31/10/2010 - 11:02

الدولة اليهودية وقوننة العنصرية../ سليمان أبوارشيد

الدولة اليهودية وقوننة العنصرية../ سليمان أبوارشيد
قوننة العنصرية هي حالة اضطرارية تلجأ إليها إسرائيل بعد فشل أدوات الضبط والسيطرة الأخرى التي مارستها على مدار أكثر من 60 عاماً ضد العرب الفلسطينيين المتبقين داخل الخط الأخضر، وهي السياج الحديدي الذي تحاول المؤسسة بواسطته صياغة ما تعتبره المزرعة الإسرائيلية التي يسمح للفلسطينيين العرب في نطاقها ممارسة حرياتهم وحياتهم المدنية السياسية دون الخروج عن نطاق المقولات الصهيونية التي تقف في مركزها مسألة يهودية الدولة واقعاً وتاريخاً.

وفي هذا السياق فإن حبلاً سرياً واحداً يربط قانون منع إحياء النكبة بقانون تحدي يهودية الدولة وقانون ربط الحقوق بالولاء. وما يجمعها هو تحدي الواقع بواسطة التمسك بالرواية التاريخية التي تضع علامات السؤال حول شرعية هذا الواقع وتوظيفها كآلية لتغييره. ولكي نكون واضحين فإني أقصد بهذا الواقع إسرائيل كدولة يهودية.

لقد ربطت الحركة الوطنية في الداخل على مدى عقود ماضية حل مسألة الفلسطينيين في الداخل بحل القضية الفلسطينية، فراهنت على شعار التحرير الذي رفعته الأنظمة القومية في الخمسينيات والستينيات، وبعد فشلها راهنت على منظمة التحرير الفلسطينية التي أوكلت لنفسها هذا الدور في السبعينيات وبداية الثمانينيات، وووجهت هذه الحركة بقمع السلطة بسبب هذا الربط،، إبتداء من حركة الأرض وانتهاء بحركة أبناء البلد. وليس من قبيل الصدفة أن هذه الحركات التي آمنت أن الحل يأتي من الخارج بقيت على هامش العمل السياسي في الداخل الذي تمحور حول القضايا المدنية والحياتية.

مع توقيع اتفاق أوسلو الذي كان بمثابة إعلان مشفوع بالقسم عن تخلي م. ت. ف عن شعار التحرير، أخذت الحركة الوطنية في الداخل قضية فلسطينيي 48 الوطنية لأيديها، وتحولت من كونها وكيلاً للحركة الوطنية الفلسطينية التي تمثلت بـــ م.ت.ف أو رافداً هامشياً لها إلى حامل لهذه القضية، قضية الفلسطينيين في الداخل التي، شئنا أم أبينا، لها تداعيات على مجمل القضية الفلسطينية.

ما حدث بعد تسليم م.ت.ف بحل الدولتين المأمول هو تجزئة القضية الفلسطينية، حيث أصبح هناك قضية فلسطينيي الــ "67" و"فلسطينيي الشتات" و "فلسطينيي 48"، وإن كانت م.ت.ف لم تتخلّ رسمياً عن قضية اللاجئين وحق العودة فإنها في قضية الــ 48 قد تخلت رسمياً عن قضيتهم الوطنية أو حقوقهم الوطنية التي، وبحكم تعريف الدولة لنفسها كدولة يهودية، أصبحت حقوقهم المدنية مرتبطة بها، إذ كيف لعربي فلسطيني أن يحصل على مساواة في الحقوق المدنية في دولة تعتبر اليهودية سادنها وبوصلتها في التعامل مع المواطنين.

من هنا جاءت دولة المواطنين أو دولة كل مواطنيها التي كان لعزمي بشارة أولية طرحها وترجمتها إلى مشروع سياسي وطني تعدى حزب التجمع الوطني الديمقراطي كمشروع إعتراضي ليهودية الدولة.

ربما لم يتوقع عزمي بشارة، الذي واجه عنصرية إسرائيل بــ "لبراليتها" المزعومة، ماذا أصاب بطرحه لمثل هذا المشروع وهي التي حاولت إعتباطاً توأمة يهودية الدولة بديمقراطيتها. لقد كانت دولة كل مواطنيها قنبلة سياسية فجرت هذه التوأمة المصطنعة ووضعت التناقض في نصابه بين يهودية الدولة وبين ديمقراطيتها، مظهرةً إسرائيل وفي أحسن الأحوال كنظام إثنوقراطي يحفظ الديمقراطية لليهود ويمارس نظام الفصل العنصري ضد العرب.

لقد أزعجهم جداً هذا الخطاب الذي تعمم بسبب صدقه ومصداقيته ليصبح ملك الجماهير وأحزابها وطلائعها، خاصة وإنه فتح الباب وأسبغ الشرعية على توجه رديف بمظهر إسلامي ألا وهو مشروع المجتمع العصامي الذي أخذت الحركة الإسلامية الشمالية بتنفيذه بهدوء ودون "شوشرة"، متمثلاً ببناء المؤسسات المتمايزة عن مؤسسات الدولة من باب ليس فقط سد الفراغ، وإن استغلت هذا الفراغ، بل من باب بناء الذات الوطنية المتميزة وتعزيزها.

كل ذلك ترافق مع خطاب سياسي لا يساوم على مصادرة التاريخ والذاكرة ولا يتعامل معها كجزء من التراث فقط، بل يتعامل معها كورقة أساسية في مقارعة المؤسسة وسياستها، مشروع يضع روايتهم أمام روايتنا، وهو بالتالي يفيد بأن التنازل عن الوطن مقابل المواطنة الكاملة هو تنازل كبير من طرفنا ويحتقر اعتبار المواطنة منّة أو كرم أخلاق من قبل إسرائيل.

مشروع وطني إسلامي وأن بدا برأسين يلوح بالوطن في وجه من يريدون مصادرة المواطنة أيضاً بعد أن بين أن المواطنة لا يمكن أن تقوم في واقع متعدد القوميات وأن التعامل مع المواطنين العرب بمساواة يتطلب وقف احتكار الدولة من قبل إحدى القوميات (اليهودية) أو الكشف عن وجهها الحقيقي كدولة فصل عنصري بمعنى قوننة العنصرية، وهو ما حاولت إسرائيل تحاشيه طيلة العقود السابقة. ومن جهة ثانية فإن تعثر حل الدولتين يجعل هذا الطرح أو هذا الخيار يمتد على طول الوطن وعرضه.

لقد حاولت إسرائيل إعادة عجلة التطور الوطني لدى فلسطينيي 48 من خلال ضرب رأسي هذين التيارين، د.عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح اللذين طاولا بطرحهما سقف المساواة المدنية في نطاق الدولة اليهودية إلا أن ضرباتها لم تنجح في وقف تقدم هذه الطروحات التي تعممت جماهيرياً وإستبطنتها طلائع المثقفين والسياسيين وسائر النخب الاجتماعية، ناهيك عن القاعدة الجماهيرية العريضة التي باتت تتمتع بها والتي لا يمكن ضربها أو نسفها.

وقد جاءت سلسلة قوانين اليمين الأخيرة تعبيراً عن مأزق المؤسسة الإسرائيلية سالف الذكر في التعاطي مع العرب الفلسطينيين الذين يحاولون كسر سياسة الضبط والسيطرة واستيحاء المستقبل من خلال التمسك بالتاريخ وربط وشائج أجزاء الحلول بالعودة إلى الأصول أو الأصل التاريخي المتمثل بالنكبة التي بها بدأت المشكلة وبمعالجتها يبدأ الحل.

* رئيس تحرير "العنوان الرئيسي"

التعليقات