31/10/2010 - 11:02

الإرهابي صورة نمطية جديدة للعربي في الغرب../ نديم نجدي*

الإرهابي صورة نمطية جديدة للعربي في الغرب../  نديم نجدي*
لطالما شكلت الصورة المسبقة عن الآخر مرتسما نظريا للعلاقة به والتعامل معه على أساس من البداهة، بحيث غدت معرفته لا تحتاج الى أكثر من ذكر اسمه، حتى تلتصق به كل النعوت أو الصفات المحشوة في رؤوسنا عنه، فإذا كان صحيحا أن الأنا تستمد وجودها من اختلافها عن الآخر، علينا إذاً، ألا نخاف من المغايرة، ويجب أن لا نتوجس من أي تنوع، ما دام هذا سمة لوجود البشر منذ أن كانوا... الى أن صاروا...

إلا أن ثمة ما يجب التوقف عنده، للتدليل على العلة الكامنة خلف ما نقوله «عنهم»... وما يقولون «عنا»... حتى إذا نأت عن الآخر وابتعدت، امتلأت المسافة الفاصلة بينهما بشياطين الحكايا وعفاريت «الخبريات» المنقولة عن ذاك الغريب بطبعة والعجيب بأفعاله. نسوق هذا التقديم للإضاءة على تحولات طرأت، فغيرت بالصورة النمطية المعروفة عن العربي المسلم في المجتمع الغربي، بعد أن كان حتى زمن ليس بعيدا، يتصف بانحطاط خلقي أحال الآخر الأوروبي الى متفوق، انطلاقا من مبدأ المغايرة، إن لم نقل الحاجة الى توظيف ضعف الشرق لتسويغ تقدم الغرب، إلا أن الأمر لا يقتصر على ما ألصقوه فينا، العربي المسلم أيضا أحالهم الى فاسقين ومنحطين في قيمهم الخلقية إزاء سموه الأخلاقي الأرفع من تطورهم الصناعي والاقتصادي الخ...، وهذا ما يؤكد أن صراع الهويات ليس إراديا ولا يقف على ما يرغب به الصلاح في كلا الطرفين، إذ ان القضية ترتبط بعوامل أعقد من أن تتبسط في الآراء التي تعزوها الى الاختلاف الديني العرقي أو غيره، وأصعب من أن ترد الى تنافس تاريخي بين حضارتي الشرق والغرب.

ثمة أسباب خفية إذاً، على من يقصّر عن فهم الباطن، لأن الظاهر هو بمثابة زبد لما يعتمل في دواخل، ان تعمقنا بها سنجد خبايا سيكولوجية وسوسيولوجية لا تتعلق باختلاف مسيحيتهم عن إسلامنا، ولا ببيض بشرتهم عن سمرة بشرتنا، ولا... ولا.. الخ، فالأمر يرتبط بما تتحمله أحاسيس كائن مقهور حيال المختلف عنه، وبالعكس ايضا، أي بما تنطوي عليه مشاعر المتفوق حيال الأضعف منه.

هكذا تشيأ الشرق في الغرب آخرَ، أمدّ الغربيين بكل الأسباب التي جعلت مواقفهم تنحو منحى ملائماً لما يريده الساسة منه، وفي المقابل استلب الشرقيون الى منطق الدفاع عن أنفسهم بالرد عليهم، عبر استرجاع الماضي وباستعاد ما كأنه أجدادهم في السابق، تعويضا عن بؤس الإحالة الحضارية هذه، بين تطور الشرق القديم وتخلفه الحديث، وتقدم الغرب الحديث وتخلفه القديم. إلا أننا يجب أن نعترف هنا ولمرة واحدة، بأن صورتنا عندهم، لم تكن مختلقة عما نتهمهم به، حتى وان كان فيها ما يشير الى المبالغة في إبراز النافر منها، لناحية إقرانها بسمات، تبدو كما لو أن صاحبها كائن عجيب في هندامه وسلوكه ـ عاداته وتقاليده، حتى صار العربي مشيّئا بصورة الماشي أمام جماله في الصحراء بعباءته الطويلة ولحيته السوداء الى أن يحط الرحال في خيمة امتلأت بنساء، وجدن لطاعته وخدمته. لقد خدمت هذه الصورة النمطية عن العربي السياسية الغربية القائمة على تصورات مسبقة ملائمة لمبتغى ايديولوجي يبغي ايضا تعزيز صورة نمطية عن تفوق الغرب على ضعف الشرق، فيسهل عندها وضع خطط سياسة، تأتي كما لو أنها نتيجة طبيعية لواقع الحال، وليست منقطعة عن سياق نظري راسخ بقوة المفاهيم الاستشراقية المسندة على حكايا الرحالة الأوائل عن ماهية الطروق الحياتية للعربي المسلم.

لقد انتشرت تعميمات معيبة بحق العربي، هذا الإنسان الغريب النائي بعاداته وتقاليده عن المجتمع الغربي، بطريقة تدعو الى الاستفسار عن علة وجودنا في أذهانهم بهذه الصورة التي وإن كان فيها شيء من الحقيقة، إلا أن سياق تقديمها، كان بمثابة دعوة الى استعمال سياسي، استغلها أحسن استغلال. حيث لا يمكن أن نعزو العلة الى افتراءات مختلقة من الأساس، كما لا يمكن في الوقت نفسه تبرئتهم بالكامل من نوايا مضمرة حيال المجتمع العربي الاسلامي، لكن وفي الحالتين، ثمة سبب غير إرادي يجعل من كل آخر بعيد، مكبا طبيعيا لاعوجاجات، يجب إقصاؤها لكي تتطهر الأنا من العلائق الحضارية التي يسببها الآخر لها.

وعليه، ساهمت وسائط الدعاية والوسائل الإعلامية في نشر صورة عن العربي ككائن ذكوري تحركه الغريزة في التعامل مع المرأة، وتحثه العواطف على التمسك بقيم الكرامة والشهامة أو الشرف، وكل ما يصب في خانة الموروثات القبلية البعيدة كل البعد عن حسابات العقل وحكمته في استجلاب المنافع ودرء المخاطر، لأن العقل هو للغرب منذ أن تفكر اليونانيون بسقراطهم وأرسطوطاليسهم، فتواصل مع ديكارت وكانط وهيغل واينشتاين فاستكملت مسيرة الحضارة الغربية برموز العقل والتعقل إزاء نقيضها الشرقي. منذ أن كانت ألف ليلة وليلة حكاية الشرقيين عن إيمانهم السحري بذواتهم الغرائزية.

وعليه استنجد المستشرقون بأمثلة تاريخية وشواهد تؤكد الفرضية الآيلة الى تقسيم العالم بين غرب عقلاني/ وشرق عاطفي، منذ أن كان الغرب غربا والشرق شرقا، هكذا ولد وهكذا سيبقى، من دون الاستدلال بالظروف والحيثيات الحياتية التي يتحدد بها وبنتائجها الواقع الاجتماعي للأمم والشعوب، أيا كانوا.. في الشرق أم في الغرب.

ان المشكلة، لا في ما يسوقه الآخر عنا، بل في الانجرار وراء مقولات لا تمت بصلة الى الواقع، فانشغلنا إما بنقض ما يقوله الآخر عنا باعتباره من صنع خيال جامح، لا يفقه عن واقعنا الشيء الذي يخوله الحكم عليه، من جهة، وإما بقبول أقاويله جملة وتفصيلا بكونها أتت على لسان علماء بارعين في الانتروبولوجيا، فوجب القبول بمواقفهم منا كيفما اتفق. من دون تمحيص ولا تفحص الأسباب التي تدعو الى الاختلاف بين الشعوب، إذ لا يمكن اختزال العوامل التي تشكل خاصية الاختلاف في البنى المجتمعية في أسباب لا تقتصر على عوامل التاريخ والجغرافيا فقط في حكم هنا ونعت هناك.

فالعلاقة التاريخية المحتدمة بين الشرق والغرب، على ما اعتراها من إخفاقات ومنازلات هنا وهناك، تخفي بطبيعتها هواجس مؤثرة في تحديد موقف الآخر من الشرق، وبالعكس، موقف الأنا من الغرب، ويجب ألا ننسى أن تأخر مجتمعاتنا، قد كرّس صورة عنا، عندهم، أضعاف ما هي عليه حقيقة ضعفنا، كذلك عزز تطورهم عندنا إحساسا، بالغ في تقدير قوتهم، وغالى في الحط من قدرنا، وهنا نستطيع القول، إننا غير قادرين على دحض مغالطاتهم عنا، ما لم نتخلص من عقدة تخلفنا حيال عقدة تفوقهم، وأيضا ما لم نبعد عنا هذا الذي صار من فرط كثافة في رؤوسنا، بمثابة بداهة، لا تقبل النقاش. شرق عاطفي إزاء غرب عقلاني، فلا المعادلة هذه تصح، ولا الرد على غلوهم تبرر أخطاء ارتكبت بحق الأنا، ولم تؤذ الآخر، فالدفاع عن حضارة الشرق يحتاج الى الانفتاح للانتفاع مما استفاد منه هُم، لا الى التعصب لما كأنه الشرق القديم، ولا باستعادة أمجاد الأجداد نحيي حاضرا مترهلا ما لم نستدرك علة ترهله.

أن نقلدهم هذا لن يجدي، وأن نُستلب الى مبدأ الرد عليهم لا ينفع، خاصة أن رأيهم فينا جاء عبر الاستشراق في سياق تصاعدي، أي بنتيجة، بحث الغرب عن هويته الحضارية، وقد مر وما زال في إخفاقات ونجاحات، أصاب مرة وأخطأ مرات، انتقد هذا ذاك، ورد ذاك على هذا، فتغذت بذلك ديناميات تطور الفكر غير الثابت، لا في حكم مطلق ولا في وصف نهائي، هنا لا أعول على من ينكر عليهم حق إبداء الري فينا لأنهم فاسقون، بل على من يمتلك بصيرة قادرة على أن تقرأ الأنا بعين ذاتها، رغم صعوبة المسألة، كي لا نقلدهم ولا نتشبه بمستشرقين محكومين بهواجس اختلافهم عنا، وباعتبارات تتعلق بتقدمهم علينا، بهذا المعنى، لا يمكن تبرير ما ساقه الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه «الشرق الفنان» المنشور مع جريدة «السفير»: من ان «الشرق الأقصى طابعه الأصيل العميق هو النظر الى الوجود... فيدرك ذلك بحدس مباشر.. لا يحتاج الى تعليل وتحليل ومقدمات ونتائج... أما الغرب فطابعه الأصيل العميق هو النظر الى الوجود بعقل منطقي تحليلي... تنتزع النتائج الصحيحة من مقدماتها الصحيحة، وتلك هي نظرة العلم... ولقد التقى الطرفان في الشرق الأوسط طوال عصوره التاريخية، ففي حضارته القديمة تجاور الدين والعلم».

إن التقسيم هذا الذي يرد النظر الى الوجود للاختلاف في أماكن وجودنا، يساير المقولات الاستشراقية ويماشيها بالكمال والتمام، في حين أننا أحوج ما نكون الى تبيان الحيز العاطفي الموجود في الغرب بالقوة التي يقدم بها نفسه بوجه عقلاني فقط، وأيضا الى تبيان الحيز العقلاني في شرق مليء بالوقائع والشواهد التي تؤكد تفكره، وان أدى جهلنا الراهن بها الى طمسها، وذلك كله من أجل أن نجتث التعصب العرقي... الديني، فنبتعد عما يعزز صورة نمطية مرفقة بسلوك يشي بأننا هكذا كنا وسنبقى، وهم كذلك كانوا وسيستمروا مثلما هم الى أبد الآبدين.

إن الوسائط الإعلامية في مثل هذه الحال تلعب دورا رئيسا في استحضار صور عن الإنسان الغائب، فتتشكل لدى المستمع مناظر مرتبطة بالكيفية التي قدمت بها، كما ان تكرار ذات الأوصاف على نفس الكائن سيرسم بالتأكيد ملامح، لا يمكن محوها من مخيال أقوى هو في شطحاته الفانتازية من كل تعينات الواقع مهما كان حقيقيا، ومرد ذلك يعود الى حاجة سيكولوجية في أن يوجد الآخر كما تشتهيه الأنا، أو بالأحرى، الى أن يوجد بصورة كائن غريب عما هي عليه حال الأنا التواقة الى أن تؤكد حضورها عبر الاختلاف أو المغايرة الدائمة عن الآخر، لذا تنحاز المتخيلة الى تركيب ما هو قائم، فتتخذ مما هو موجود أساسا لإيجاد آخر مختلف، حتى انها قد تخترعه، فتسترسل لتصنع منه شيئا مغايرا عن نفسه، ما لم تجد فيه ما يتطابق مع ما تريده هي منه.

ومهما يكن، فالأنا لا تفبرك ما لا يوجد عند الآخر، إنما تستند الى شيء من الموجود فيه، لتُعمِل فيه مقصها حذفا وزيادة، تصغيرا وتكبيرا، حتى يلائم الغاية من وجودها هي، متميزة عنه متآلفة مع نفسها، ومتفوقة على تخلفه، ضعيف هو وقوية هي... الخ.

إن صورة العربي المسلم كآخر في ذهن الأنا الأوروبية، جعلته يتشيأ كما لو أنه خلق لأجلها ومن أجلها سيبقى عاطفيا إزاء عقلانيتها التي ما برحت تعزز المقولات الآيلة الى إضفاء ملمس ميتافيزيقيا على ما هو دنيوي، فلا اختلاف اللون أو العرق، ولا حتى الدين أو اللغة تسوغان ثبات ما هو متغير بحسب الظروف والحيثيات التي لن يتجمدها قول قدسي، ولن يسمرها استنتاج «علمانوي».

وكما تكفلت حكايا الرحالة قديما، عبر كتبهم وأقاصيصهم في نقل صورة حكواتية «مضخمة عن المساوئ الخلْقية والخُلقية للعربي المسلم، استمرت الحال كذلك، بعدما أوجد المستشرقون للمحكي نطاقا نظريا متجذرا برأيهم في أساس الوجود الشرقي، عبر وسائل الاعلام المرئية، فصار العربي المسلم في الأفلام والمسلسلات الأجنبية صورة مدموغة بصفات دغدغت رغبة الغربي في أن يكون العربي كذلك، لذا، اقتضت الضرورة أن يستنبش من العربي سلوكا سيئا، ليكرس في نفس الآخر حسنات حضارته المتقدمة على تخلفنا، لكن اختلالا جذريا طرأ في عصر العولمة، بعدما بلغت فيه وسائل الاتصالات والتكنولوجيا مبلغا، لم يعد يحتمل اختلاقات واختراعات، نجمت في السابق عن بعد المسافة بين الأمم والشعوب، فالفروقات التي نأت بالأنا عن الآخر، وفي الجهتين أضحت واضحة، بحيث لم يعد يتسنى المبالغة بها على النحو الذي يحيل الشيطان إنسانا والإنسان شيطان.

فالبث المباشر للفضائيات، والاتصال المرئي عبر الانترنت جعل من الغرباء أقرباء في التفاعل مع بعضهما البعض، ليختلفا ويتعارفا. ليتفاهما ويتخاصما مباشرة، من دون وسائط، وهذا ما قد يغير لا في نظرة الأنا الى الآخر فحسب، بل الى مساجلة صاحب العلاقة نفسه حول أسباب خلافاتهما وبالتالي سبل تقاربهما.

من هنا نعتقد أن الصور النمطية القديمة عن العربي المسلم، لم تعد صالحة، لا لأنها فقدت الكثير من مصداقيتها، بعدما صار العربي متعيناً بلحمه ودمه عن قرب على الشاشات وفي الجامعات و... و... الخ فحسب، بل لأن الحاجة الوظائفية للغريب ذاك وبالمواصفات تلك، انتفت فوائدها، فاستبدت بهم الحاجة الى كائن إرهابي من أجل إعادة لمّ الشمل والتكتل حول عصبية غربية يحتاجونها للحفاظ على سياسة تسوغ مفارقات الكيل بمكيالين.

ومرة ثانية، لا نتهم وسائل الاعلام الغربية بإيجاد ما لا يوجد، إلا أن تغطيتها للأحداث الساخنة كان مستلبا الى مبدأ تبليــغ «ناسهــم»، بأن ثــمة حرباً تجري ضــد الارهابيين الاســلاميين دفــاعا عن قيم الحضارة الغــربية، ومن فرط استعمال هذه الصيغ، صار الارهابي مصطلحا ملاصقا لعربي، سوابقه في متخيلة الغربي تحتمل كل الزيادات والمبالغات التي جعلتنا نرتاب من أمد تضخيمها الى حد التسـاؤل عن الغاية الدفينة لكلام قد يكون له مقاصد اخــرى، ويمكن أن نعتبرها بمثابة مفتاح لحل اللغز الاستراتيجي لحضارة غربية تحتاج دوماً الى شد أواصرها، إما بالخوف من خطر شيوعي انتهى، فانتهت وظيفته، فكان الخوف من إرهاب حفنة من الأشخاص المتعصبين قد حل محل الخطر الأول، ليلعب الدور نفسه.

وهنا لا ننتقص من فاعلية الهجمات الانتحارية على المجتمع الغربي، غير أن التصدي لها بالطريقة ذاتها، سيؤدي كما هو الحال الى تغذية ظاهرة يتم التعامل معها كما لو أن هذا الذي يفجر نفسه خلق كذلك، وسيبقى من دون الخوض في الأسباب المادية لفعل إرهابي ينشط بالدعاية والإعلام لمهمشين يبغون الشهرة في حياة الدنيا والفوز بحياة الآخرة.

"السفير"

التعليقات