تؤشر كل المعطيات الى ان الوضع اللبناني سيبقى في خلال الاشهر القليلة المقبلة يعيش مرحلة من «الستاتيكو» وربما تمتد هذه المرحلة الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي بحيث قد يشهد الوضع الداخلي في خلال هذه الفترة ارتدادات سلبية على خلفية الصراع الاقليمي الحاصل حول عدد من الملفات الكبرى بدءاً من الازمة في العراق من دون ان تؤدي هذه الارتدادات الى تفلت الوضع اللبناني. انما الارجح الا تتعدى التوترات السياسية امكانية حصول بعض الاختراقات الامنية من هنا وهناك.
وفي اعتقاد مصادر ديبلوماسية عليمة ان وراء امكانية استمرار هذا الستاتيكو ثلاثة اسباب رئيسية تندرج كالآتي:
- السبب الاول هو ان الازمة الداخلية باتت مرتبطة ارتباطا مباشرا بتطورات الوضع الاقليمي خصوصا ان فريق الاكثرية ليس الآن في وارد الانفكاك عن المحور الاميركي الذي يربط الملف اللبناني والحلول له بما سيحصل على الصعيد الاقليمي، حتى ان الحديث عن مبادرة انقاذية قد يقوم بها الفريق الاكثري بعد اقرار المحكمة في مجلس الامن ليست بعيدة بحسب هذه المصادر عن الشروط الاميركية بما في ذلك الدعوة لتطبيق القرار 1559.
- السبب الثاني: عدم وجود اي توجه لقيام مبادرة عربية تجاه لبنان في المدى المنظور حيث تشير المعطيات الى ان السعودية اقترحت على هامش المؤتمر الدولي في شرم الشيخ قبل اسبوعين ان يصار الى تحرك مشترك مع سوريا وايران للمساعدة في حل الازمة اللبنانية وجرى التوافق في حينها على قيام وزير الخارجية السعودي بزيارة دمشق لكن الجانب السعودي لم يطلب حتى الان تحديد موعد لزيارة الوزير سعود الفيصل الى سوريا من اجل عقد مثل هذا اللقاء بعد ان كانت تحدثت المعلومات عن امكانية انضمام وزير الخارجية الايراني اليه.
ويبدو بحسب معلومات المصادر ان السعودية غير جاهزة حتى الآن للاقدام على اي مبادرة تجاه الساحة اللبنانية والسبب الرئيسي في ذلك هو اخفاق المساعي السعودية في المرحلة السابقة نتيجة الموقف الاميركي السلبي في هذه المبادرة، وحاجة الادارة الاميركية لابقاء الوضع اللبناني في حال الازمة لاستخدامه في الضغط على سوريا وايران في الملف العراقي.
وتقول المصادر ان السعودية ترى ان اي مبادرة لا تغطى اميركيا سيكون مصيرها الفشل وستؤدي الى مزيد من الاحباط لدى الجانب العربي. ولذلك فالقيادة السعودية لن تقدم على اي خطوة من دون ضوء اخضر اميركي، ولذلك فإن زيارة وزير الخارجية السعودي الى دمشق مرتبطة بالموقف الاميركي من تسهيل الحل اللبناني.
تالياً فزيارة الفيصل الى سوريا ستكون مؤشراً مهماً لبداية قيام مبادرة عربية برعاية سعودية لحل الازمة اللبنانية.
- السبب الثالث، هو اصرار ادارة الرئيس بوش على ربط الحل في لبنان بتطورات الوضع في العراق خصوصا والوضع الاقليمي عموما وبالتحديد على صعيد التعاون السوري الايراني لاخراج الاميركي من المأزق الذي يواجهه في الملف العراقي.
وعلى هذا الاساس تشير المصادر الى ان اتجاه الحل في الساحة اللبنانية وسرعة حصوله يتوقف ان على ما يمكن ان يحصل على صعيد الحوار الاميركي مع كل من سوريا وايران والذي يبدو ان الشهرين المقبلين سيشهدان مزيدا من الضغوط المتبادلة، خصوصا ان اجتماع وزيرة الخارجية الاميركية كوندواليزا رايس مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش مؤتمر شرم الشيخ لم ينته الى نتائج مهمة، باستثناء الاعتراف الاميركي بدور سوريا المركزي في مسار تطورات المنطقة، كذلك الامر مع الجانب الايراني الذي يرفض اي حوار مع الادارة الاميركية اذا لم يكن حواراً متوازنا وبالتالي ان يتضمن جدول الاعمال كل الملفات الخلافية بين البلدين وليس فقط الملف العراقي.
وتضيف المصادر ان موضوع الحل في العراق لم ينضج بعد، ولم يبدأ الحوار بالمعنى الحقيقي بحيث لا يزال هذا الحوار يتلمس طريقه والدليل على ذلك ما صدر من مواقف تصعيدية اميركية في الايام الاخيرة باتجاه كل من سوريا وايران. ونلاحظ ان انطلاق الحوار الاميركي مع كل من البلدين مرتبط بتراجع التيار المتشدد داخل الادارة الاميركية الذي يمثله نائب الرئيس ديك تشيني الذي ما يزال حتى الان يدعو لاستخدام القوة في حل الخلافات بحيث ان هذا التيار برغم النكسات التي تعرض لها داخل الادارة وفي الخارج ما يزال يتمسك بنفس المعيار للتعاطي في السياسة الخارجية وبالتحديد مع الوضع في الشرق الاوسط والقائم على محاولة فرض الشروط بالقوة.
وعلى هذا الاساس تتوقع المصادر ان تشهد الاشهر القليلة المقبلة مزيدا من التصعيد في العراق وربما في فلسطين، مع ما يمكن ان يحمله هذا التصعيد من ارتدادات على لبنان بانتظار اقتناع ادارة الرئيس بوش بأن الحوار هو المدخل الوحيد لحل الخلافات في المنطقة. وهذه الفترة قد تأخذ اربعة او خمسة اشهر او قد تمتد الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ما يعني ان الحلول الجدية للازمة اللبنانية ستبقى مؤجلة الى ما بعد بداية الانفراج على الصعيد الاقليمي.
ولذلك تعتقد المصادر ان ملف الاستحقاق الرئاسي امام ثلاثة خيارات:
- الخيار الاول: ان يحصل توافق جزئي يقتصر على شخصية الرئيس الجديد من دون برنامج سياسي متكامل لحل الازمة نتيجة دخول عربي على خط الاستحقاق، لكن مثل هذا الخيار تبقى احتمالاته ضعيفة جدا.
- الخيار الثاني: ان يحصل توفق متكامل اي نوع من الصفقة تشمل الاستحقاق الرئاسي والعناوين السياسية الاساسية للمرحلة المقبلة، وهذا مرتبط بحصول انفراج اقليمي، وهذا الانفراج غير واضح حتى الآن اذا ما كان سيحصل قبل موعد الانتخابات الرئاسية.
- الخيار الثالث: ان يحصل انقسام سياسي بين فريقي المعارضة والموالاة حول ملفي رئاسة الجمهورية والحكومة ما يمكن ان يؤدي ذلك الى انقسامات على مستوى هاتين المؤسستين.
"الديار"
التعليقات