31/10/2010 - 11:02

الجريمة تتفشى ومخططات الشرطة في مكان آخر../حنين زعبي

الجريمة تتفشى ومخططات الشرطة في مكان آخر../حنين زعبي
وجهت لوزير الأمن الداخلي خلال الأسبوعين الأخيرين اقتراحات مكثفة ومتتالية لنقاش قضية الجريمة في “الوسط” العربي، بالإضافة إلى استجوابات حول الموضوع، وتوجهات شفهية ومكتوبة.

وقد دلت الأرقام المذهلة، التي نعيشها بعملية استنزاف يومية، أننا لسنا أكثر من “وسط” هو مرتع للجريمة، إذ أنه يحمل نسبة جريمة تفوق معدله السكاني بثلاث أضعاف.
حقيقة أخرى لا تقل خطورة هي أن هذه النسبة ترتفع في مجتمعنا، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بالانخفاض في الوسط اليهودي.

نسبة الجريمة والعنف لدينا عندما تفوق نسبتنا السكانية، وعندما تفوق نسب مقارنة أخرى، تحتاج أيضا لتفسيرات أخرى، تبدأ من شروط حياتنا الأساسية، وتنتهي بانعدام المرجعية الأخلاقية لدى شبابنا ومجتمعنا بشكل عام. فقدان هذه المرجعية هو بمثابة فقدان الرادع الاجتماعي. حالة التسيب تلك تعكس أيضا حالة من انعدام الصلة بين هيئاتنا الوطنية وبين “الشارع”، او بالأحرى حالة انعدام صلة بين مرجعيتنا الوطنية وبين مرجعيتنا الاجتماعية. وننكشف كمرجعية وطنية، تحمل هموم شعبها أمام السلطة أساسا، دون أن تولي اهتماما كافيا، لتجذير نفسها كمرجعية، أو لنقل كبيئة، أو كحالة اجتماعية وأخلاقية أيضا داخل صفوف مجتمعها.
إذ أن التيارات السياسية الفاعلة في حالتنا -حالة هي مزيج من رفض لمرجعية الدولة ومؤسساتها، ومن إهمال هذه المؤسسات لنا- تبقى المرشح الأهم ليس فقط كفاعل سياسي، وإنما أيضا كفاعل اجتماعي، بالذات حيث العائلة والمؤسسات الدينية أو الأهلية أثبتت في أحسن الأحوال عدم قدرتها على إنتاج هذه الحصانة أو المرجعية، وفي أسوأ الأحوال كانت جزءا من الحاجة لمثل تلك المرجعية.

نسب الجريمة تضعنا جميعا، كمواطنين قلقين، لكن أولا كقيادة سياسية أمام المهمتين الرئيسيتين: أولا: متابعة ومحاسبة الشرطة، وثانيا وهي الأصعب: العمل داخل مجتمعنا.
لم يكن هدف الاستجوابات والنقاشات المتكررة التي طرحت على وزير الأمن الداخلي فقط التوصل لنسب الجريمة في الوسط العربي، بل كان هدفها الأهم التحقق من مخططات الشرطة في التعامل مع هذه النسب المذهلة.

الإجابة الأولى كانت عندما عرض وزير الأمن الداخلي مخطط عمل الشرطة في اجتماع للجنة الداخلية قبل اٍسبوعين، وكان واضحا حينها أن محاربة المخدرات والكحول في اوساط الشباب تقع على رأس سلم أولوياته.

وينعكس هذا الاهتمام، في المخطط الأساسي المتعلق بمحاربة العنف، وهو ما يعرف بمخطط “مدينة بلا عنف”، حيث تم توسيع البرنامج من 8 مدن، بينها مدينة عربية واحدة هي راهط، إلى مخطط يضم 72 مدينة وقرية، منها، أكثر من عشرين بلدة عربية.

لكن سرعان ما يتضح من تفاصيل هذا المخطط، مع أهميته، أنه يقوم بمحاربة “المشاغبات” بين الشباب ، وحوادث التعدي على الأملاك، وتعاطي المخدرات، والكحول بين القاصرين، وعلى حد وصف وزير الشرطة نفسه أنه “يدور حول الأمور الصغيرة”. بالتالي فإن هذا المخطط ، الذي ستسوقه الشرطة كثيرا، بالذات في وسطنا العربي، ليس آخرها، الاحتفال الذي جرى في الطيبة والطيرة، المنكوبتين بحوادث القتل والعنف، كمثيلاتهما من البلدات العربية، لا يعالج بتاتا قضايا القتل وإطلاق النار، وليست له أي صلة لا من قريب ولا من بعيد بتطوير برامج لمكافحة هذه الجرائم.

بناء على ذلك، فإن كل الإدعاءات بأنه تم توسيع هذا المخطط ليشمل عشرات المدن والقرى العربية، وبتكلفة عشرات الملايين (أو ربما أقل)، بهدف محاربة الجريمة في الوسط العربي هي إدعاءات خالية من الصحة، وأن الحقيقة هو أن الشرطة لم تقم حتى الآن، بتطوير أي مخطط يختص بمحاربة جرائم القتل المتفشية في الوسط العربي. وهو ما يتم متابعته الآن عن طريق تقديم استجوابات تختص بعمل مراكز شرطة عينية مثل عكا، كرميئيل، وادي عارة، المثلث الجنوبي وغيرها.
الأمر الثاني في متابعة عمل الشرطة هي نسبة حالات تقديم لوائح اتهام، إذ لا يكفي تتبع نسب الجريمة، بل علينا تتبع نسب العقوبة أيضا، وهنا يبرز انخفاض حالات تقديم لوائح اتهام عندما نكون بصدد ضحايا عرب، لكن سيكون لهذه القضية معالجة أخرى.

ولا نستطيع أن ننهي، دون ملاحظة، هي في مقام آخر كانت ستكون محور المقال، وهي خطر تسخير مخطط „مدن بلا عنف”، لمحاربة ليس العنف بين الشباب، بل لمحاربة الشباب العربي نفسه، لمحاربة حرية عمله السياسي ولتعقب ما تعرفه شرطة إسرائبل كمشاغبين، وليس من يعرفهم المجتمع العربي كمشاغبين. فقد ذكرت صحيفة هآرتس قبل عدة أيام بأن كاميرات التصوير التي سيتم وضعها في الناصرة ضمن مخطط „مدينة بلا عنف”، ستهدف أيضا إلى تعقب „حالات شغب”، مماثلة لما حصل في الماضي في أحداث يوم الأرض وأكتوبر، حيث، وأنا أقتبس „واجهت الشرطة مشكلة جدية في إدخال قوات إلى الأماكن الضيقة والمزدحمة. بالتالي سيتم استعمال هذه التجهيزات لمجابهة أحداث مماثلة في المستقبل”.

وفي هذا الصدد علينا، وسلطاتنا المحلية، أن نوضح للشرطة، أنها إذا أرادت أن تنجح في مخططاتها، فإنها لا تستطيع أن تتعامل معنا بازدواجية، فإما أنها تحاربنا كتهديد أمني، وإما أنها تحارب العنف في أوساطنا، لكنها لن تستطيع أن تفعل الأمرين معا.
وفي النهاية لا نستطيع إلا ان نؤكد المطالبة بمؤتمر عام لمناهضة العنف في مجتمعنا ووضع هذه القــضية كقضية أولى على أجندنا السياسية للــــعام 2010.

التعليقات