31/10/2010 - 11:02

الاجتياح البري الاسرائيلي لغزة في ظل هواجس الهزيمة في لبنان!../ نواف الزرو

الاجتياح البري الاسرائيلي لغزة في ظل هواجس الهزيمة في لبنان!../ نواف الزرو
في حربها على لبنان في تموز/2006 اعتمدت المؤسسة الحربية الإسرائيلية ذات المفاهيم المستندة الى بلطجة القوة والعربدة العسكرية بكافة تطبيقاتها وترجماتها على الأرض على شكل عمليات القصف الجوي التدميري المكثف، ما تسبّب في تدمير قرى لبنانية كاملة ومحوها عن وجه الارض وتدمير أحياء كاملة في العاصمة بيروت وخاصة الضاحية الجنوبية، إضافة الى استهداف كافة عناوين البنية التحتية اللبنانية من طرق وجسور وشبكات مياه وكهرباء وغيرها.. وكأنّ الجبروت الإسرائيلي يريد أن يقول للبنانيين وللشعوب العربية أيضاً: "هذا مصير مَن يحاول المس بإسرائيل... هذا هو الثمن..."..

يضاف إلى كل ذلك كما هو معروف ذلك السقف العالي من الأهداف العسكرية والسياسية ومن المطالب والشروط التي كان يجب على لبنان وحزب الله أن يخضعوا لها، اذ استبقت الحكومة الإسرائيلية مجريات ونتائج المعارك العسكرية على الأرض، ووضعت سقفاً عالياً جداً لمطالبها، على اعتبار أن الانتصار كما كان في الحروب السابقة، هو تحصيل حاصلٍ وستفرض "إسرائيل" مطالبها وشروطها في نهاية الأمر وان الأمر سيُنجَز على الأرض خلال أيام معدودة.. بل إن بعض الأصوات سُمِعت في إسرائيل وهي تطالب بمحو لبنان عن وجه الأرض...

ولكن...عمليا على الأرض وفي ميادين المواجهة والقتال هناك لم تسر الرياح بما تشتهي المؤسسة الحربية الإسرائيلية على الرغم من ان "إسرائيل" رمت بثقلها الحربي المعروف في هذه المعارك المتدحرجة حتى اليوم وانقلبت الامور رأسا على عقب، وسقطت نظريات ومفاهيم حربية كما سقطت أهداف وآمال وتطلعات سياسية واستراتيجية إسرائيلية... لم تأت كل هذه في حساباتهم على الإطلاق...!

فقد كان الإجماع الصهيوني في البدايات الحربية جارفاً.. وأخذ يتراجع تدريجيا مع الأيام والمعارك والخسائر والهزائم الجزئية المتراكمة، كما أخذت تلك الأوهام المميتة التي أمسكت بالإسرائيليين تتبدد تدريجيا منذ الأسبوع الأول عندما اتضحت حقيقة المواجهات على الأرض، وتبيّنت قدرة المقاومة على مواصلة القتال بمنتهى الثقة بالنفس رغم "رعب الصدمة والتدمير الهائل للبنية التحتية" ورغم المذابح الجماعية ضد أطفال ونساء لبنان.

ومن لبنان الى غزة نتابع ذات السيناريو الاسرائيلي الى حد كبير، حيث تنفذ "إسرائيل" من جهة أولى ما أصبح معروفا لديهم بـ"استراتيجية الضاحية-الجنوبية-"، وهي استراتيجية التدمير الشامل العشوائي ومحو قرى ومدن كاملة عن وجه الأرض، والإبادة الجماعية بلا تمييز، كما وضعت الحكومة الإسرائيلية سقفا عاليا جدا من الأهداف السياسية والعسكرية المتحركة من جهة ثانية، بينما أخذ قادة وجنرالات "إسرائيل" ومحللوها يتراجعون شيئا فشيئا عن سقفهم العالي نحو تحقيق أهداف تعتبر متواضعة مقارنة بأجندتهم الأولى، وكل ذلك يتم في ظل الهواجس المرعبة التي تكونت لديهم جراء هزيمة جيشهم في لبنان...!

صدمة الفشل تتسيد الحسابات الإسرائيلية

فهاهو المحلل العسكري ناحوم برنيع يدلي بدلوه في يديعوت احرونوت قائلا:
"الحكومة تعيش صدمات فشل حرب لبنان الثانية، ولشدة المفاجأة كان أكثر المتأثرين بصدمة الحرب شخصين لم يكونا ضالعين فيها: رئيس هيئة الأركان جابي اشكنازي ووزير الدفاع ايهود باراك. هناك من يقول أن اشكنازي هو الأكثر حذرا بين رؤساء هيئة الأركان، وهناك من يقول أن الخوف من الفشل يشله، رئيس هيئة الأركان لا يثق بالعملية ولا يؤمن بها".

كما كتب محلل الشؤون العسكرية اليكس فيشمان في صحيفة "يديعوت احرونوت 2008/12/21" الإسرائيلية
أن "هناك تخوفا واضحا من الجانب الاسرائيلي من الإقدام على مغامرة غير محسوبة النتائج ولا تراعي الظروف الإقليمية والدولية الحالية، وقد تنقلب ضد ما تريده إسرائيل من عملية كهذه"، وتساءل "ما هو المطلوب لإزالة سحب العاصفة المتكدرة فوق قطاع غزة؟"، ويضيف "القيادة الإسرائيلية تتخوف من التورط العسكري الشامل على النمط اللبناني - مع خسائر فادحة لقواتنا، مع نتائج سياسية مشكوك فيها، مع المزيد من الضرر للردع ومع مزيد من الضرر في الصورة الدولية – يشلهم".

وفي السياق ذاته أشارت"يديعوت أحرونوت" (الجمعة/26/12/2008 /) إلى ما درجت تسميته في وسائل الإعلام العبرية بـ"المحميات الطبيعية-على طريقة حزب الله-"، وذلك في إشارة إلى استعدادات قطاع غزة لمواجهة محتملة مع الجيش الإسرائيلي، والتي تشتمل على الخنادق المشجرة (المحميات الطبيعية) والأنفاق المفخخة ومنصات إطلاق الصواريخ والألغام والعبوات الناسفة الإيرانية الصنع والمضادة للدبابات.

*بسبب تلك حرب لبنان 2006تأتي غزة 2008

وتعزيزا لكل ما سبق اعلاه كتب المحللان الاسرائيليان عاموس هارئيل وآفي يسسخروف في هآرتس/
28/12/2008/تحت عنوان" بسبب تلك حرب لبنان 2006 تأتي غزة 2008" يؤكدان:" تدور حرب غزة الأولى، تحت ظل حرب لبنان الثانية الثقيل، وإن كانت الأيام الأولى قد تميّزت بتصريحات متغطرسة وتفعيل قوة قليلة نسبيا، فإن إسرائيل تحاول هذه المرة إجراء مغايرا: حيث أن الأهداف التي تمّ تحديدها للعملية، في هذه المرحلة، متواضعة جدا، فالقوة التي تستعمل نسبيا إلى مساحة غزة الصغيرة، هائلة، إنه الهجوم الأعظم الذي تتعرض له غزة منذ احتلالها في العام 1957".

*معضلة الاجتياح والتدحرج

وكتب الثنائي عاموس هرئيل وآفي يسسخروف في هآرتس الجمعة 2 / 01 / 2009 يقولان: "المعضلة التي وقف أمامها أصحاب القرار في إسرائيل لا تختلف كثيرا عن تلك التي استنزفتهم (في بعض الحالات يدور الحديث عن ذات الأشخاص) معظم أيام حرب لبنان الثانية: الدخول أم عدم الدخول؟.

كما تناولت الصحف العبرية الصادرة الجمعة 2 / 1 / 2009 تطورات الحرب وأجمعت على أنه "قبل 41 عاما كانت الأيام الستة كافية لأن تحتل إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان بعد أن هزمت الجيوش العربية، لكن على ما يبدو، فإن إسرائيل اليوم تخشى وتحسب ألف حساب لشن عملية عسكرية برية، حتى لو كانت محدودة في القطاع"، وتراوحت مواقف المحللين الإسرائيليين ما بين "التحذير من عملية عسكرية برية وتوجيه الانتقادات لتكرار "أخطاء" حرب لبنان الثانية والإشارة إلى المكاسب التي يحققها السياسيون الإسرائيليون، عشية الانتخابات العامة، من الحرب على غزة".

أما وزير الحرب الاسرائيلي الأسبق موشيه آرنس فكتب في هآرتس –31/12/2008 تحت عنوان"لا مناص من الدخول" يقول: "إن إحباط صواريخ المدى القصير في الجو، بالرغم من أنه ممكن من ناحية تقنية، فانه صعب جدا وباهظ الكلفة"، مضيفا:"أي بقي إمكان عملية القوات البرية للجيش الاسرائيلي"، متسائلا: "لماذا يصعب جدا على قادتنا- المدنيين والعسكريين – فهم ذلك؟، إن احتمال أن يدخل جنود الجيش الاسرائيلي غزة ليس جذابا كثيرا، ولا سيما بعد أن قيل لنا أننا "خرجنا من قطاع غزة الى الأبد"، لكن أحدا لم يجد بعد طريقة لمدافعة الاعداء سوى غزوهم في عقر دارهم، يمكن أن نسمي هذا "احتلالا"- لكنهم انتصروا دائما في الحروب على هذا النحو، فإذا كنا نريد أن نهزم حماس وأن نوقف إطلاق الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين فهذا ما سنضطر الى فعله".

وأكد المحلل عوفر شيلح في معاريف-1 / 1 / 2009 قائلا: "دون فرح، وبانعدام ثقة متبادلة بين أعضائها، ودون اتفاق على هدف حقيقي أو وسائل لتحقيقه، تتدحرج القيادة الاسرائيلية الى ما يبدو في هذه اللحظة كخطوة برية محتمة".

*مهاجمة غزة ستستمر ما بين 4 إلى 6 أسابيع

وفي سياقٍ منفصل، كشف زئيفي فركش قائد هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق النقاب على أنه "حسب الخطة العسكرية لمهاجمة قطاع غزة فإنها سوف تستمر ما بين أربعة إلى ستة أسابيع"، وحسب الإذاعة العبرية العامة/ (السبت 3 / 1 / 2009 ) فإن "المطبخ السياسي- الأمني الإسرائيلي المكون من الثلاثي أولمرت وباراك وليفني سيوقف العملية وفقا لما وصفوه بالعطاءات لأي جهة عربية أو دولية تعرض شروط تتلاءم مع أمن إسرائيل"، فيما أعلن تساحي هنغبي رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست مؤخراً أن قرار الهجوم البري على قطاع غزة يقترب من ساعة القرار، وأن العالم لا يضغط علينا".

*خفض سقف التوقعات والتمهيد لاحتمالات الفشل
وعلى نحو مكمل وفي ضوء كل ذلك في الحسابات العسكرية الاسرائيلية، وعلى نحو مخالف للسقف العالي من التوقعات الذي وصل الى مستوى إسقاط حكومة حماس وقطع رؤوس قادتها، وعلى الرغم من أن الألوية المشاركة في العدوان البري هي لواء "جولاني"، ولواء "أجوز"، ولواء رجلانيم "المشاة"، وجميعها من النخب، حيث تشارك في الحرب البرية على القطاع، بأعداد كبيرة جداً من الجنود، إلا أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، يومي أمس وأمس الأول بعد الإعلان عن توغل القوات البرية إلى قطاع غزة، اتسمت بـ"محاولات تخفيض سقف التوقعات من الحملة البرية في قطاع غزة، وإعداد وتمهيد الأرضية لكافة النتائج بما فيها تكبد خسائر فادحة، ولم يتم تحديد أهداف عملية وواضحة للحملة. وعوضا عن ذلك استخدمت مصطلحات عامة ومطاطة في تحديد الأهداف كتوجيه ضربة للبنى التحتية لحركة حماس، حتى أن المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي امتنع عن تحديد هدف الحملة بأنه وقف إطلاق الصواريخ/ القناة التلفزيونية الثانية/2009/1/4"، وقالت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني على سبيل المثال "إن الأهداف المتوخاة قد تحتاج عدة حملات عسكرية"، وأعربت عن أملها بأن "تقود نتائج الحملة إلى هدوء لفترة طويلة" مشيرة الى "أن إسرائيل قد تحتاج عدة حملات عسكرية لتحقيق الأهداف التي لم تفصح عنها، ولكنها قالت "إن ذلك سيستغرق وقتا طويلا".

من جانبه قال وزير الحرب إيهود باراك في مؤتمر صحفي عقده بعد الإعلان عن بدء الحملة البرية إنها "لن تكون سهلة أو قصيرة"، مضيفا: "لا أريد أن أوهم أحدا، ستمر أيام ليست سهلة على سكان الجنوب، كما أن العملية العسكرية تنطوي أيضا على مخاطر على حياة الجنود"، وتابع باراك قائلا "إن القرار اتخذ بعد دراسة مستفيضة، ودراسة كل البدائل بشكل جذري، ونحن نواصل توسيع العملية مع علمنا أن الحديث يدور عن عملية يكون فيها صعوبات وضحايا، ولكننا نقوم بذلك من منطلق الإيمان أن هذا واجبنا اتجاه سكان إسرائيل".

من جانبه قال رئيس الأركان، غابي أشكنازي، للجنود، قبل التوغل في قطاع غزة بعد أن كلمة تشجيع للجنود: "نحن مستعدون للعملية وسنصر على تحقيق الأهداف".

وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي آفي بنياهو في حديث للقناة التلفزيونية الأولى "إن المرحلة الثانية من عملية «الرصاص المصبوب» بدأت وتهدف إلى السيطرة على مناطق إطلاق القذائف الصاروخية، وتوجيه ضربة قوية لحماس وتعزيز قوة الردع"، وأوضح "أن الحملة ستستمر أياما طويلة"، إلا أنه أضاف أنها «ستستغرق الوقت الذي تحتاجه». وأوضح "أن الجيش بدأ بتجنيد قوات كبيرة من جنود الاحتياط"، ولكنه رفض تحديد هدف العمليات بوقف إطلاق الصواريخ، وقال "إن تجربة حرب لبنان تجعل من هذا الهدف غير عملي".

وهكذا كما نتابع عبر هذه الأدبيات السياسية والحربية الإسرائيلية كما هي على لسان نخبتهم من السياسيين والعسكريين والمحللين فإن شبه الإجماع لديهم منذ البدايات هو على الاجتياح البري وإسقاط سلطة حماس، غير أن حسابات الحقل لديهم لا تتماشى مع حسابات البيدر، فهم مترددون ومتخوفون من النتائج التي قد تاتي على غير ما يبيتون ويخططون ويريدون، بل وقد تكون النتائج قاسية جدا ميدانيا في ضوء احتمالات أن تتحول غزة فعلا الى حقول ألغام متراصفة تحت أقدامهم، وأن تكون عملية اجتياحهم لغزة صعبة قد تعتبر "معركة جنين بمثابة نزهة صيفية معها" كما يتخوفون.

التعليقات