابات (25 مليون ناخب)، ومن الخطأ مقارنة ما يحصل بثورة الخميني التي كان معظم الشعب خلفها وكانت ذات طابع ديني وسياسي وأخلاقي واجتماعي واقتصادي في آن. في حين أن الانتفاضة الحالية بالأساس ذات طابع اقتصادي رغم تماسها مع الأبعاد الأخرى.

وهي في الوقت نفسه ليست انتفاضة الغالبية من الشعب الإيراني، بل هي أقلية واضحة وبعيدة عن أن تصبح أغلبية، ولأنها تحديدًا متزامنة مع هجوم غربي كاسح على إيران تقوده أمريكا وبريطانيا، أي أن هذه الانتفاضة سياسيًا تصب في مصلحة المعادين لإيران والمشروع الإيراني، في أكثر المراحل حرجًا من تاريخ الصراع بين أمريكا وإيران، التي فرضت فيها نفسها على العالم كقوة لا يمكن تجاهلها وتوشك على تغيير المعادلات الإقليمية رأسًا على عقب لمصلحة المشروع المناهض للنهب الامبريالي.

التعليقات