31/10/2010 - 11:02

استفحال العنف الداخلي لدى عرب الداخل ينذر بما هو أعظم../ توفيق عبد الفتاح

استفحال العنف الداخلي لدى عرب الداخل ينذر بما هو أعظم../ توفيق عبد الفتاح
قد يذهل القارئ، من خارج حدودنا الجغرافية أو الثقافية، من أن عاما دمويا انقضى على عرب الداخل وغالبية القوى السياسية منهمكة في تحقيق مكاسب حزبية، أو "تحارب في حته تانية" باللكنة المصرية"، ونزيف مستمر يخلف وراءه عشرات القتلى والمصابين ضحايا العنف المستشري بين ظهرانينا، والأرقام الصارخة والأمهات الثكالى واليتامى ممن فقدوا أعزاءهم في موجة الجريمة، والتي نشهد عليها نحن في معايدة القبور أيام أعيادنا المباركة تستصرخ مروءتنا وضمائرنا..

عشر حالات قتل في بلدة واحدة، آخرها الموسيقي محمد مهدي!! و أربع ضحايا وستة مصابين في أقل من أسبوع في الجليل والمثلث وهذا في إطار الحياة المدنية، وليست بمعيار الكفاح الوطني والثوري أو المطلبي. وأشارت آخر التقارير الإحصائية إلى أن 59% من جرائم القتل في الداخل كان ضحاياها فلسطينيين، وبالأرقام 71 جريمة قتل من بين 121 جريمة!

وهذا ليس في إطار الدفاع عن الوجود "ومواجهة تهديد الترانسفير" أو دفاعا عن شرفنا الوطني، بل على أتفه الأسباب، وأحيانا على ما يسمى بشرف العائلة، حيث اختلطت والتبست علينا المفاهيم حتى أصبح بعضنا يبحث عن هذا النوع من معنى الكرامة ومعنى الشرف لدى هؤلاء، وفي ظل غياب لدور القانون وغياب للدور الفعلي والفاعل للقوى الحية العربية على قلتها إذ اقتصر على دور الوجاهات التي تؤدي مهمة إطفاء الحرائق أمام استمرار الظاهرة وتداعياتها..

من نافل القول إن الطبيعة البنيوية للدولة العبرية وسيرورتها التاريخية واعتمادها منطق القوة في التأسيس وحماية بقائها واستمرارها بالقوة، كما في يوم الأرض 1976 وهبة القدس 2000 ضد مواطنين عزل، ونهج التقتيل والتدمير وارتكاب الفظائع كما في جولاتها الأخيرة في غزة، إنما تنشر العنف وتزرع الموت في كل مكان إلى جانب الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي العام المعسكر والعنيف في الدولة العبرية –والذي تأثر به خطاب وسلوك غالبة القوى السياسية العربية لدرجة كبيرة- وهناك شواهد وأمثلة كثيرة لا مكان لذكرها هنا- إذ ليس لذلك إلا أن ينتج مجتمعا عنيفا بل متبلدا ودمويا حتى أوساط "المثقفين.

ومن جهة ثانية فإن عرب الداخل ليسوا خارج هذا الفضاء وهذه الدفيئة، بل يخضعون لسيطرة نفس العقلية الاحتلالية، التي تسعى على الدوام "لعلاجهم كخطر" ووفق استراتيجيا خاصة تناسب تركيبتهم وموقعهم كأقلية مدنية مسالمة، ومنها العنف المبطن أو "المغلف" أي تكريس القهرية القومية المتقاطعة مع القهر الاقتصادي والاجتماعي الناشئ والمتوارث، مما قد يولد حالات من العدوانية أو العدوانية المرتدة تتمظهر على الأغلب في مسلك من حالة التدمير والتدمير الذاتي، الفردي منها والمجتمعية.

وإذا كان في ذلك من الصواب، فان بديهية تقاعس وإهمال الشرطة وعدم اكتراثها لما يحدث داخل البلدات العربية فهو الأصح أيضا عندما لا يطال ذلك المواطن اليهودي أو" المس بالأمن العام،" بل أكثر من ذلك فإن الأرشيف سجل عشرات حالات الاعتداء من قبل الشرطة على مواطنين عرب وحالات إطلاق نار كما حصل لعشرات المواطنين العرب المواطن من كفرمندا الذي أطلق عليه الرصاص "أليك رون" قائد الشرطة السابق لمنطقة الشمال بسبب مخالفة سير، وقتل الشاب من باقة الغربية بدم بارد من قبل شرطي وهو داخل سيارته في منطقة الخضيرة.

أما عندما يتعلق الأمر بـ"الأمن" فإن الأداء والعلاج يكون شاملا وجذريا، وفقط قبل شهرين وعلى اثر إطلاق النار على الشرطة في باقة الغربية سرعان ما تم تطويق البلدة بقوات عسكرية بالمئات معززة بالمروحيات بحثا عن مطلق النار. ناهيك عن هدم المنازل العربية التي تحولها الشرطة إلى ساحة حرب حقيقية، إلى جانب شواهد عديدة تدلل على مدى استسهال الضغط على الزناد عندما يكون المواطن عربيا.

وجدير بالإشارة أنه في العقد الأخير قد طرأت نقلة نوعية على مستوى التنظيم والسلوك السياسي والمؤسساتي لدى عرب الداخل، مما أزعج السلطات ودفع بأجهزتها لتعديل تكتيك واستراتيجيات العمل، وتجلى ذلك من الاستخلاصات المستفادة من نتائج هبة القدس عام 2000- والتي لم تستفد منها القيادات العربية في إعادة تنظيم نفسها قوميا، وإعادة بناء مؤسساتها وصياغة علاقاتها بما يتناسب وحجم التحديات الناشئة والمتزايدة. وتجلى ذلك في تسويق مشروع "الخدمة المدنية الإسرائيلية" والتغاضي عن ظاهرة انتشار السلاح في البلدات العربية التي حملت معها وبال العنف والمراهنة على التآكل الداخلي.

وأبرزها التخلص من قيادة د.عزمي بشارة وما يمثله من حالة تصادم مشروعه الديمقراطي مع البنية العنصرية للدولة العبرية، والذي باركته تحريضا وسرا قيادات سياسية عربية مصابة بالعمى وعدم المسؤولية بل عكست حالة تشوه ثقافي عميقة في مفهوم التعددية لدى هؤلاء، والتي بدت كحالة سيكولوجية أكثر منها أي شيء آخر، وتجلى ذلك في أشكال متعددة من العنف السياسي، وبالتالي فإن زعيق هؤلاء اليوم بعد تفاقم ظواهر العنف يبقي مصداقيتهم منقوصة أمام من أطلق صرخته مبكرا ومحذرا هؤلاء من بث نبرة الخطاب العنيف.

ونسوق هذا الكلام للتدليل على مراهنة السلطة بعد أن اعترفت بفشلها في أسرلة ودمج المواطنين العرب لتراهن على التآكل الداخلي والتدمير الذاتي بأقل الجهود والتكاليف.

في إطار هذه القناعة سيبقى الاشتباك بين المؤسسة وأجهزتها مع الوجود العربي مستمرا وأكثر سفورا إن لم يكن مقرونا بالفعل الذاتي والمبادرة، ولا يقتصر على الإدانة والاستنكار وردود الفعل. وتحمل ظاهرة العنف المستفحلة في طياتها تهديدا استراتجيا خطيرا للبنية المجتمعية والوطنية، تستوجب تخطيطا وعلاجا استراتيجيا ضمن رؤية مؤسساتية مجتمعية ثقافية شاملة، ونصبها على رأس سلم الأجندات، وفي صلب فعل القوى الحية المحلية والقطرية، وإلا فقدت هذه الأخيرة مبرر ومصداقية وجودها، إذ لا يعقل أن أقصى إبداعات للنائب العربي في الكنيست أمام الظاهرة هو إبراق رسالة مستعجلة لوزير الداخلية يشتكي فيها بداهة تقاعس الشرطة، ولا يعقل أيضا أن تبقى مؤسساتنا الثقافية والتربوية المحلية ذات الصلة بالسلطات المحلية في ظل الفراغ الثقافي والقيمي معطلة، وفي حالة بطالة مستديمة ومهمتها تقتصر على تشغيل البائسين أو على تنظيم بعض الفعاليات الهزيلة بغرض تبرير مستحقات ومعاشات، وعلى هؤلاء ألا يقبلوا حالة التسول هذه على حساب الناس وجراحها، كما أنه على المسؤولين من لجنة المتابعة ولجنة رؤساء سلطات محلية وقيادات سياسية ومجتمعية أن يدركوا أن أبنائهم وأعزاءهم لن ينجوا من ساحة الإجرام المتسعة رقعته أكثر فأكثر.

وإذا كانت القيادات السياسية ستستمر في تكرار البديهي بالأمر في اتهام الشرطة بالتقاعس، فإنها تعفي نفسها من المسؤولية، وباعتقادنا أن الضغط على الشرطة لملاحقة المجرمين والتصدي لهذا العبث، يندرج ضمن معادلة القوة والنضال الضاغط الذي يشترط إعادة بناء مؤسساتنا التمثيلية والحزبية والمحلية المتآكلة بما ينسجم و حجم التحديات، وان إعادة النظر في مجمل هذا الأداء والبناء قد يفتح أفاق حول إعادة صياغة وعينا علاقاتنا وسلوكنا اتجاه أنفسنا، ومع المؤسسة قبل فوات الأوان، وقبل أن ينحدر أدائنا وفعلنا إلى مستوى سلوك "زنوج أمريكا".

التعليقات