31/10/2010 - 11:02

التحرّشات الجنسية واستغلال النفوذ../عرين هواري

-

التحرّشات الجنسية واستغلال النفوذ../عرين هواري
نشر برنامج "كولبوتيك"، الذي يُعرض في القناة الإسرائيلية الثانية، تقريرًا كشف عن تحرشات جنسية من مسؤول في أحد مكاتب التشغيل الحكومية، ضد مُتوجّهة لتلقي خدمات، هي أصلا حق لها كمواطنة بحكم كونها معيلة وحيدة لخمسة أبناء. وأظهر التقرير (في حال ثبتت دقة توثيقه للأحداث)، الذي صُوِّر بكاميرا خفية وبشجاعة تستحقّ التقدير من المرأة التي تعرّضت للتحرش، وبالتنسيق المُسبَق مع طاقم برنامج "كول بوتيك"، أظهر سلوكيات مشينة قام بها ذلك المسؤول، تفتقد لأبسط قواعد الأخلاقيات العامة أولاً، ولأخلاق المهنة ثانيا. وهي سلوكيات أشارت إلى استغلال رخيص للمنصب، ولكنها دلّتْ، أيضًا، على استغلال قبيح لاحتياجات النساء في ضمان الدخل الشهري، الذي يُعطى للنساء المعيلات الوحيدات من أجل المحافظة على لقمة عيشهن وعيش عائلاتهن.

وظهر في التقرير مدير مكتب التشغيل في إحدى القرى العربية، يبتزّ امرأة مُعيلة وحيدة، من خلال محاولته اشتراط اعترافه لها بضمان الدخل الشهري، مقابل موافقتها على مرافقته إلى غرفة في أحد الفنادق، بحجّة ملء نماذج طلب ضمان الدخل. نراه أيضًا يقول لها، وبشكل مباشر، إنه أخذها إلى هناك من أجل إقامة علاقة جنسية معها، مما يقطع الشكّ في هدف الدعوة. ورأيناه في جلسة أخرى وهو يبتزّها بطلب قبلة منها، مقابل ملء النموذج لها. ومفهوم للمشاهد أنها تستطيع أن تملأ بنفسها النماذج، ولم تكن بحاجة لقدراته الكتابية ولا لمهاراته "العظيمة" في ملء النماذج، وإنما كانت محتاجة لمصادقته على النموذج لأنه صاحب الصلاحية بحكم وظيفته.

يأخذ استغلال النفوذ أشكالا كثيرة، منها تلقي الرشاوى واستغلال المؤسّسات ومواردها للمصالح الخاصة، ومنها، أيضًا، توظيف المقربين من دون الكفاءات، أي وباختصار- ما نسمّيه فسادًا، وما يعانيه اليوم المواطن العادي دافع الضرائب، سواءً أكان ذلك على المستوى المحلي، ولا سيما داخل السلطات المحلية، أم على المستوى القطري داخل الوزارات الحكومية. وأحيانًا، يأخذ استغلال النفوذ أشكالا أكثر قبحًا، حيث لا يكتفي الشخص بالاستغلال والربح المادي، وإنما يتعدّاه للاعتداء على الكرامة الإنسانية، من خلال التحرّش الجّنسي أو فرض علاقة جنسية على مرؤوسة أو طالبة حق.

وتعالج جمعية "السّوار" توجهاتٍ ترد في أعقاب اعتداءات جنسية على النساء، يوميًا، ويهمّنا استغلال النشر في هذه القضية من أجل توضيح بعض الأمور التي من شأنها أن تساهم في رفع الوعي المجتمعي لموضوع الاعتداءات الجنسية والتعامل معها، إلى جانب تشجيع النساء بكسر حاجز الصمت والخوف، والتوجّه لطلب الدعم، أو العمل على وقف الاعتداء وتقديم الشكاوى ضد المعتدين.

إحدى المشاكل التي تواجهها النساء بعد اعتداء جنسي، أيًّا كان، هي خوفها من عدم تصديق روايتها، وهذا الامر يجعلها في كثير من الأحيان تتوانى حتى عن التوجّه إلى مراكز المساعدة. وينتج هذا، عادة، بسبب النظرة المجتمعية، التي وعلى الرغم من التحسّن الذي طرأ عليها، إلا أنها كثيرا ما تربط بين الاعتداء الجنسي والعلاقة الجنسية بالموافقة، وكثيرًا ما تُتهم المرأة أو الفتاة بأنّ ثمة أمرًا ما في تصرّفها جعلها تتعرض لتحرّش أو اعتداء، هذا إذا لم تُتّهم بمحاولة الإغراء. وفي أحيان كثيرة يكون الشكّ حتى من المُقرّبين لها. وفي أحيان كثيرة نجد أنّ حتى من يحاول أن يساعدها ويدعمها يزيد من معاناتها النفسية من خلال تعامله معها بشكل يصدر أحكاما سلبية عليها، حتى لو كانت النوايا طيّبة.

وتخاف النساء، أيضًا، من التعامل الفضائحي مع الموضوع، ذلك التعامل الذي يتناول قضية الاعتداء الجنسي من باب التسلية في مواضيع تعتبر تابو اجتماعيًا، ولا يتم الحديث عنها؛ فموضوع الجنس والعلاقات الجنسية هو أمر غير متحدث عنه في المجتمع بشكل عادي والتربية الجنسية ما زالت تدخل مدارسنا بالهوامش. لذا، ربما وللأسف يفهم البعض قضايا الاعتداءات الجنسية موضوعًا للتسلية ولتفريغ طاقات مكبوتة، حتى ولو كان على حساب المسّ بكرامة النساء واتهامهنّ بسلوكيات معينة. هذا التعامل قد يسيء للمُعتَدى عليها، ولكنه بالتأكيد يُسيء جدًا لمعالجة هذه الاعتدءات ويكرّس النظرة المجتمعية السّائدة تجاه الموضوع.

وأظهر النشر المذكور أعلاه بشكل قاطع أنّ ذلك المسؤول يحاول استغلال صلاحياته لأغراض جنسية، ويهمنا هنا أن نؤكد أنّ هذه الحالة ليست استثنائية، إذ تصلنا إلى خط الطوارئ في "السوار" الكثير من الحالات التي يقوم بها مسؤول أو مشغل، وأحيانا شخصيات جماهيرية باستغلال مناصبها بأشكال قبيحة، نعرف الكثير عن تفاصيلها في مراكز المساعدة ولكننا نحترم إرادة النساء حين يبغين السّرية، وحين يخفن تقديم شكاوى.

خط الطوارئ لمساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية في "السوار" يدعو مُجددًا النساء اللواتي تعرّضنَ لتحرّش جنسي أو أيّ اعتداء جنسي آخر، للتوجّه إلى "السّوار" لتلقي الدعم والمشورة، وإلى عدم السّكوت على الاعتداء. نتوجه أيضًا إلى الجمهور العام ونناشده التعامل مع هذه القضايا من باب الحرص على صحّة المجتمع وعلى كرامة النساء وكل المُعتَدى عليهنّ أو عليهم جنسيًا، وندعو النساء القلقات على رفع مكانة النساء والدفاع عن حقوقها الانسانية، إلى التوجّه للتطوع في جمعية "السّوار" أو في الاطر النسوية وخطوط الطوارئ الأخرى.

ونتمنى لجميعنا سنة جديدة خالية من العنف على كافة أشكاله.



* الكاتبة مُركّزة مشروع الإعلام في جمعية السوار؛ خط الطوارئ لمساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية: 04-8533044.

التعليقات