31/10/2010 - 11:02

الأرض ويومها../ عبد اللطيف مهنا

الأرض ويومها../ عبد اللطيف مهنا
ذات مجزرة أطلقت سخنين الجليلية الثكلى يوم أرضها. ومن يومها القاني ذاك لم يعد هذا اليوم سخنينياً ولا جليلياً... حينها، كان منها أنها قد وشمت طلعته الخاصة بدمها، فكانت تعويذة منها غدت تميمتها التي عُلقت على جبهة كل فلسطين... لم يعد يومها وحدها، أو يوم ذاك المحتل في العام كذا، أو هذا الذي أُحتل بعد العام كذا، وإنما غدا يوماً فلسطينياً بامتياز... فلسطينيا كان، من النهر إلى البحر، ومن البحر إلى النهر... من أمس النكبة حتى غد التحرير... ومن حيث المنافي البعيدة والبعيدة، والقريبة والأقرب، حتى العودة...
...
يغشى يوم سخنين كل عام مدننا التي أخرجونا منها والتي بقي بعضنا رغم تشريدهم لنا فيها، والتي لازالوا مكرهين أن ينعتوها بأسمائنا، والتي غيروا اسماءها ظناً منهم أننا سننساها، أو تنسى هي اسماءنا... ويغشى يومها كل حول من سفر عذاباتنا بيادر قرانا التي مسحوها من على وجه الأرض، فظلت حجارتها التي هي من صخورنا، ووقفت أشجارنا على أطلالها ولم تغادرها بانتظار طيورنا... وإذ يغشى مدننا وقرانا وطوابيننا وزيتوننا وبياراتنا يحل فيها جميعاً ويسكن أيامها جميعاً فلا يغادرها... لا يغادرها، من الذكرى وحتى الذكرى...

...ذات نكسة، وقبل أن تطلق سخنين الجليلة يوم أرضها، لم يعد هذا اليوم يوماً صفدياً أو ناصرياً أو حيفاوياً أو يافاوياً أو سبعاوياً، ولا بعض عادات أم الفحم، وإنما غدا غزاوياً وخليلياً ونابلسياً... واليوم مقدسياً أكثر من أي يوم... وأيضاً لم يعد يوم المحتل في العام كذا وما بعد العام كذا... أو المطحون بين جدران الفصل وجدران الحصارات، أو أسوار أعدائنا وأسوار أشقائنا، وإنما هو يجول في منافينا القريبة في أرض قومنا والبعيدة في أرض الله الواسعة... من البقعة والوحدات وحتى صبرا ونهر البارد... ومن التنف حتى البرازيل... وحتى، حيث فلسطيني تاه بعيداً فانتهى في آخر مخيم أقامه زلزال تشيلي في أقصى مغارب الكون... أصبح يوم الأرض يوم فلسطين، أرض كل فلسطين... وحتى يعود كل الفلسطينيين وتستعاد فلسطين!

...لم يعد يوم الأرض يوماً فلسطينياً، إذ، وحتى بعيداً عن فلسطين، التي لن يقوى أحد من محيطنا إلى خليجنا أن يبتعد عنها، أو ينأى بنفسه، أراد أم لم يرد، أبقيت قضيته المركزية أم لم تبق، عن حمل وزر ضياعها... بعيداً عنها، تقول لنا كركوك وجوبا اليوم ما قالته لنا سخنين بالأمس، وذات ما رددته وتردده الأطراف المنهوشة في مشارق ديار العرب ومغاربهم، وتلك التي قيد النهش، أو بانتظار مشاريعه... ولسان حال مغتربين أو مغرَّبين في منافي الكون، أو باقات شبابنا الملقي بنفسه في اليم راحلاً، ناجيا بها، إن قيضت له النجاة، إلى حيث ما وراء البحار والمحيطات... يقلن، ويقولون لنا، أنه غدا يوماً عربياً... شهدت على هذا الذي يقولونه أحوالنا، وحدودنا المفتعلة الفاصلة والعازلة والمحاصرة... هذه التي أورثنا قداستها الباطلة غزاتنا، ومستعمرونا، ومحتلونا، وانفصاليونا، وانعزاليونا، ومستلبونا، وملوك طوائفنا المظفرين، ومحمياتنا القُطرية السعيدة..!
...
يومان كانا متلازمان بالضرورة، متوازيان في البليّة، متكافلان في الديمومة، شدت أسباب الواحد منهما أزر أسباب الآخر وكان فيه سره... يوم الأرض الفلسطينية ويوم الأرض العربية... كانا الوجهين لعملة واحدة!

...لم يعد يوم الأرض يوماً فلسطينياً وحده، ولم يعد عربياً وحده، لأنه غدا إسلامياً أيضاً... وإنسانياً ما بقينا نتوسم في الإنسانية خيراً. هذا ما قالته وتقوله لنا بيت المقدس الآن، وتردده أكناف بيت المقدس بالأمس واليوم... ما تنتظره غداً أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول، ومهد الرسالات... ما يترجمه أنين الحرم الإبراهيمي، ومسجد بلال... وحكايات مساجد يافا وشقيقاتها التي تحولت إلى بارات ومراتع ليل...

... لا عودة لفلسطين بلا العودة إلى الأرض وعودة الأرض لأهلها... الأرض... الوطن، وليس الدولة التي بلا أرض... لا عودة لها، إن لم يصبح يوم الأرض يوماً عربياً وإسلامياً وانسانياً حقيقياً... حينها فحسب تقر عينا سخنين، وعندها فحسب، تطمئن كركوك وجوبا، والأطراف المنهوشة، وقيد النهش، ومادة مشاريعه، إلى عروبتها... وعندها فحسب يتوقف أولئك الذين يلقون بأنفسهم في اليم هروباً من هجير مراحل انحداراتنا، تلك التي أضاعت أرضنا وأهانت تاريخنا، ودعتنا كوارثها المتناسلة إلى احياء أيام أراضينا... أو هذه التي ذات مجزرة من مجازرهم التي خصونا بها أطلقت سخنين الجليلية الثكلى إشارتها الأولى!

التعليقات