31/10/2010 - 11:02

الحرب على إيران.. الاحتمال؟ والمنتهى؟../ أمين محمد حطيط*

الحرب على إيران.. الاحتمال؟ والمنتهى؟../ أمين محمد حطيط*
منذ ان انتهت الاعمال العسكرية الاسرائيلية في لبنان في الصيف الماضي والحديث يروج في معظم الاوساط المعنية بالشأن الشرق الاوسطي، حول احتمال حرب جديدة في المنطقة تكون فيها ايران «الفريسة الاميركية» هذه المرة.

وقد تقلبت الاحتمالات بين مرجحة للضربة ومستبعدة لها الى ان بات المشهد اليوم اكثر وضوحا وباتت الحرب على ايران حاجة اميركية داخلية للفريق الحاكم (المحافظون الجدد الذين يتآكل نفوذهم بانتظار الشلل التام مع انتخاب رئيس جديد لاميركا يرجح ان يكون بعيدا عن تفكيرهم وطموحاتهم)... كما وحاجة اسرائيلية ملحة للتخلص من رعب فكرة او تصور امتلاك ايران للقنبلة النووية التي ترى فيها اسرائيل نهاية للمشروع الصهيوني، لا بل للمشروع الغربي برمته في الشرق كله.

ولان الحرب هذه اضحت حاجة للطرفين فإن تنفيذها بالنسبة لهما بات فقط مسألة وقت وتحضير للظرف والذريعة لشنها... فهل ستنفذ؟ وكيف يمكن ان يكون الرد الايراني؟

في البداية يجب التذكير بالأسباب التي تدفع الى شن مثل هذه الحرب من الوجهة الاميركية الاسرائيلية حيث يبدو منها ما يلي:

ـ منع ايران من امتلاك التقنية النووية سواء في ذلك، الوجه المدني لاستعمالها او العسكري، لان المسألة لا تقتصر على التهديد الحربي بالقنبلة النووية بل تتعداها الى الاستراتيجية الغربية القائمة في الأساس على منع تطور الشعوب وبقائها سوق استهلاك ومنع تحولها الى طاقات انتاج تمكنها من الاستغناء عن الغرب، وبالتالي فاننا نرى ان مسألة الرفض او المنع لامتلاك التقنية ليس عائدا الى خطر امتلاك القنبلة بل الى خطر امتلاك القوة الاقتصادية المنافسة وعلى هذا نرى ان الغرب لن يسمح ـ اذا تمكن ـ بتطور البرنامج النووي الايراني الى حد الوصول الى درجة الاكتفاء وانتاج الطاقة منفردا ومستقلا عن الغرب.

ـ منع ايران من الوصول الى عتبة تصنيع السلاح النووي لأن في ذلك اقامة توازن استراتيجي، ومن ثم اقامة توازن الردع النووي مع اسرائيل ما يفقدها الورقة الاخيرة التي لا زالت بيدها بعد تآكل قدرتها الردعية في لبنان تباعا منذ العام 1982 وانتهاء بالعام .2006

ـ تحجيم الدور الايراني في المنطقة بدءا من افغانستان وصولا الى لبنان ومرورا بالعراق وفلسطين، ما يفتح الطريق، كما يتصور المخطط، لاستلحاق الاخفاق وتعويض الفشل الذي يتخبط فيه المشروع الاميركي منذ العام ,2001 ويمكن بالتالي من انقاذ «المحافظين الجدد» الذين يتساقطون الآن في اميركا تساقط ورق الخريف.

ـ حرمان سوريا من دعم الحليف الاستراتيجي، وحرمان «حزب الله» اللبناني من العمق الداعم برأي المخطط، والتأثير على مجرى الاحداث في العراق بشكل يسمح لبوش بالقول انه سينسحب ببعض قواته من العراق بعد ان صنع الظروف المانعة لسقوط العراق في القبضة الايرانية، أي ان الانسحاب الذي سينفذ في خلال الاشهر المقبلة لن يكون «انسحاب فرار» بل سيكون برأيه اعادة انتشار يبررها تراجع الخطر الايراني في العراق، ما يمكنه من القول بأنه انسحاب بعد «انجاز المهمة» التي لطالما تغنى بها...

ـ وقد يكون من الاهداف الظاهرة، هدية تقدم للانظمة العربية «المعتدلة» (بالتسمية الاميركية) والتي تخشى من «الهلال الشيعي» كما كان الترويج قائما... هدية تتمثل بالقول بإجهاض المشروع قبل ولادته او اكتماله، ما يذكر بالحرب الصدامية على الثورة الاسلامية في ايران في العام الثاني لنجاح الثورة، الحرب التي شنت بذريعة مضمرة منع تصدير الثورة... وانتهت الى ما انتهت اليه من تدمير في البلدين، وتعثر الدور الايراني في المنطقة لاكثر من عقدين... وبهذا الهدف تدخل اميركا هؤلاء العرب شركاء لها في الحرب المقترحة، ما يوفر لها فرصة اشراكهم بالنفقات اذا وقعت الحرب ونفذت عملياتها، اضافة الى استعمال اراضيهم كقواعد عسكرية وانطلاق وإطلاق...

ان للحرب على ايران من الأسباب والدوافع ما يجعل امرها شبه ملزم لاصحاب الاهداف تلك وبوقت لا يحتمل التأجيل برأيهم لان في التأخير احتمال فقدان الفرصة التي قد لا تتكرر ظروفها او لا تعوض بذاتها.. فكيف للمحافظين الجدد ان يستعيدوا القرار اذا اخرجوا من السلطة في اميركا وكيف لاسرائيل ان تقوم بمفردها بالعملية ان تغيرت قناعات الحكام الجدد في الولايات المتحدة بعد ,2009 وكيف للعرب ان «يجهضوا الهلال الشيعي الذي يخوفونهم منه، اذا قام هذا الهلال وهدد نفوذهم»... ودعاة الحرب يرون ان الوقت المتاح لتنفيذها لا يتعدى الاشهر التسعة المقبلة التي تنتهي في تموز من العام 2008 الموعد النهائي لاكتمال انسحاب الالوية الاميركية الخمسة من العراق والعودة الى حجم 130 الف جندي يمارسون مهمة استمرار الاحتلال الاميركي فيه، بصرف النظر عن الصيغ والعناوين المعتمدة لتبرير هذا الاحتلال.

هذا في الاسباب، اما في الدلالات على قرب الحرب، فإننا نستطيع ان نسجل هنا بعض الاشارات التي لا يمكن اغفالها:

ـ الاختراق الجوي الاسرائيلي للأجواء السورية الذي فيه احتمال استطلاع المسارب الجوية الفضلى للوصول الى ايران. وقد افصح مؤخرا بعض من في اميركا واسرائيل من المسؤولين بأنه ذو علاقة مع النزاع القائم مع ايران.

ـ تأخير اعلان تقرير لجنة فينوغراد الى الربيع المقبل، لمنع تشكل أي احتمال في زعزعة حكومة اولمرت التي تتطلب الحرب المقبلة استقرارها ولا تسمح الظروف المستعجلة للحرب بإعادة تكوين السلطة هناك بإجراء انتخابات مبكرة اذا سقط أولمرت.

ـ استيعاب محدود لهجمة الحزب الديموقراطي الاميركي ضد بوش بسبب حرب العراق وتقديم البيت الابيض «شيئا ما» بهذا الصدد عبر عنه بالوعد بانسحاب 30 الف جندي، مع ارفاقه بالتهويل من خطر انسحاب اكبر او اسرع نظرا للنفوذ الايراني المتفاقم في العراق والذي يجب ان يعالج برأي المحافظين الجدد قبل تنفيذ الانسحاب الجدي.

ـ التصعيد الاعلامي الغربي، المنسق والمتواتر ضد ايران والاكثار من الحديث عن الحرب ـ الضرورة ضدها وهذا عادة تلجأ اليه السلطة لزرع الفكرة في ذهن الرأي العام، ليكون قادرا على تقبلها، ثم تأييد الحرب اذا وقعت، والاصطفاف خلف جيشه وحكومته في الفترة اللازمة للاعداد والانطلاق في التنفيذ. وكان لافتا في الآونة الاخيرة دخول فرنسا في هذا المجال واعتبار وزير خارجيتها ان «الاستعداد للأسوأ» ويقصد الحرب بات امرا واجبا.

ـ ربط المسألة اللبنانية كليا بالنسبة لاميركا وتابعيها في لبنان، بنتائج التغيير الميداني الذي سيحدثه العمل العسكري المرتقب والذي يجب ان يحصل في الشرق الاوسط والذي يتصور ان يكون برأيهم ضربة قاصمة لايران يكون من نتائجها المباشرة اضعاف حلفائها في لبنان، ما يجعلهم عرضة لتقبل أي مشروع حل يعرض عليهم... وبهذا نفهم رفض الفريق اللبناني التابع لاميركا أي عرض وفاقي لحل مسألة رئاسة الجمهورية، اذ برأيهم انه «من الحمق ان يتنازلوا عن شيء بمقدورهم الاحتفاظ به كله وبرمته بعد الحرب القادمة والمدمرة لايران».

ـ صيغة الدعوة الى مؤتمر السلام حول الشرق الاوسط التي وجهها بوش واستثنى منها ايران وسوريا، وهي صيغة تذكر بصيغة مؤتمر روما حول لبنان الذي انعقد في غمرة الحرب الاميركية ـ الاسرائيلية على المقاومة واستثني من الدعوة يومها كل من سوريا وإيران باعتبار ان الحرب ستنهي «حزب الله» ولا يكون بالتالي دور لأي من البلدين في أي مؤتمر دولي بعد تهميشهما وإلغاء دورهما في «الشرق الاوسط الجديد» المبني على الطريقة الأميركية حيث لا محل فيه الا لمن كان تابعا خاضعا لاميركا.

ان الاسباب، والدوافع والمؤشرات لشن حرب أميركية ـ إسرائيلية ضد ايران باتت موجودة، ولذلك بدأت التسريبات في الاعلام الغربي حول وجود خطط جاهزة للتنفيذ ويبقى ما يستحق التوقف عنده ما يسرب عن تباين بين البنتاغون والبيت الابيض حول التنفيذ بذاته، ففي حين يصر البيت الابيض على شن الحرب، يرفض القادة العسكريون في البنتاغون هذا الأمر وفي هذه الظروف، ويبررون رفضهم بمسائل ثلاث لا يمكن تفاديها الآن من قبلهم ويلزمهم الوقت غير القصير لحلها وهي:

ـ الخسائر الفادحة التي ستلحق بالجنود الاميركيين في العراق في حال نشبت الحرب ووسعتها ايران الى العراق عبر دخول قوى من الحرس الثوري الايراني اليه، قوى تنفذ عمليات خاصة من قبل محترفين اشداء ملتزمين بعقيدة لا تفل تذكر بقتال «حزب الله» في الجنوب، وهنا يتوقع العسكريون الاميركيون تحول قواهم الى رهائن بيد الحرس الثوري، وعندها لن تجدي تهديدات اميركا بإدراج الحرس الثوري على لائحة الارهاب لتوفير الامن للجنود الامركيين في العراق.

بعد كل ما تقدم نعود الى السؤال الأساس: هل ستقدم اميركا على حرب تشنها ضد ايران؟...

من غير المنطقي وفقا للظروف القائمة والمعطيات المتوافرة حاليا ان تقوم اميركا باجتياح بري لايران، والا كانت كمن يقدم جيشه للذبح مع عدم الثقة بالنصر، عبر الدخول في مستنقع لا تخرج منه الا بخروجها مهزومة من كامل الشرق الاوسط، خاصة اذا تذكرنا تجربتيها الفاشلتين حتى الآن في العراق وأفغانستان. وعليه نقول ان الاجتياح البري إذاً مستبعد...
بعد ذلك يبقى احتمال من اثنين، في حال كان الجنون والمغامرة هما اللذين سيتحكمان بالقرار الاميركي:

ـ اما الاحتمال الاول فيتمثل بالضربة النارية الشاملة والمتعددة المصادر والاهداف، وهذا ما تردد لدى البعض من خلال التسريبات الاميركية بوجود بنك اهداف من 1300 هدف (وطرح بعضهم 4000 هدف) يمكن معالجتها خلال خمسة ايام ويكون التدمير التام لها، وافساح المجال بعد ذلك للقوى الايرانية المعارضة للانقضاض على النظام القائم وتغييره واستدعاء اميركا لتحكم عبر هؤلاء...

ـ اما الاحتمال الثاني فيتمثل بتدمير مفاجئ وسريع للمنشآت النووية الايرانية المحددة بـ400 هدف اساسي، تنجز معالجتها في ثلاثة ايام، فاذا انتهت عرض على النظام القائم التفاوض الذي يخرجه من المنطقة ويقيد حركته الداخلية بما يجعل اسرائيل والغرب والعرب ايضا في حال من الطمأنينة حياله... وبين الاحتمالين تبدو وجهة المحافظين الجدد بقيادة تشيني متجهة الى الاحتمال الاول.

هذا بالنسبة لاميركا وحلفائها اما المشهد من الزاوية الايرانية فليس بهذه السهولة فإيران تمتلك من القدرات التي تمكنها من الرد البري والقصف الناري في كامل المنطقة ولن تفلت آبار النفط وطرق نقله، ولا اسرائيل، ولا القوى الاميركية في العراق وسواه من هذا الرد، ثم يطرح السؤال هل من يبدأ الحرب سيستطيع ان يتحكم بقرار إنهائها؟ نحن نشك بذلك.

وعلى هذا الأساس يكون رأينا بعد الذي عرض، ومن منظور عسكري استراتيجي، ان الحرب على ايران حتى الآن لن تكون قرارا يمليه منطق او مصلحة جدية ويكون كل ما يقال حتى الآن بمثابة التهويل الاميركي (والرغبة الجدية الاسرائيلية) لانتزاع شيء ما من إيران. اما اذا كان القرار بضربة عسكرية فعلية قد اتخذ فانه وفي الظروف القائمة قرار غير عاقل ولن يمكن أميركا من الخروج من مآزقها بل سيكون قرار جنون وانتحار ويعد بمثابة الصفرة لانطلاق عملية التغيير الشاملة في الشرق، اذ لن تكون حربا محدودة في الزمان والمكان، بل سيكون قرار حرب شاملة تدخلها الشعوب، وعندها يكون التغيير الحقيقي باتجاه امتلاك الشعوب لقرارها...
"السفير"

التعليقات