31/10/2010 - 11:02

اختلاط الأوراق الأمريكية../ إلياس سحاب

اختلاط الأوراق الأمريكية../ إلياس سحاب

لا شك في أن باكستان، منذ ولادتها كدولة مستقلة منسلخة عن القارة الهندية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، احتلت، وما زالت، موقعا شديد الخصوصية والحساسية في خريطة السياسة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، سواء في عصر الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، أو في عصر الامبراطورية الأمريكية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، خاصة بعدما أصبحت باكستان أول دولة إسلامية تنضم الى نادي الدول النووية.

غير أن السبب الأهم بلا شك هو الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحتله باكستان، مجاورة لعدد من الأقاليم المهمة على خريطة السياسة الدولية، لا سيما بالنسبة للقوى الكبرى. ومن ذلك، على سبيل المثال، ملاصقتها الجغرافية لأفغانستان، المجاورة بدورها لإيران من جهة، ولعدد من الدول الاسلامية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق.

وتضاعفت خصوصية وحساسية موقع باكستان بالنسبة لسياسة واشنطن الدولية، منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في أواخر القرن المنصرم، ثم عندما دقت ساعة الغزو الأمريكي لأفغانستان، تدشينا لحربها الدولية المعلنة على الإرهاب (القاعدة وطالبان) بعد تفجير برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.

ولعل أهم عوامل أهمية باكستان في عملية الغزو الأمريكي لأفغانستان، هو ذلك التداخل الحدودي بين البلدين، الذي شكّل، وما زال، بيئة جغرافية طبيعية لتداخل القبائل بين البلدين، وهي القبائل التي ينتمي إليها ليس مقاتلو طالبان فقط، بل مقاتلو التنظيمات الإسلامية الأخرى التي أنشأتها الولايات المتحدة لمقاومة الوجود السوفييتي، ثم انقلبت عليها بعد اندحار السوفييت.

ومع أن النظام السياسي في باكستان لم يكن في أي مرحلة من مراحله معادياً للسياسة الدولية للولايات المتحدة، غير أن الحركة السياسية التي كانت قائمة من تنافس حزبي بينظير بوتو ونواز شريف، لم تكن مريحة ومطمئنة بالدرجة التي تتمناها واشنطن. من هنا فإن نموذج الديكتاتورية العسكرية التي أقامها برويز مشرف بعد انقلابه على حكم نواز شريف الديمقراطي، جاء في توقيت شديد الملاءمة للوضع الذي تتمناه واشنطن في باكستان عشية غزوها لنظام طالبان في أفغانستان.

بعبارة أخرى، لقد جعل برويز مشرف من نفسه طوال سنوات حكمه التسع، وكيلاً مطيعاً من وكلاء الامبراطورية الأمريكية المنتشرين في شتى مواقع النفوذ الامبراطوري. ولعل هذا السبب بالذات، هو ما يزيد الشهية حاليا، لتأمل الحالات المقارنة بين وكيل امبراطوري في القوقاز (ساكاشفيلي) ووكيل آخر على حدود أفغانستان (مشرف): الأول يحاول الفكاك من شرك المغامرة التي أقحم نفسه فيها استفزازاً للنفوذ السوفييتي في منطقة ارادت واشنطن منازلته فيها، من خلال أحد وكلائها المحليين. أما الثاني، فيضطر الى الاستقالة، مستبقاً وصول الحركة الديمقراطية الناشطة في بلاده الى حدود تقديمه للمحاكمة على مخالفاته الكبرى لدستور البلاد.

لا يمكن طبعاً الذهاب الى حد اعتبار استقالة مشرف الاضطرارية وإرغامه على التنازل عن مقاليد الحكم، ضربة قاضية للنفوذ الأمريكي في باكستان. فالمسألة لا يمكن لواشنطن ان تمررها بهذه السهولة، في منطقة بهذه الحساسية. ثم إن كل القوى المعارضة لبرويز مشرف، والتي أرغمته على الاستقالة، ليست في الماضي السياسي لأي منها حالة عداء موصوف للولايات المتحدة، أو لنفوذها في ساحات السياسة الدولية.

لكن المؤكد أنه عندما يكون النظام الامبراطوري الأمريكي، في ورطة كالتي يغرق فيها في أفغانستان، فإن من مصلحته العليا والفضلى أن تكون مقاليد الامور في باكستان بيد ديكتاتور متفرد مثل برويز مشرف، يسهل الضغط عليه لاستخراج أي قرار باكستاني يناسب الوجود الأمريكي في أفغانستان. أما عندما تكون مقاليد الأمور بأيدي حركات سياسية متصارعة في إطار التحالف الهش الذي يجمعها، فإن الأمور تصبح بلا شك، على درجة أعلى من الصعوبة والتعقيد.

صحيح أن النفوذ الامبراطوري الأمريكي فقد ببرويز مشرف واحداً من أشد وكلائه إخلاصاً وطاعة، لكن الأمر لن يتطور الى كارثة من بعده. كل ما في الأمر أن المسائل ستصبح أشد تعقيداً، والأوراق اكثر اختلاطاً.
"الخليج"

التعليقات