31/10/2010 - 11:02

اتفاق الرف": استمرار الجري وراء رهان خاسر!../ هاني المصري

اتفاق الرف
كشف تقرير صحافي إسرائيلي نشر في صحيفة (هآرتس)، خلال الأسبوع الـماضي، أن أولـمرت طرح على رئيس السلطة "أبو مازن" في اجتماعهما الأخير التصوّر الإسرائيلي النهائي للحل، وأعرب عن اعتقاده بأن بالإمكان التوصل إلى اتفاق على أساسه خلال الفترة الـمتبقية من ولايته.

وأوضحت الصحيفة العبرية أن أولـمرت ينتظر رد "أبو مازن"، لكنها أكدت أن الهدف من الـمفاوضات هو التوصل إلى "اتفاق رف" يضع الأساس للدولة الفلسطينية، إلا أن تنفيذه سيؤجل إلى حين يستكمل الفلسطينيون الإصلاحات الداخلية، وإعادة سيطرة السلطة على غزة مجدداً، بحيث تكون قادرة على تنفيذ الالتزامات الفلسطينية الأمنية في الاتفاق، وعندها تقوم إسرائيل بإخلاء الـمستوطنين الذين سيبقون شرق الحدود "حدود الجدار" على مرحلتين بعد أن تكون قد ضمت الكتل الاستيطانية إليها. الـمرحلة الأولى وهي تنفذ طوعاً وتكون مع التوقيع على اتفاق الـمبادئ، حيث تبادر الحكومة الإسرائيلية إلى سن قانون "الإخلاء والتعويض الطوعي" للـمستوطنين الذين سيوافقون على الانتقال إلى منطقة أخرى أو إلى الكتل الاستيطانية التي ستضم إلى إسرائيل وفقاً لهذا الاتفاق. والـمرحلة الثانية عندما يستكمل الفلسطينيون الـمطلوب منهم وعندها يتم إخلاء ما تبقى من مستوطنين.

يتناول التصور الذي قدمه أولـمرت لـ"أبومازن" اقتراحاً مفصلاً لاتفاق مبادئ حول قضايا الحدود الدائمة واللاجئين والترتيبات الأمنية التي سيعمل بها بين إسرائيل والدولة الفلسطينية.

ولا يشمل التصور القدس والأغوار، رغم أنهما تشكلان حوالي 50% من مساحة الضفة، كما يرفض تحقيق حق العودة. وفي حين تضم إسرائيل إليها 7 % من مساحة الضفة فإنها تعرض على الفلسطينيين مناطق بديلة في النقب بمساحة تصل إلى 5ر5 % "منطقة نوعية" وتكون خاضعة للسيادة الإسرائيلية.

ويشمل التصور موافقة أولـمرت على عودة 20 ألف فلسطيني (ألفين كل عام لـمدة عشرة أعوام) إلى إسرائيل في نطاق"لـم شمل" وعلى أساس إنساني، رغم أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية سارع إلى نفي أنه وافق على عودة 20 ألف لاجئ إلى إسرائيل في إطار اتفاق مستقبلي، وهو يرفض عودة اللاجئين مهما كان العدد. كما يشمل التصور الإسرائيلي ترتيبات أمنية شاملة تفصيلية، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح بالكامل وألا يكون لديها جيش.

ردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية على الأنباء حول مشروع الاتفاق، تدل على أنه موجود. فصائب عريقات صرح تعقيباً على ما نشرته (هآرتس) بأنه "أنصاف حقائق" وقال في الوقت نفسه عبارات أخرى ينفي فيها الأمر جملةً وتفصيلاً. والناطق باسم الرئاسة أكد تمسك الرئيس بالثوابت الفلسطينية مع الإشارة إلى أهمية تواصل الدولة الفلسطينية جغرافياً، دون إشارة منهما إلى أن القضية الجوهرية هي أولاً وأساساً وقبل أي شيء آخر إنهاء الاحتلال للأرض والسكان والهواء وما تحت الأرض.

وما يعطي أهمية لهذه الأنباء أن كوندوليزا رايس قادمة في العشرين من هذا الشهر في زيارة تحمل الرقم 17. وهي مصممة على استكمال العمل لإنجاز اتفاق قبل نهاية فترة رئاسة بوش حتى تحقق إنجازاً لهذه الإدارة ولها تنهي به عهدهما الذي تميز بالحروب والدماء والإخفاقات الأميركية في كل مكان تقريباً في العالـم.

في الكواليس تقول مصادر فلسطينية إن القدس مطروحة على مائدة الـمفاوضات وإن الـمفاوضات تقدمت ولكنها لـم تصل إلى لحظتها الحاسمة.

وبصرف النظر عن التفاصيل، فإن ما نشرته (هآرتس) يعكس جوهر ما عرضته أو يمكن أن تعرضه الحكومة الإسرائيلية الحالية أو الحكومة التي ستليها. فأية حكومة إسرائيلية في ظل الخريطة السياسية الإسرائيلية القائمة الآن، والـمرشحة للاستمرار جوهرياً بعد أية انتخابات إسرائيلية مقبلة، تدل على أن أي عرض للتسوية سيشمل ضم الكتل الاستيطانية في القدس وبقية الضفة، وضم معظم القدس وإسقاط حق العودة وعدم العودة إلى حدود 1967وضم الأغوار أو استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها لفترة طويلة جداً من الزمن، ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

إن الفرق بين مواقف وبرامج الأحزاب الإسرائيلية الرئيسة ليس حاسماً ويكاد يتمحور حول أن تكون مستوطنات مثل (أرئيل وأفرات وعوفرا) البعيدة عن الخط الأخضر ضمن الكتل الاستيطانية التي ستضم إلى إسرائيل وتشمل (معاليه أدوميم وغوش عتسيون وغلاف القدس ومعراف شومرون) وحول عودة عشرين ألف لاجئ أو أكثر أو أقل في نطاق لـم الشمل إلى إسرائيل أو حول عدم عودة أي لاجئ كما تطرح تسيبي ليفني والـمرشحة للفوز بزعامة (كاديما)، وبالتالي بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الـمقبلة، وحول حجم ومساحة الأحياء العربية في القدس التي يمكن التخلي عنها في أية تسوية مقبلة؛ لذلك لا معنى على الإطلاق لأن تروج الصحافة الفلسطينية والعربية ومختلف وسائل الإعلام العربية أن العرض الإسرائيلي يتضمن استعداداً للانسحاب من ( 93+5ر5 = 5ر98 %) من الأرض. فإسقاط القدس والأغوار يعني أن الـمطروح فعلاً وفي أحسن الأحوال "الانسحاب" من 60%؛ لأن مساحة القدس الكبرى وفقاً للخرائط الإسرائيلية تصل إلى حوالي 20% ومساحة الأغوار إلى حوالي 30%. فيكفي تضليلاً لأنفسنا وتسويقاً لبضاعة إسرائيلية فاسدة.

إضافة إلى ما تقدم، فإن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح وهذا سابقة في التاريخ؛ لأن الـمتعارف عليه أن تكون هناك مناطق منزوعة السلاح أما دولة منزوعة السلاح فهذا هو العجب العجاب.

إن هذا العرض الإسرائيلي، الذي يشكل أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل في هذه الـمرحلة وإلى إشعار آخر لا يمكن ان يقبله أكثر الفلسطينيين اعتدالاً، وخصوصاً أنه "اتفاق رف" أي ليس معروضاً للتطبيق الفوري وما ستأخذه إسرائيل، ستأخذه فوراً وفي الـمرحلة الأولى، أما ما سيأخذه الفلسطينيون فهو مؤجل لحين استكمال الإصلاحات وإعادة غزة للسلطة واقتناع إسرائيل بتوفر القدرة للسلطة الفلسطينية على تطبيق التزاماتها.

وإذا أضفنا إلى ما تقدم، أن أولـمرت ضعيف وقرر الاعتزال، لذا لا معنى للتوقيع على أي اتفاق معه مهما كان شكله ومضمونه، فكيف على اتفاق سيئ إلى هذا الحد، لأنه غير ملزم لأية حكومة مقبلة، هذا لو تغاضينا عن الواقع وتعاملنا على أنه قادر على تمرير مثل هذا الاتفاق وهو محاط بالفضائح من كل نوع وجانب، وبعد أن وقع وكثرت السكاكين لذبحه حتى من أقرب الـمقربين إليه.

إن الرهان على الـمفاوضات الدائرة حتى الآن، وعلى وما يسمى عملية السلام، رهان خاسر، ولسنا بحاجة لإضاعة الـمزيد من الوقت للتأكد من خسارته وأنه يسبب أضراراً لا توصف للفلسطينيين وقضيتهم.

إن الفلسطينيين بحاجة إلى وقفة مع الذات، لـمراجعة إستراتيجيتهم من مختلف نواحيها، لأن الاستمرار بالسير في الطريق نفسه الذي أدى إلى وصولنا إلى ما نحن عليه سيوصلنا إلى الكارثة لا محالة. فهل نحن مصممون على الوصول إلى الكارثة؟ أو نستخلص العبر والدروس ونبلور إستراتيجية جديدة وبديلة تكون قادرة على تحقيق الحرية والعودة والاستقلال؟!!.
"الأيام"

التعليقات