31/10/2010 - 11:02

الحرب على إيران مؤجّلة وعلى سوريا معجّلة؟../ عصام نعمان*

الحرب على إيران مؤجّلة وعلى سوريا معجّلة؟../ عصام نعمان*
ثمة أدلة وشواهد وقرائن على أن الولايات المتحدة ليست في صدد شنّ حربٍ على إيران في المستقبل المنظور. خيار الحرب لم يُلغَ بل جرى إرجاؤه إلى حين الفراغ من خيار التفاوض. نتيجةُ المفاوضات ستقرر، بالنسبة إلى إدارة بوش، عقد تسوية مع طهران أو العودة إلى اعتماد خيار الحرب.

بعض الأدلة والقرائن يظهر في تحليل ريفا بهالا في نشرة مؤسسة «ستراتفور» الأميركية للدراسات الاستراتيجية الصادرة بتاريخ 5/6/2007. تقول بهالا إن إيران سلّمت سفير أميركا في بغداد ريان كروكر، خلال مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد بين 5 و6 أيار الماضي، عرضاً لشروط إجراء المفاوضات بين الدولتين. لعل هذه الشروط هي ما جرى بحثه بين كروكر ونظيره الإيراني السفير حسن كاظمي قمي في الاجتماع الذي ضمّهما في بغداد بتاريخ 28/5/2007.

العرض الإيراني ممكن تلخيصه في أربع نقاط: انسحاب أميركي متدرّج مقرون بإعادة تموضع للقوات في قواعد داخل العراق، رفض كل المحاولات الهادفة إلى تقسيم العراق، تعهّد من الكتلة السنّية باستئصال القوى الجهادية المتطرفة، واعتراف واشنطن بأن لا سبيل الى الفصل بين الملف النووي الإيراني والمفاوضات في شأن العراق. في المقابل، تتولى إيران قمع الميليشيات الشيعية المسلحة، تعديل قانون اجتثاث البعث وكذلك الدستور العراقي لمضاعفة التمثيل السياسي السنّي، وضع سياسة تسمح بتوزيع عادل لعائدات النفط (خصوصاً لمصلحة السنّة)، واستخدام نفوذها لتهدئة الأزمات في بعض المناطق كلبنان وسوريا وفلسطين.

يقترب الموقف الإيراني، حسب التحليل في نشرة «ستراتفور»، من موقف الولايات المتحدة، ويأتلف مع توصيات لجنة بيكر ــ هاملتون. الأهم من ذلك كله أنه يتكامل مع نصيحة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الذي دعا إدارة بوش والأكثرية الديموقراطية في الكونغرس في مقالته الشهيرة «دروس فيتنام» في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» (31/5/2007) إلى «وجوب استخلاص تسوية سياسية من بين وجهات النظر المتضاربة والمتداخلة للأحزاب العراقية وجيران العراق وغيرها من الدول المتضررة، تقوم على أساس اقتناع بأن كارثة العراق ممكن، من دون تسوية، أن تفيض وتغمر كل من وما هو حولها».

ليس ثمة ما يشير إلى أن المفاوضات غير العلنية الجارية بين أميركا وإيران تتجه إلى تسوية مرضية. غير أن تواصل المفاوضات يجمّد خيار الحرب بين الدولتين أو يستبعده إلى حين الفراغ منها. في هذه الأثناء يواصل كل من الطرفين القيام بكل ما من شأنه دعم مركزه السياسي والتفاوضي. على هذا الصعيد، يبدو أن إدارة بوش أخذت بنصيحة كيسنجر في إدارة الصراع مع إيران على غرار ما فعله الرئيس ريتشارد نيكسون، بتوصية من كيسنجر نفسه، في إدارة الصراع مع فيتنام الشمالية. فقد قام الأسطول البحري الأميركي آنذاك بتلغيم مداخل جميع الموانئ الفيتنامية الشمالية من دون أن يلقى أية مقاومة سياسية أو عسكرية من حليفيْ هانوي الأساسييْن: الصين والاتحاد السوفياتي. إزاء هذا التطور الاستراتيجي الوازن اضطرت فيتنام الشمالية إلى تلطيف موقفها والموافقة تالياً على تسوية متوازنة وسلمية للصراع. صحيح أن التسوية سقطت بعدئذٍ، لكن كيسنجر عزا ذلك الى الانقسام الحادّ الذي ضرب المجتمع السياسي الأميركي نتيجة فوز معارضين ألدّاء لنيكسون في الانتخابات وقيام الكونغرس بوقف تمويل القوات الأميركية والجيش الفيتنامي الجنوبي الموالي لواشنطن، وبالتالي استغلال فيتنام الشمالية للواقع المستجد وقيامها بهجوم واسع ما كان في وسع الجيش الفيتنامي صدّه من دون عون أميركي بات معدوماً.

ما تسعى إليه إدارة بوش حالياً هو الضغط على إيران بالعقوبات الاقتصادية والعزلة المالية المصرفية وصولاً، ربما، إلى الحصار البحري الكامل والحصار الجوي والبري شبه الكاملين. ذلك كله مع محاولة إقناع المعارضة الديموقراطية في الكونغرس بسلوك طريق التفاوض مع إيران حول العراق من أجل تفادي انقسام في المجتمع السياسي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة كالتي حدثت عام 1974 في شأن فيتنام.

أميركا قادرة على فرض الحصار البحري، بما فيه تلغيم مداخل الموانئ الإيرانية، بواسطة أسطولها الموجود في بحر العرب والخليج العربي ــ الفارسي. والحصار الجوي يمكن أن تنفذه بأعمال قرصنة جوية تتولّاها طائراتها الحربية المنتشرة في قواعد برية وحاملات طائرات في المنطقة. إيران لن تقف، بطبيعة الحال، مكتوفة الأيدي إزاء هذه التحركات العدائية، وهي تؤكد أنها قادرة على مواجهتها وإحباطها لا على مستوى المنطقة فحسب بل على مدى العالم كله. مع ذلك يبقى من المهم استشراف ما يمكن أن تقدم عليه أميركا في إطار مواجهتها لإيران، وخصوصاً ما يتعلق منها بالدول المجاورة للعراق، ولا سيما سوريا.

من المعلوم أن إدارة بوش ما زالت تحمّل سوريا مسؤولية تسلّل الكثير من عناصر الإسلام السلفي إلى العراق. ولا شك في أنها ستتخذ في حقها تدابير سلبية إذا ما أخفقت في التوصل مع إيران إلى تسويةٍ في شأن العراق. وإذ يبدو أفق هذه التسوية مسدوداً لغاية الوقت الحاضر، فإنه يُخشى من أن تدخل إسرائيل على خط المواجهة لإقناع إدارة بوش، إن لم تكن مقتنعة أصلاً، بإخراج سوريا عنوةً من دائرة تحالفها الاستراتيجي مع إيران لتحقيق غرضين في آن: إضعاف إيران، وتعطيل فعالية المقاومة اللبنانية (حزب الله) إن لم يكن محاولة القضاء عليها.

ثمة تطورات تشير إلى أن إسرائيل تسير في اتجاه صدام محسوب مع سوريا. إلى المناورات العسكرية التي أجرتها في الجولان السوري المحتل، والمناورات الاختبارية الأكثر خطورة التي أجرتها في النقب المحتل، والتدريبات المشتركة التي أجراها الطيارون الإسرائيليون مع رفاقهم الأميركيين، فإن إيهود أولمرت بدّل فجأة موقفه المعارض للتفاوض مع سوريا وأخذ يتظاهر بأنه مستعد لمفاوضتها من أجل الانسحاب من الجولان شرط أن تكون مستعدة للتخلّي عن تحالفها مع إيران ودعمها لمنظمات المقاومة الإسلامية الفلسطينية المقيمة قياداتها في دمشق. هذا التبدّل الفجائي في موقف أولمرت من سوريا فسّره مراقبون ومحلّلون عرب وأجانب بأنه غطاء لتطمين القيادة السورية عشية ضربة عسكرية إسرائيلية لها تكون إدارة بوش قد أجازتها.

اكتسب هذا التفسير صدقية وازنة عندما نشر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق شلومو غازيت مقالة في صحيفة «معاريف» انتقد فيها أولمرت وخطواته المتعلقة بالتفاوض مع سوريا واصفاً إياها بأنها خطرة ومستغربة وقد تفسر بأنها «عملية خداع للتستر على هجوم عسكري تخطط له إسرائيل».

القيادة السورية العليا لا تفوتها، بطبيعة الحال، هذه المناورات. غير أنه يقتضي بحث ما يمكن أن يتناوله هجوم إسرائيل المحتمل وموقف إيران منه.

يُخشى أن تكون لحوادث مخيم نهر البارد ومخيم عين الحلوة والتفجيرات التي وقعت في مناطق مختلفة من الشمال والجبل والعاصمة في لبنان صلة بما تعدّ له إسرائيل ضد لبنان وسوريا. حتى لو كانت هذه الحوادث والتفجيرات من صنع جهة إسلامية سلفية، فإن ذلك لا يمنع إسرائيل من استغلالها على نحو يخدم أغراضها العدوانية.

من هنا تنبع ضرورة استراتيجية جوهرها تطويق هذه الحوادث والتفجيرات ومنع تطورها إلى حربٍ داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو بين هذه المخيمات وقوى الأمن اللبنانية. ذلك أنه يُخشى من أن تنتهز إسرائيل، ومن ورائها أميركا، حال الاضطرابات والفوضى المتفاقمة لتنفيذ هجومها العسكري المحتمل ضد سوريا ولبنان على خطين: ضربة جوية وصاروخية صاعقة للقاعدة الصناعية السورية (بما فيها منشآت تصنيع الصواريخ) والبنى التحتية بقصد إعادة سوريا إلى الوراء خمساً أو عشر سنوات، ومحاولة الوصول إلى طريق بيروت دمشق عبر وادي البقاع الجنوبي في لبنان بهدف تهديد منطقة جنوب سوريا، والإعلان لاحقاً عدم استعدادها للانسحاب إلّا بعد نشر قوات دولية، بقرار من مجلس الأمن، على طول الحدود بين البلدين، بدعوى وقف تدفّق السلاح إلى المنظمات الإرهابية في لبنان.

إن هجوماً إسرائيلياً محتملاً هذه أهدافه وعواقبه يفرض على إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية سؤالاً بالغ الخطورة: ما الموقف منه، وكيف يقتضي ردعه؟

لا يخفى على القيادة الإيرانية أن إسرائيل تعتزم ضرب منشآتها النووية، عاجلاً أو آجلاً، بدعوى منعها من امتلاك أسلحة تدمير شامل، وذلك بتدمير برنامجها النووي أو على الأقل، «إلحاق الأذى به بطريقة تؤخّر تنفيذه لأعوام»، كما صرح أولمرت في نيسان الماضي. من هنا تتضح أهمية حماية سوريا لتبقى من خلال تحالفها مع إيران قوة رادعة لإسرائيل. ولا يخفى على القيادة السورية أن ضرب المقاومة اللبنانية يؤدي أيضاً إلى تعطيلها كقوة رادعة للكيان الصهيوني.

لقد سبق لإيران أن هددت، بلسان الرئيس محمود أحمدي نجاد، خلال حرب إسرائيل العدوانية على لبنان صيف العام الماضي، بأنها لن تتوانى عن ضرب الكيان الصهيوني إذا ما سوّل لنفسه مهاجمة سوريا. وهددت سوريا إسرائيل خلال الحرب نفسها بالتدخل (إلى جانب المقاومة) إذا ما اقتربت القوات الإسرائيلية الغازية من الحدود السورية، أي إذا ما تقدمت إلى وادي البقاع الجنوبي.

إذ تتعرض سوريا ولبنان لهجوم عسكري إسرائيلي محتمل مجاز من أميركا، كما في الصيف الماضي، فإن الثالوث المناهض للمشروع الإمبراطوري الأميركي الصهيوني مُطالب، مرة أخرى، بأن يحمي قوته الردعية المتبادلة ويحافظ عليها بإعلان كلٍ من إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية استعداده لنصرة بعضهم بعضاً سياسياً وعسكرياً إذا ما تعرض أحدهم لهجوم إسرائيلي أو أميركي. النصرة هنا تعني خوض الحرب بلا تردد لأن ضرب أيّ من الأطراف الثلاثة وإخراجه من معادلة الصراع يعني إضعاف الطرفين الآخرين وتعريضهما لمصير مماثل، عاجلاً أو آجلاً.

ولعل الإعلان المسبق لهذا الموقف الاستراتيجي القاطع من شأنه ردع العدو وحمله على صرف النظر عن حربٍ تكبّده من الخسائر الفادحة ما هو، بالتأكيد، بغنى عنه.

"الأخبار"

التعليقات