31/10/2010 - 11:02

الرئيس عباس.. وخداع الذات../ أحمد الحيلة*

الرئيس عباس.. وخداع الذات../ أحمد الحيلة*
تلقى الرئيس عباس دعماً سياسياً ومادياً من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الاحتلال الإسرائيلي.. وذلك نتيجة لموقفه الرافض للحوار الفلسطيني الداخلي مع حركة حماس، وباتخاذه مجموعة من القرارات والمراسيم التي تعزز الفصل بين الضفة والقطاع، وتضفي المزيد من التعقيد على الوضع الفلسطيني الداخلي..
إنها مفارقات الوضع الرديء للشرق الأوسط، ومفارقات التشوه الحاصل في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي أضحى لاعباً في المعادلة الفلسطينية الداخلية بدعمه لطرف على طرف آخر.

فالاحتلال منذ اللحظة الأولى التي رفض فيها السيد عباس الحوار مع حركة حماس إثر أحداث غزة، عمل بشكل واضح وسريع على استثمار اللحظة بتأييد الرئيس عباس وتحريضه على اتخاذ سياسات وقرارات مضادة لحكومة الوحدة ولاتفاق مكة الذي لم يحظ في الأصل برضا واشنطن وتل ابيب..

فاللقاء الذي جمع أولمرت ـ عباس في القدس تمخض عن عدة خطوات إسرائيلية تشجيعية وداعمة للسيد عباس وحكومته في رام الله، وذلك بموافقة الحكومة الإسرائيلية على إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً أغلبيتهم من حركة فتح، ووقف مطاردة 178 مطلوباً من الحركة، والوعد بتحويل المزيد من أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة، والنظر في إمكانية تخفيف بعض الحواجز العسكرية بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة، وذلك شريطة التزام عباس بعدم الحوار مع حركة حماس ورفض الشراكة السياسية معها..

في ذات الاتجاه دعا الرئيس الأمريكي بوش في خطابه (16/7) إلى مؤتمر دولي للسلام يحضره الفلسطينيون (عباس) والإسرائيليون، وبعض الدول العربية شريطة اعترافها بالاحتلال الإسرائيلي، والاتفاقيات الموقعة معه كبطاقة إذن بالدخول والمشاركة في هذا المؤتمر الذي سيناقش رؤية بوش في حل الدولتين على أرض فلسطين التاريخية، كمقدمة للسلام في الشرق الأوسط. هذا بالإضافة إلى وعد الرئيس بوش بتقديم 190 مليون $ لحكومة الرئيس عباس في رام الله، وتقديم 80 مليون $ أخرى لإعادة بناء الأجهزة الأمنية التابعة لعباس وذلك بتوجيه وإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون الذي ارتبط اسمه بالخطة العسكرية، للإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية، بقيادة محمد دحلان.

عند النظر في الوعود السابقة نجد أنها تشكل خطوات احتفالية بعيداً عن المضمون الحقيقي وجوهر الحل المطلوب للقضية الفلسطينية، في مقابل أثمان باهظة يقدمها الرئيس عباس من أصل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية.

فالأسرى الفلسطينيون (250 أسيرا) المزمع إطلاق سراحهم، منهم 138 أسيراً كان سيطلق سراحهم في غضون عام على أكثر تقدير، وهم ممن لم "تتطلخ أيديهم بالدماء اليهودية" حسب التعبير الإسرائيلي الدارج، وأغلبيتهم الساحقة من حركة فتح، مما جعل الرئيس عباس يبدو وكأنه زعيم لحزب أو فصيل ومفاوض باسمه وليس رئيساً للشعب الفلسطيني الذي له نحو أحد عشر ألفاً من أبنائه في سجون الاحتلال.

أما العفو عن 178 فتحاوياً من المنتسبين لكتائب شهداء الأقصى، فهذه مسألة عصية على الفهم، فكيف لمقاوم نذر نفسه للوطن يقبل بإلقاء سلاحه طواعية والاحتلال ما زال قائماً ويمارس أقسى وأقصى أنواع الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية التي يعيش فيها هؤلاء؟! إلا إذا كان هؤلاء ممن آثروا تقديم مصالحهم وسلامتهم الشخصية على مصلحة الوطن والشعب، فخطوتهم تلك جاءت لتشوه مسيرة حركة فتح الوطنية والنضالية، وطعناً في ظهر آلاف الشهداء والجرحى الذين قدموا أنفسهم فداءً لفلسطين.

أما الأموال المقدمة لسلطة عباس في رام الله فهي من نوع المال السياسي المشروط، فالقسم الأكبر منها سيذهب للأجهزة الأمنية التابعة لعباس وبإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون، وهذا في حد ذاته يثير علامات استفهام كبيرة على دور تلك الأجهزة ومهماتها القادمة.

وكما قيل، فإن تلك الخطوات ليست إلا بوادر لبناء الثقة، ولكن السؤال إلى أين ستقودنا تلك البوادر وفي أي اتجاه وما هو الثمن المطلوب؟

للإجابة على هذا السؤال نعود إلى خطاب الرئيس بوش في واشنطن للبحث في المفردات؛ فالرئيس بوش ناشد الطرفين (عباس وأولمرت) الالتزام بخارطة الطريق موضحاً أنه "بواسطة خارطة الطريق فقط سيتمكن الفلسطينيون من تحقيق دولتهم"، مضيفاً أن "من واجبات السلطة الفلسطينية نزع السلاح، وتحرير جلعاد شليط" (الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة) بمعنى أن أي تقدم في المسار السياسي مرهون ومشروط بالتزام الرئيس عباس بإنهاء المقاومة الفلسطينية وحصر السلاح في الأجهزة الأمنية التي تعمل وفق اتفاقات أوسلو، وهذا بالمناسبة ما ذهب إليه الرئيس عباس قبل خطاب بوش ولقائه مع أولمرت عندما أصدر مراسيم تجرّم سلاح المقاومة بوصفها ميليشيا، مطالباً حكومة فياض في رام الله، باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهائها وجمع السلاح. وهذا في حد ذاته ما هو مطلوب إنجازه خلال الأشهر القادمة قبل انعقاد مؤتمر السلام الذي دعا له الرئيس بوش.

وعلى فرض أن الرئيس عباس ـ وهذا مستحيل بحكم الواقع ـ استطاع الإيفاء بالشروط الأمنية الأمريكية ـ الإسرائيلية، فإن الأفق السياسي لا يحمل الكثير للفلسطينيين، فالرئيس بوش تحدث في خطابه عن انسحابات إسرائيلية تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الأمنية لإسرائيل، وموضحاً أن الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية الموعودة ستحدد بالتوافق وليست وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، وذلك مع حق إسرائيل في الاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية على قاعدة التعويض على الفلسطينيين بأراض أخرى، وهذا مؤشر على إقرار واشنطن بواقع الجدار الذي يصادر نحو 40% من أراضي الضفة الغربية، ولذلك فإن خطاب الرئيس بوش لاقى استحساناً لدى الحكومة الإسرائيلية التي وجدت فيه تعبيراً واضحاً عن التصورات الإسرائيلية للحل مع الفلسطينيين.

هذا ناهيك عن أن الخطاب تجاهل الحديث عن المواضيع الأساسية كالقدس، اللاجئين، والسيادة.. ، أي أن الأفق السياسي يكشف عن سقف أعلاه "دولة" فلسطينية مؤقتة على جزء بحدود 60% من أراضي الضفة الغربية، أو دويلة مشوهة دون مقومات حقيقية للحياة. دويلة مرتهنة اقتصادياً بالاحتلال وبالمساعدات الدولية، وخاضعة للابتزاز السياسي، الأمر الذي يعزز شبح الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة والقطاع، ويقزم ويختزل القضية الفلسطينية بمدن وكانتونات إدارية متناثرة تحت رحمة الاحتلال.

الرئيس عباس بسياسته تلك يوهم نفسه ويخدع شعبه، ويجعل من نفسه جسراً لإنفاذ مضمون خطة شارون للانفصال أحادي الجانب، ولكن هذه المرة باتفاق مع طرف "فلسطيني"، وهذا إن تم سيعد أكبر إنجاز لإيهود أولمرت المأزوم سياسياً بعد هزيمته في لبنان، وسيعد هدية مجانية للرئيس بوش المأزوم عسكرياً في العراق، وذلك على حساب القضية الفلسطينية.

التعليقات